كان يوم أمس السياسي، يوم العقوبات الأميركية التي طالت الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بعدما بدا واضحاً أن توقيت العقوبات غير منفصل عن مسارين قيد التشكل، كما قال بيان هيئة الرئاسة في حركة أمل التي انعقدت برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري لتقييم العقوبات وسياقها وتحديد الموقف منها، وخرجت بربط العقوبات بمساري التفاوض على ترسيم الحدود البحرية الذي قالت إنه انتهى إلى تفاهم يبقيه الأميركيون رهينة يرفضون الإفراج عنها ربما أملاً بالتراجع والتعديل لحساب مطالب إسرائيلية حملها شينكر ورفضها بري عبر مستشاره علي حمدان الذي نقل لشينكر رفض أي تعديل على التفاهم، الذي أنجز في شهر تموز الماضي، وكان بري يطلب إعلانه من دون جدوى، فجاءت العقوبات رسالة أميركية تنعى الاتفاق وتفتح باب التفاوض تحت سيف العقوبات. وبالتوازي ربطت هيئة رئاسة أمل برئاسة بري العقوبات بمسار آخر قيد التشكل هو المسار الحكومي، الذي أرادت العقوبات أن تقول بشأنه إن تولي أمل لوزارة المال التي كان يشغلها خليل، أمر دونه الغضب الأميركي الذي عبّرت عنه العقوبات.
في السياقين موقف بري، ومن ورائه دعم حزب الله، هو أن لا تغيير بواسطة حروف الجر، فلن تتعدل المواقف بلهجة الإمرة الأميركية، “عليكم أن تفعلوا وإلا..”، فهذا لن يغير شيئاَ، وقد أخطأتم العنوان والمكان والزمان، والرسالة وصلت، فماذا يعني ذلك؟
وفقاً لمصادر متابعة ستتمسك أمل ومعها حزب الله ومكوّنات الغالبية النيابية بما تمّ التوصل إليه في مفاوضات الترسيم من دون قبول العودة للتفاوض مجدداً، كما كان الهدف الفعلي لزيارة معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر الذي مهّد للعقوبات وأطلق الحديث عنها خلال زيارته، ووفقاً للمصادر فإن معادلة العقوبات تقول إن رفض بري للتفاوض مجدداً ثمنه حرمان أمل من وزارة المال، ولذلك سيكون الردّ بالتمسك بالموقفين، وزارة المال ورفض التفاوض، وإلا فليشكل الرئيس مصطفى أديب حكومته، كحكومة لون واحد لن يحجب عنها هذه الصفة الاختباء وراء صفة تقنيين، وسوف تنال الحكومة الثقة، ولكن عليها أن تضع في حسابها أنها ستلقى دعم الملتزمين بالسياسات الأميركية بين النواب، وستكون تحت سيف المساءلة والمحاسبة من الذين قرّرت واشنطن تهديدهم بالعقوبات خدمة للمصالح الإسرائيليّة. وقالت المصادر إن الرئيس المكلف مصطفى أديب ينتظر القراءة الفرنسية لما بعد العقوبات الأميركية، ومدى التمسك الفرنسي بحكومة تحظى برضا الجميع، خصوصاً أنه محلياً يقع بين قراءتين مختلفتين لمن قاموا باقتراح تسميته، واحدة للرئيس السابق سعد الحريري تدعوه للتمهّل والحرص على التصرّف بما يحفظ الإجماع الذي لقيه في التسمية فيعكس التأليف نتائج التكليف، ويكون الحساب على الموقف من الإصلاحات وإقرارها، ودرجة تسهيل عمل الحكومة بعد تشكيلها، بالتوافق، وبالمقابل موقف الرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي يشجع أديب على التشدّد وفرض تشكيلة أمر واقع يضمن تمثيل من يرغب الفرنسيون بتمثيلهم، ومعهم مجموعة من الأسماء التي تتحدّر من مؤسسات دولية يرضى عنها الأميركيون، والإصرار على منحها صفة حكومة اختصاصيّين، والتهديد بالاعتذار إذا تمّ رفض التشكيلة من قبل رئيس الجمهورية. وقالت المصادر إن الزيارة السريعة لمدير المخابرات الفرنسية برنار إيميه إلى بيروت اتسمت بالاستطلاعية، للتعرف على مناخات ما بعد العقوبات الأميركية وتجميع المعطيات وتأكيد البقاء على مبادرة الرئيس أمانويل ماكرون بعناوينها العريضة، لكن مع الدعوة للتريّث حتى يوم الجمعة لبلورة موقف أشد وضوحاً من باريس ربما يحمله إلى بيروت المستشار أمانويل بون المكلّف من الرئيس ماكرون بمتابعة الملف اللبناني.
وتفاعل قرار العقوبات المالية على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس على الساحة المحليّة حاجباً الأضواء عن ملف تأليف الحكومة، فيما كان لافتاً توقيت وشكل القرار الأميركي الجديد وتزامنه مع المساعي الحثيثة لتأليف حكومة جديدة تحت ظل المبادرة الفرنسية إضافة الى أن القرار سبق زيارة مرتقبة لمساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر إلى بيروت لمتابعة التفاوض بملف ترسيم الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة.
وقد أجمعت أحزاب المقاومة والقوى الوطنية على إدانة قرار العقوبات الأميركي بحق الوزيرين خليل وفنيانوس والتأكيد على أنها لن تؤثر على المواقف السياسية والوطنية والقومية لحركة أمل وتيار المرده.
وردت حركة أمل في بيان بعد اجتماع طارئ لهيئة الرئاسة برئاسة رئيسها نبيه بري مؤكدة “ان هذا القرار لن يغير من قناعاتنا ومن ثوابتنا الوطنية والقومية على الإطلاق. وإن حدودنا وحقوقنا السيادية في البحر والبر نريدها كاملة ولن نتنازل او نساوم عليها مهما بلغت العقوبات والضغوطات ومن أي جهة أتت”.
وأضافت: “اتفاق السير بترسيم الحدود البحرية في الجنوب اللبناني اكتمل مع الولايات المتحدة الأميركية ووافقت عليه بتاريخ 9/7/2020 وحتى الآن ترفض توقيت إعلانه دون أي مبرر”. معتبرة أن “فرمان” وزارة الخزانة الأميركية والذي جاء في توقيت كان فيه اللبنانيون بغالبية قواهم السياسية والبرلمانية قاب قوسين أو أدنى من الوصول الى حكومة جامعة يُعوّل عليها ان تعمل على إخراج لبنان من أزماته، فهل هذا القرار للقول لنا إن الذي يدفعنا هو “أحرف الجر؟”… مخطئ مَن يعتقد ذلك”.
من جهته، اعتبر رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أن “قرار الخزانة الأميركيّة بحق الوزير السابق يوسف فنيانوس هو اقتصاص من موقفه وقناعته ونعتبره قراراً سياسياً ما يزيدنا تمسكاً بخطنا ونهجنا”.
كما رأى حزب الله في بيان أن “هذا القرار الجائر هو وسام شرف للصديقين العزيزين ولكل من تتهمه الإدارة الأميركية بأنه مقاوم أو داعم للمقاومة”.
وأشار إلى أن “سياسة العقوبات الأميركيّة هذه لن تتمكن من تحقيق أهدافها في لبنان ولن تؤدي إلى إخضاع اللبنانيين وإجبارهم على التنازل عن حقوقهم الوطنية السيادية، بل ستزيدهم تمسكاً بقرارهم الحر وكرامتهم الوطنية وسيادتهم الكاملة، وإن المواقف الصادرة عن هيئة الرئاسة في حركة أمل وعن رئيس تيار المردة تؤكد هذه الحقيقة”.
وأشارت أوساط نيابيّة في التيار الوطني الحر لـ”البناء” الى أن “العقوبات الأميركيّة الجديدة على أمل والمردة هي استمرار للحرب على لبنان واستقراره السياسي والاقتصادي بعد أن تحوّلت الولايات المتحدة الى شرطي على العالم وفرضت معادلة الحق للقوة بدلاً من القوة للحق مستخدمة قوة العملة الأميركية لفرض عقوبات على كل مَن يخالفها الرأي ويعارض سياساتها في المنطقة والعالم”. وأعلنت الأوساط نفسها رفضها لهذه العقوبات الجديدة معلنة تضامن التيار مع النائب علي حسن خليل والوزير فنيانوس، معتبرة أن “هذا أمر مبدئي لا علاقة له بحليف او صديق أو خصم سياسي”.
وعما إذا كان التيار يعتبر أن العقوبات الجديدة رسالة غير مباشرة لكل حلفاء حزب الله بمن فيهم التيار ورئيسه النائب جبران باسيل، ردت أوساط التيار بأننا “لا نخاف وإذا كان سلاح العقوبات الأميركي بسبب موقفنا السياسي فلن نتراجع عنه”. واضعة العقوبات في “سياق الضغط والعقاب السياسي على لبنان وتغليفه بأمور مالية وفساد وإرهاب”.
على المستوى الرسمي طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه، اجراء الاتصالات اللازمة مع السفارة الأميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن، للاطلاع على الظروف التي دفعت وزارة الخزانة الأميركية الى فرض عقوبات على الوزيرين السابقين النائب علي حسن خليل والمحامي يوسف فينيانوس وذلك كي يبنى على الشيء مقتضاه.
وتردّدت معلومات من جهات عدّة تدور في الفلك الأميركي عن دفعة ثانية من العقوبات الأميركية ستشمل سبع شخصيات لبنانيّة مرتقبة الأسبوع المقبل.
وترافقت العقوبات الجديدة مع تصعيد في اللهجة الأميركية وتحمل تهديدات للبنان، وقد نقلت وسائل إعلام خليجيّة عن الخارجية الأميركية قولها إن “واشنطن عازمة على محاسبة السياسيين اللبنانيين على فسادهم وإنه لا بد من تحقيق مطالب الشعب اللبناني”. وتابعت الخارجية الأميركية أن “العقوبات ضد شخصيات لبنانية رسالة قوية لحزب الله وندرس فرض عقوبات إضافية على داعمي حزب الله”. مضيفة: “نريد حكومة في لبنان شفافة ونزيهة ونشجع الدول على اتخاذ خطوات لمحاسبة الفاسدين في لبنان”.
وفيما رسمت علامات استفهام حول علاقة التصعيد الأميركي الجديد في ظل تقدم المبادرة الفرنسية حكومياً، وما اذا كانت العقوبات تهدف الى عرقلة الجهود الفرنسية أو التكامل معها! وفيما نقلت مصادر إعلامية عن اتجاه فرنسي لملاقاة العقوبات الاميركية بعقوبات فرنسية أوروبية على شخصيات لبنانية، أوضح المتحدث باسم السياسة الخارجية الأوروبية بيتر ستانو في حديث تلفزيوني أن “لا خطط أوروبية لفرض عقوبات على مسؤولين أو هيئات لبنانية في الوقت الحالي”.
على صعيد تأليف الحكومة، لم تتضح الصورة الحقيقيّة للمسار الذي يسلكه الرئيس المكلف مصطفى أديب وسط الغموض الذي يلفّ عمله وعدم اتصاله بالقوى السياسية للتشاور معها بمسألة التأليف ما شكل انزعاجاً واستفزازاً لمختلف الكتل النيابية.
وبحسب معلومات “البناء” فإن لقاء الرئيس عون والرئيس المكلف كان إيجابياً، لكن أديب أوحى لعون بأنه المعني بتأليف الحكومة وأن لرئيس الجمهورية الحق بالقبول أو الرفض وليس الفرض. وبناءً عليه فإن الرئيس المكلف سينتهي من وضع التشكيلة النهائية المتضمنة توزيع الحقائب وإسقاط الأسماء ويعرضها على رئيس الجمهورية الذي إما يوافق عليها، وبالتالي تصدر مراسيم التأليف خلال أيام وإما يضع ملاحظاته ويطلب من الرئيس المكلف إجراء تعديلات، فإما يأخذ الأخير بها وإما يتجه الى الاعتذار مع انتهاء المهلة الفرنسيّة في 18 الشهر الحالي. وبحسب معلومات أخرى لـ”البناء” فإن المشاورات على خط عون – أديب تتجه الى اعتماد صيغة الـ 20 وزيراً كحل وسطيّ بين طرحي الـ 24 الذي يفضله عون لأنه يمنحه أكبر عدد من الوزراء وبالتالي حرية الحركة في مجلس الوزراء وبين طرح الـ 14 وزيراً الذي يفضله أديب لأنه يشكل فريق عمل مصغر متجانس مخفف من ثقل الأحزاب لتسهيل اتخاذ القرارات والإنتاجية وتضعف قدرة رئيس الجمهورية والأطراف الأخرى على المناورة والتعطيل والعرقلة داخل مجلس الوزراء.
وبحسب معلومات “البناء” فقد طرحت صيغة لحل عقدة المداورة بين الأحزاب وليس الطوائف وتقضي بأن تنال حركة أمل وزيراً وآخر لحزب الله من الاختصاصيين غير الحزبيين على أن يسمي الرئيس المكلف وزيراً شيعياً للمالية من الخبراء الاقتصاديين من المجتمع المدني. لكن الرئيس بري أظهر تشدداً في هذه النقطة لا سيما بعد قرار العقوبات معلناً تمسكه بالمالية.
وأشارت مصادر أمل لـ”البناء” الى أن “الحركة تسهل التأليف الى حد كبير وتأخذ بعين الاعتبار الاوضاع الصعبة في البلد، لكن شرط ألا يتم تجاوز التوازن الطائفي والسياسي في الحكومة، وهذه مسؤولية الرئيس المكلف بكيفية تأمين هذا التوازن”. ورفضت امل مقارنة وزارة الطاقة بالماليّة، فالأولى مجرد مكسب خدمي لكن الثانية أمر ميثاقي.
وبحسب ما تقول مصادر أخرى لـ”البناء” فإن “المشاورات بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية توصل الى قواسم مشتركة لشكل الحكومة وعلى بعض المبادئ على أن تترجم في اليومين المقبلين على أن يحضر الرئيس المكلف تشكيلة تتضمن توزيعة للحقائب وعدد من الأسماء لعرضها على رئيس الجمهورية لإبداء رأيه فيها”، وبرأي المصادر فإن “الرئيس المكلف باتت لديه لائحة بأغلب الأسماء جلهم من الاختصاصيين لكن لم يعلنها قبل الاتفاق على الثوابت”، مرجّحة “حكومة الـ 20 وزيراً تتضمّن وزراء مسيّسين محسوبين على القوى السياسية”.
من جهتها أشارت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر إلى أن “التيار ينتظر أن ينتهي الرئيس المكلف من انجاز التشكيلة لنبدي رأينا فيها وبالأسماء المقترحة مع استعدادنا للتسهيل الى أقصى حد من المشاركة الكاملة الى عدم المشاركة الكاملة مروراً بالمشاركة ببعض الوزراء الاختصاصيين المسيّسين الذين يقترحهم الرئيس المكلف ونوافق عليهم، لكن سنطعي الثقة للحكومة وإن لم نكن ممثلين فيها من منطلق التسهيل وإعطاء جرعة دعم للحكومة”. وأكدت أن “الرئيس المكلف لم يتصل بالوزير باسيل ولا بأي مسؤول في التيار ولكن أبلغناه خلال لقائنا به في الاستشارات غير الملزمة في المجلس النيابي أن ما يهمنا ليس المشاركة من عدمها بقدر ما يعنينا برنامج عمل الحكومة وكفاءة ونزاهة وخبرة الوزراء ومدى قدرتهم على إنجاز الاصلاحات”. ولفتت إلى أن “مهلة منتصف الشهر ليست مقدسة ولن يؤدي تجاوزها ببضعة أيام الى اعتذار الرئيس المكلف بل المهم الوصول الى حكومة منتجة ولو أخذت بعض الوقت”. مرجحة أن “يقدم الرئيس المكلف تشكيلته النهائية للرئيس مطلع الأسبوع المقبل”. وأوضحت مصادر التيار أن “التيار سبق وطالب بمبدأ المداورة في الحكومات الماضية وعدم تكريس أعراف وسوابق للطوائف لكي لا تتحول وزارات إلى محميات طائفية، والآن يزيد تمسكنا بهذا المبدأ لكون الحكومة العتيدة ستكون إصلاحية بمهمة محددة تستدعي عدم تخصيص وزارات لطوائف معينة”، معولة على “تجاوب حركة امل في هذه النقطة لتسهيل ولادة الحكومة”.
من جهة أخرى، وفي موقف عربي خليجي، هو الأول من نوعه بعد تكليف مصطفى أديب، تمنت الخارجية السعودية أن “يستعيد لبنان عافيته بعيداً عن الميليشيات الطائفية والتدخلات الخارجية”.
في غضون ذلك استمر السجال على خط ميرنا الشالوحي – معراب. فبعدما اتهم رئيس القوات سمير جعجع التيار الوطني الحر بتعطيل تأليف الحكومة، ردت اللجنة المركزية في التيار على جعجع في بيان واصفة كلامه بالـ”معيب جداً”، مضيفة أن “ما يحصل من مسلسل كذب يحرص جعجع على الاستمرار فيه اعتباراً منه ان الكذب طريق وصوله الى قلوب الناس”.
ولفتت مصادر التيار لـ”البناء” الى أن “ردود التيار الأخيرة على رئيس القوات بشكل مباشر جاءت بعد أن طفح الكيل من اتهاماته وتناوله العهد ورئيس الجمهورية ورئيس التيار وتجاوزه لكل الأصول، علماً أن وزراء التيار ونوابه ردوا سابقاً على كل الملفات التي تناولها جعجع ورغم ذلك استمرت هجماته علينا، لا سيما أن جعجع سبق وأشاد بخطة الكهرباء التي قدمها التيار في الحكومات السابقة متهماً الطبقة السياسية الفاسدة بعرقلتها… فما الذي تبدل لكي يغير موقفه؟”.