هل تنجو محاولات الفصل بين الولادة الحكومية وتداعيات المعركة المتفجرة حول ملف العقوبات الأميركية في إنقاذ “مشروع حكومة الرئيس مصطفى أديب” من ان يدفع الثمن الباهظ لهذا الاشتباك الذي اخترق استحقاق تشكيل الحكومة العتيدة ؟
لقد رسمت التداعيات الحادة خصوصا في البيئة السياسية وحتى الدينية للثنائي الشيعي التي اثارها قرار وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس مخاوف جدية لدى الدافعين نحو انضاج التشكيلة الحكومية الجديدة التي كان يعمل الرئيس المكلف مصطفى أديب على إنجازها قبل نهاية الأسبوع الحالي. واستندت هذه المخاوف الى توقيت قرار العقوبات في عز اقتراب العد العكسي لانجاز التشكيلة الحكومية ضمن مهلة الأسبوعين المتوافق عليها لبنانيا وفرنسيا خشية ان يربط الثنائي الشيعي ومعه قوى حليفة العقوبات بما اعتبروه تشديدا للحصار الأميركي على “حزب الله” وحلفائه في لحظة انفتاح بين الحزب وفرنسا على خلفية الرعاية الفرنسية للواقع اللبناني في ظل زيارتي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للبنان. ومع ان معظم المؤشرات تؤكد ما أوردته “النهار” امس من تنسيق وتكامل بين الدور الفرنسي المرن والتشدد الأميركي، يبدو ان المعطيات الطارئة أدت الى فرملة عملية تشكيل الحكومة بالحد الأدنى ان لم تتجاوز الأمور التجميد الى احتمالات التعطيل والعرقلة.
ذلك ان المعلومات المتوافرة ليل امس اشارت الى ان عملية التأليف دخلت حالة من الجمود بعدما كانت المعطيات تشير الى ان الرئيس المكلّف سيحمل الى بعبدا بين اليوم وغد تشكيلته الحكومية الجاهزة بالحقائب والاسماء من اربعة عشر وزيراً من اختصاصيين مستقلين بتسهيل من كل القوى السياسية وفق ما اتفقت عليه مع الرئاسة الفرنسية.
وعلم ان الرئيس المكلّف وحرصاً على عدم استفزاز الثنائي الشيعي بعد القرار الاميركي، ولئلا يفسر اي قرار سيتخذه بالتسميات الجاهزة وفق ما يراه هو مناسبا وتحديداً في اختياره الوزير الذي سيشغل حقيبة المال، اتخذ القرار بالتريث في حمل تشكيلته الى بعبدا.
وهذا يعني انه مصر على ألا يسمي اي طرف وزراءه بمن فيهم وزير المال الذي يصر رئيس مجلس النواب نبيه بري على تسميته. ونقل عن بري امام زواره امس ان البحث لم يصل بعد الى من يسمي الوزير الشيعي في المال وهو سيكون مرناً باقتراحه الاسم للرئيس المكلّف ولديه في جعبته اسماء كثيرة من غير حزبيين واختصاصيين، وسيبقى يعرض الاسم تلو الآخر حتى يرضى الرئيس المكلّف بأحدها، مشيراً الى ان الجميع يريد تسهيل ولادة الحكومة لأن لدينا ستة اشهر صعبة.
وكانت المعطيات في قصر بعبدا تشير الى ان التشكيلة الحكومية وصلت الى اسقاط الاسماء على الحقائب في الاجتماع المرتقب عقده قبل نهاية الاسبوع، انطلاقاً من رغبة بالتعجيل كي لا تدخل في التعقيدات.
وحرصت كل القوى الداعمة للحكومة على الاعلان انها تريد التسهيل ولا شروط لها لا في حقيبة ولا بتسمية تاركة موقفها الى حين الاطلاع على الاسماء ومعرفة ما اذا كانت استفزازية او مقبولة.
وانقسمت الاراء بين من اعتبر قرار العقوبات الاميركية عصا عرقلة في عجلة المبادرة الفرنسية، وبين من اعتبره مساعداً لها بإبعاد تأثير الثنائي الشيعي عن الحكومة المقبلة وحركة “أمل” عن وزارة المال. لذلك رأى فيه فريق الثامن من اذار “قراراً سياسيا للي ذراع المقاومة والهدف منه ترهيب كل من يدور في فلك الثنائي الشيعي، ومع مثل هذا الضغط لن تكون هناك حكومة جديدة وقد يعود الخيار الى حكومة مواجهة، اي اعادة تعويم حكومة تصريف الاعمال”.
وقالت مصادر متابعة انه رغم الحرص على تسهيل المبادرة الفرنسية والتمسك بانجاحها، الا ان الرئيس بري لن يتراجع بعد الآن عن تولي التسمية في وزارة المال، و”حزب الله” لن يكون الا الى جانبه وتالياً لن يكون بوسع رئيس الجمهورية السير بحكومة يضع الثنائي الشيعي نفسه خارجها، مما يعني عودة ملف الحكومة الى النقطة الصفر.
ترسيم الحدود
وكانت ردود الفعل على العقوبات الأميركية اتسمت باستنفار واسع لدى الثنائي الشيعي والمجلس الإسلامي الشيعي. ولعل ابرز الردود جاء عبر البيان الذي أصدرته هيئة الرئاسة في حركة “امل ” الذي لم يستغرق في تفاصيل الاتهامات التي وجهت الى الوزير السابق علي حسن خليل، بل كان لافتا انه ركز على ملف ترسيم الحدود البحرية في الجنوب كما لو انه ربط قرار العقوبات بموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري وفريقه من الترسيم. وقال البيان ان قرار العقوبات “لن يغير قناعاتنا وثوابتنا ..ان حدودنا وحقوقنا السيادية في البحر والبر نريدها كاملة ولن نتنازل عنها او نساوم عليها مهما بلغت العقوبات والضغوط من أي جهة أتت”. وكشف البيان ان اتفاق ترسيم الحدود البحرية في الجنوب “اكتمل مع الولايات المتحدة ووافقت عليه في تاريخ 9 تموز 2020 وحتى الان ترفض توقيت إعلانه دون مبرر”. وفيما اعتبرت “امل” استهداف علي حسن خليل “استهدافا للبنان وسيادته وللخط والتنظيم الذي ينتمي اليه” اعتبر “حزب الله” القرار “وسام شرف للصديقين العزيزين ولكل من تتهمه الإدارة الأميركية بانه مقاوم او داعم للمقاومة”. ووصف الإدارة الأميركية بانها “سلطة إرهابية “مشددا على ان سياسة العقوبات “لن تتمكن من تحقيق أهدافها في لبنان”. كما ان المجلس الشيعي الأعلى اعتبر القرار “جائرا ويمس السيادة اللبنانية” ووصفه “بالقرار الصهيوني”.
واعتبر رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية القرار بحق يوسف فنيانوس ” اقتصاصا من موقفه وقناعته ولن يزيدنا الا تمسكا بخطنا ونهجنا”. واعلن مساء ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون طلب من وزير الخارجية الاتصال بالسفارة الأميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن للاطلاع على الظروف التي أملت قرار فرض العقوبات الأميركية على خليل وفنيانوس “ليبنى على الشيء مقتضاه “.
وفيما ترددت معلومات عن دفعة جديدة من العقوبات على شخصيات لبنانية ستصدر قريبا أكدت وزارة الخارجية الأميركية امس عزم واشنطن على محاسبة السياسيين اللبنانيين على فسادهم مشددة على تحقيق مطالب الشعب اللبناني وأكدت “اننا نريد حكومة في لبنان شفافة ونزيهة وندرس فرض عقوبات إضافية على داعمي حزب الله “.