بعد ستة وثلاثين يوماً على انفجار المرفأ الذي دمّر الحجر وأزهق أرواح البشر، لتخرج أصوات حكومة المستشارين المشؤومة وتقول إن “شرارة التلحيم” فجّرت العنبر رقم 12 بما فيه من أطنان نيترات الأمونيوم، فإن الشؤم نفسه لا يزال يلاحق المرفأ وأهل بيروت حيث اندلع أمس حريق هائل في أحد المستودعات نتيجة “شرارة قصّ” الحديد وفق روايةٍ رسمية، ليكون اللبنانيون على موعدٍ جديد مع القلق والرعب، إضافة للخشية الصحية نتيجة نوعية المواد التي احترقت أمس وسبّبت أعمدةً كثيفة من الدخان خنَقت ما تبقى من أنفاس اللبنانيين.
وإذا كان واضحاً أن طالع السوء يلاحق هذا البلد في ظل وجود هذه الطغمة التي امتهنت الإهمال والهدر والفساد، وتركت اللبنانيين ودولتهم ومؤسساتها فريسةً للهريان، فإن أداء السلطة أمس لم يكن أفضل من أدائها يوم انفجار 4 آب، فاقتصر ردّ فعلها البارحة على الاجتماعات والتصريحات والتحليلات “الشرارية” لأسباب الحريق، فيما غضب اللبنانيين يتطاير شرراً وسيحرق عاجلاً أم آجلاً كل من أمعن في هدم مستقبله. وقظ كان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بالغ الدلالة في تعليقه على ما حصل بالقول: “يا لها من نعمة إلهية وجود وزارة الذئاب والمستشارين”.
رئيس لجنة الأشغال النيابية النائب نزيه نجم، الذي تفقّد المرفأ كما قال لـ”الأنباء”، وكان أجرى سلسة اتصالاتٍ شملت مديرية الدفاع المدني، وفوج إطفاء بيروت، ومدير عام المرفأ، وكل قادة الأجهزة الأمنية فيه، وصف ما جرى “بالكارثة، المخطّط لها عن قصدٍ، أو عن غير قصد، لتشويه صورة بيروت مدينة الإشعاع والنور، وعاصمة الثقافة العربية”.
وانطلاقاً مما رآه، قال نجم: “إذا كان ما جرى عن غير قصد فتلك كارثة، وإذا كان مقصوداً فالكارثة أعظم”، محذّراً من الأيام الآتية، “وما قد تحمله لتشويه بيروت وإلحاق الأذى بها وبسكّانها”، واضعاً كل ما شاهده في عهدة القضاء والنيابة العامة، وسأل: “هل أحدٌ يصدّق أنه بعد انفجار بيروت الذي وقع في الرابع من آب، باتت تصل درجة الإهمال لدى المسؤولين عن أمن المرفأ إلى درجة السماح بتفريغ بضاعةٍ سريعة الاحتراق من زيوتٍ، وإطاراتٍ مطاطية، وما شابه، من دون أدنى حسٍ بالمسؤولية؟ ثم يأتي من يقوم بأعمال الصيانة والتلحيم فتُحرق العنابر بما فيها؟ ما يحصل في مرفأ بيروت لم يحصل مثيل له في كل مرافئ العالم”، مستغرباً “كيف حلّت اللعنة على بيروت في ظلّ العهد القوي”، وتوجه بالسؤال إلى رئيس الجمهورية ميشال عون: “أهكذا يا فخامة الرئيس تُعامَل بيروت أمُّ الشرائع باستلشاقٍ وقلّة تدبير في عهدك؟”، مكرراً فرضية المؤامرة على بيروت وأهلها، وطالب “القضاء العادل التوسّع بتحقيقاته حتى جلاء الحقيقة الكاملة”، ورأى أن “بيروت كانت حلم كل لبناني، فلماذا يدمّرون هذا الحلم ولمصلحة من؟ ومن هو صاحب وجه الشؤم الذي جعلنا نتحسّر على الماضي، ولنقول البحر من خلفنا والنار والدمار والانفجار من أمامنا؟”.
قضائياً، أفادت مصادر قضائية جريدة “الأنباء” أن المحقق العدلي القاضي فادي صوّان، الذي استمع بالأمس إلى كلٍ من وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، بصفة شهود في انفجار مرفأ بيروت، مصرٌ على التوسّع بالتحقيق ليشمل كل وزراء الداخلية، والأشغال، والعدل، الذين تعاقبوا على الحكم منذ إدخال باخرة الأمونيوم إلى بيروت، بصفة شهود، ومن تثبت إدانته منهم خلال الاستماع لإفادته سيُدَّعى عليه بجرم التسبّب بالانفجار.
المصادر نفت أن يكون القاضي صوّان يبحث عن كبش فداء لتقديمه هديةً يختتم بها التحقيق، وذلك في إشارةٍ بين هلالين إلى الضبّاط الأربعة الموقوفين في سجون المؤسّسات العسكرية التي ينتمون إليها، وكشفت المصادر بأن صوان على تنسيقٍ وتبادلٍ للمعلومات مع المحقّقين الدوليين التابعين لمكتب الـFBI، والمحقّقين الفرنسيين. والمصادر لفتت إلى تسطير مدعي عام التمييز استنابات قضائية للتحقيق بحريق المرفأ يوم أمس، والادّعاء على كل من تثبت علاقته، أكان عن قصدٍ أو غير قصد، أو عن طريق الإهمال.
وفي الشأن الحكومي، أفادت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة أن الرئيس المكلف مصطفى أديب كان مرجّحاً أن يحمل اليوم الجمعة، أو غداً السبت، إلى بعبدا مسودة تشكيل الحكومة لمناقشتها مع الرئيس عون، وإجراء التعديلات عليها، وتذليل بعض العُقد التي ما زالت تعيق التشكيل، لكن المصادر لفتت الى أنه ربما يصار الى تأخير إضافي لموعد اللقاء في ظل ما حمله اللواء عباس ابراهيم من نتائج غير محسومة من زيارته الى العاصمة الفرنسية.
المصادر أبلغت “الأنباء” أن زيارة اللواء ابراهيم إلى باريس، ولقائه رئيس المخابرات الفرنسي برنار إيمييه، تتعلق بملفين، الأول أحدهما تشكيل الحكومة وعددها ودورها وأسماء وزرائها، وثانيهما العقوبات التي تصدر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق بعض السياسيّين، في محاولة للسعي لدى باريس الضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتجميد العقوبات في الوقت الحاضر.
وقد ذكرت معلومات جريدة “الأنباء” أن ما عاد به ابراهيم لم يكن واضحاً، اذ إن مصادر وثيقة الاطلاع أكدت ان الفرنسيين لا زالوا يؤيدون مطلب أديب بحكومة مصغّرة من أصحاب كفاءة واختصاص وبعيدة كل البعد عن الوجوه السياسية المعروفة، فيما عون يصر على التوسيع والثنائي الشيعي يصرّ على المالية، وتوقعت المصادر ان يتم إيجاد حل وسط لكل هذه الأمور.
وقد دعا النائب نزيه نجم في حديثه مع “الأنباء” الى “تسهيل مهمة الرئيس المكلّف، وإطلاق يده لتشكيل حكومة اختصاصيين لا علاقة لها بالفاسدين، تأخذ على عاتقها انتشال البلاد من الغرق وتباشر بالإصلاحات المطلوبة لأن الناس كفرت بكل شيء”.
وفي تعليقه على المواقف التي تتحدث عن قرب تشكيل الحكومة، سأل نجم: “إذا كان هذا الكلام صحيحاً فماذا ذهب يفعل المدير العام للأمن العام في باريس؟ وهل وصلت الأمور إلى درجة أننا لم نعد نستطيع، كسياسيّين، تشكيل حكومةٍ من دون تدخّل دولٍ أجنبية؟ فأين الحسّ بالمسؤولية لدى بعض القوى السياسية المعرقِلة لتشكيل الحكومة؟”.