عيش البلاد أياماً عصيبة تكتنفها ظروفٌ من أدق وأصعب ما يمكن أن يحيق بمصير دولة ما، حيث سترسم نتائج هذه الأيام مساراً من اثنين: إمّا التوصّل لحكومة ذات صدقيةٍ في العمل على ما هو ملقى على كاهلها من أزمات، وتُوقف مسار الانهيار؛ وإمّا لا حكومة والذهاب عوض ذلك نحو المجهول الذي باتت ملامح هويّته ترتسم مع الدفعة الأولى من العقوبات التي تنتظرها، على الأرجح، دفعات أخرى.
في غضون ذلك لا يزال رئيس الحكومة المكلّف، مصطفى أديب، مصراً على تشكيل حكومته في فترة الخمسة عشر يوماً التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أي قبل يوم الثلاثاء المقبل، حيث سيعمل أديب على تقديم تشكيلةٍ حكومية تضم أربعة عشر وزيراً، ليرمي الكرة لدى رئيس الجمهورية ميشال عون، والمجلس النيابي.
إلّا أنّ واقع الأمور لا يوحي حتى اللحظة بما هو مطمئن. فقبل العقوبات على الوزير السابق علي حسن خليل، كانت هناك تسهيلات من الثنائي الشيعي للمبادرة الفرنسية، لكن بعد العقوبات أصبح التشدّد واضحاً. فالرئيس نبيه بري يتمسّك بوزارة المال، الأمر الذي يتّخذه البعض ذريعة للانقلاب على مبدأ المداورة.
وقد أشارت مصادر مطّلعة عبر “الأنباء” إلى أنّ الثنائي الشيعي يتمسّك بما يُصطلح على تسميته “مبدأ الميثاقية” في وزارة المال، ويتّخذ من هذا المبدأ فرصةً لاختبار المبادرة الفرنسية، وما إذا كانت تتماهى مع الضغوط والعقوبات الأميركية أم لا. فإذا كانت تتطابق مع العقوبات فليس هناك ما يلزم لتسهيل المبادرة. وبحال لم تكن متطابقة، على الفرنسيين إثبات ذلك بحسن النوايا، وتفهّم موقف الثنائي من خلال القبول بمنحه وزارة المال، مع التمسّك بمبدأ المداورة.
وأضافت المصادر: “لا يبدو حزب الله وحركة أمل في وارد التنازل عن هذا المبدأ، بينما الرئيس المكلّف سيعمل وفق المبادرة الفرنسية وأجندته، والإصرار على تشكيلته بالصيغة المعروفة، وهو ما يعني الاستمرار بالضغط من جهة رؤساء الحكومة لتنفيذ الشروط الموضوعة لعملية التشكيل، مع خروج وجهة نظرٍ جديدة بحال عدم القبول بتشكيلته، إذ يعتكف بدل أن يعتذر، ويحتفظ بورقة التكليف والتأليف، بينما تُلقى الكرة في ملعب رئيس الجمهورية ومجلس النواب”.
في المقابل فإن رئيس الجمهورية يتحضّر لشن حملة مضادة حول صلاحياته بأنه ليس “باش كاتب”، ولا يمكن ان يرضخ لكل الضغوط التي يتعرّض لها، وأنّه شريكٌ رئيسي في عملية تشكيل الحكومة ولن يتنازل عنها. وسيمهّد الرئيس لهذا الهجوم بموقفٍ لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يعلن فيه خروج التيار من مفاوضات تشكيل الحكومة، وعدم المشاركة فيها، مقابل أن يسمّي رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين، وبذلك تبقى المشكلة سنّية- شيعية، وذلك بحسب ما أفادت المصادر.
تزامناً، كشفت مصادر بعبدا لجريدة “الأنباء” أن الفريق السياسي المعاون للرئيس عون اتّصل بأكثر من اسمٍ من رموز ثورة 17 تشرين المسيحيين، وتحديداً الذين كانوا يعملون في الظل، وطلبوا منهم تزويدهم بالسيَر الذاتية العائدة لهم، لأن هناك رغبة لدى عون بتوزيرهم.
وفيما تردّد أن هؤلاء تردّدوا بإرسال سيَرهم الذاتية للقصر الجمهوري خوفاً من إحراق أسمائهم، تقول المصادر إن موقف البعض منهم كان إيجابياً لدرجة الإعلان عن استعدادهم للمشاركة في أي تشكيلة حكومية.
وفي هذا السياق، تفيد المصادر المواكبة لتشكيل الحكومة أن الاتصالات بين بعبدا، وعين التينة، والرئيس المكلّف، لن تتوقف وأن المحادثات بينهم تتخطى المجاملات، فقد دخلت في الأسماء المقترحة، وأن أديب وعلى الرغم من تكتّمه في هذا الشأن يسعى ليكون على بينةٍ من الأسماء المرشّحة لدخول الحكومة، والتي هي في حوزة الرئيس عون وبري. وبحسب المصادر المواكبة فإن التشكيلة الحكومية التي يعدّها أديب تلحظ وجوهاً من الاختصاصيين، ورجال الأعمال المحايدين، وستكون مفاجئةً للجميع.
من جهته، أشار عضو كتلة “التنمية والتحرير”، النائب قاسم هاشم، في حديثٍ مع “الأنباء” إلى أنّ، “لا أحد يعرف إذا ما كان تشكيل الحكومة سيتم بعد غد الإثنين أم لا، لأن الاتصالات التي يجريها الرئيس المكلّف تتم بسريةٍ تامة”، لكنه توقّع أن تتكثّف الاتصالات في الساعات الـ 24 المقبلة، “على أمل أن تصبّ في الاتّجاه الإيجابي بعد لقاء الرئيسين عون وأديب المرتقب”.
وعمّا إذا كان الرئيس بري يحمل مفتاحاً للحل، نقل هاشم عن بري التمسّك بحقيبة المال، معتبراً أنها “تكرّست للطائفة الشيعية منذ التسعينيات، وكان مطروحاً في ذلك الوقت اسم الوزير رضا وحيد لتسلّمها، لكن الرئيس رفيق الحريري عارض هذا الموضوع، واستعان بالجانب السوري للضغط على الرئيس بري، وهدّد في حينها بالاستقالة من الحكومة، فقبِل الرئيس بري التخلي عن وزارة المال وقتها ضمن شروط حتى عادت الأمور الى مسارها الطبيعي اليوم”، مشدداً على أن “وزارة المال أصبحت اليوم خارج السجال السياسي، والرئيس بري متمسكٌ بها باعتبارها مكمّلة للميثاقية، ولهذا السبب لا يجوز مقارنة وزارة المال بأية حقيبة ثانية”.
وعن موقف الرئيس المكلّف من تمسّك بري بحقيبة المال، قال هاشم: “من الواضح أن هناك من يدفع بالرئيس مصطفى أديب للسير بالمداورة الكاملة، وأن تكون وزارة المال من ضمنها”، مشدّداً في مقابل ذلك على، “التمسّك بها إلى حين إعلان الدولة المدنية والانتهاء من المحاصصة الطائفية”.
مصادر “التيار الوطني الحر” أكّدت من جانبها القبول بمبدأ المداورة شرط أن تشمل كافة الوزارات. وأشارت للأنباء إلى أنه، “لا معنى للسير بالمداورة في حين يتمسّك البعض بحقائب معيّنة، فيصبح من حق كل فريق التمسك بالحقيبة التي يريد”.
وعن وجود عُقَدٍ تعيق تشكيل الحكومة، رأت مصادر “الوطني الحر” أن هذا الموضوع، “يتابَع من قِبَل رئيس الجمهورية، والأجواء لا توحي بوجود عقدٍ كبيرة”.
مصادر “المستقبل” نبّهت في اتصالٍ مع “الأنباء” من “وضع الألغام في طريق الرئيس المكلّف بقصد العرقلة ودفعه إلى الاعتذار”، مستغربةً أن “ينتقل الحديث عن تشكيل الحكومة إلى قصر الإليزيه”، وتمنّت أن “لا يكون السبب لإيفاد المدير العام للأمن العام، عباس إبراهيم، إلى باريس بقصد الضغط على الرئيس المكلّف لتقديم تنازلات في الوقت الذي نعرف مَن هي الجهات التي عليها أن تقدّم التنازلات”.
مصادر تكتل “الجمهورية القوية” أعلنت لـ”الأنباء” أنها مع الإسراع في تشكيل الحكومة، حتى ولو أن التكتل لن يشارك فيها، “لأن أمور البلد لا يمكن أن تستقيم بدون حكومة، خاصةً وأن بعض الوزراء في الحكومة المستقيلة أخذوا يتصرفون وكأنهم مستمرّون في تصريف الأعمال حتى نهاية العهد”.
المصادر شدّدت على، “تمسّك تكتل الجمهورية القوية بالتحقيق الدولي في انفجار المرفأ”، وقالت: “لقد مضى ما يقارب الأربعين يوماً على الكارثة، ولم يُشِر القضاء إلى الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة، إلى أن أتى حدث الأمس ليزيد الأمور غموضاً بأن ثمة أيدٍ خفيّة تعبث بأمن البلد، لأن ما يجري في حرم المرفأ ليس بريئاً على الإطلاق”.
قضائياً، كشفت مصادر قضائية لـ”الأنباء” عن توقيف 21 شخصاً على علاقةٍ بحريق المرفأ أول من أمس، ومن بينهم أصحاب الشركة المستورِدة لمادة الزيت، والعاملين معهم، وبعض الحراس، على أن يجري التحقيق معهم ابتداءً من يوم الإثنين المقبل، فيما يعكف القاضي العدلي، فادي صوان، على مراجعة إفادات الموقوفين بحادثة المرفأ تمهيداً لاستكمال تحقيقاته مع وزراء الأشغال والعدل والداخلية الذين تسلّموا هذه الوزارات منذ العام 2014 حتى اليوم.
المصادر رأت أن اجتماع القصر الجمهوري الذي حضره قائد الجيش جوزيف عون، ورؤساء الوحدات الأمنية المولجة حماية مرفأ بيروت، تركّز على أمرين، الأول: إزالة كل المواد القابلة للاحتراق من حرم المرفأ، وإبلاغ أصحابها بضرورة نقلها إلى مكانٍ آخر، أو تلفها من قِبل القوى العسكرية؛ وثانياً: تشديد المراقبة على إدخال البضائع إلى المرفأ، والتأكيد على خلوّها من المواد المتفجرة وفي حال الاشتباه بأي جسمٍ غريب ضرورة اتّخاذ المقتضى المطلوب بحق المخالفين.