بات في حكم المؤكد ان ساعات حاسمة تفصل بين انجاز الرئيس المكلف مصطفى أديب تشكيلته الحكومية والتوافق عليها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والافرقاء السياسيين بما يؤذن بولادة الحكومة في مطلع الأسبوع المقبل على ابعد تقدير وبين احتمال تعثر الولادة وعرقلة انجاز الاستحقاق الحكومي في لحظاته النهائية الحاسمة . ومع ان المؤشرات والمعطيات المتجمعة من مختلف الأوساط المعنية استبعدت اخفاق المشروع الحكومي في لحظة اقترابه من الاختراق لان ذلك سيرتب أثماناً كبيرة لن يرغب أي فريق داخلي الان في تحمل تبعتها خصوصا لجهة التداعيات التي ترتبها أي عرقلة على العلاقات اللبنانية مع فرنسا الراعية والرافعة القوية للوضع اللبناني في الظروف الحرجة الحالية التي يجتازها فان ذلك لم يرق الى مستوى الضمانات الحاسمة الكافية للجزم بالولادة الحكومية في الساعات المقبلة. وبدا واضحا عقب الجولة الأخيرة من الاتصالات اللبنانية الفرنسية لا سيما منها بعد زيارة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم لباريس ولقاءاته مع خلية العمل الرئاسية الفرنسية لمتابعة الوضع في لبنان ان باريس تتشدد حيال التزام ما اتفق عليه بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والقيادات السياسية اللبنانية خصوصا لجهة التزام مهلة الأسبوعين التي تعهد الافرقاء اللبنانيون احترامها لتشكيل الحكومة وهو ما يجب ان يترجم في الساعات الثماني والأربعين المقبلة. وتكشف هذه المعطيات حذرا فرنسيا كبيرا حيال احتمال اختلال المهلة المحددة لان من شأن ذلك فتح الباب على بدء التهرب من الالتزامات وهو الامر الذي لن تتسامح معه الرئاسة الفرنسية. فاذا استلزم الامر يومين إضافيين لحل آخر العقد التي تعترض تشكيل الحكومة فهو امر ممكن ولكن تجاوز أي مهلة تقنية محدودة سيرتب نشؤ حالة جديدة مشوبة بأخطار عرقلة المبادرة الفرنسية .
وحتى مساء البارحة لم تكن المخارج الممكنة لمعالجة عقدة حقيبة المال التي يتمسك بها رئيس مجلس النواب نبيه بري مدعوما من حليفه في الثنائي الشيعي “حزب الله” قد تبلورت بل ان موقف الثنائي لا يقتصر على اسناد المال لشيعي فقط بل يتمسك بري بطرح مرشحين لملء المقعد الوزاري . وفي هذا السياق اكد الرئيس بري في حديث ل”النهار” ان موضوع غربلة الشخصية التي سيتفق عليها لوزارة المال قابل للنقاش مع الرئيس المكلف مصطفى أديب “من واحد الى عشرة أسماء واكثر الى ان يقبل بواحد منها “. ويؤكد بري ان حقيبة المال تعادل في رأيه أي شيء ميثاقي وان حصول الشيعة عليها مسألة ميثاقية لا غبار عليها . وإذ يرفض اعتبار موقفه عثرة لتأخير تشكيل الحكومة يقول “ان هذا الكلام لا صحة له ومن يعمل على طرحه يهدف الى الاستفادة من حقائب أخرى” . ويؤكد بري ان كل شيء خارج وزارة المال “قابل للأخذ والرد والفهم والتفاهم” .
ولكن معلومات ترددت ليلا عن انجاز الرئيس المكلف توزيع الحقائب على الطوائف على ان يعرض اليوم مع رئيس الجمهورية المسودة الأولى للتشكيلة الحكومية والتشاور حولها قبل إعلانها الاثنين المقبل .
لقاء القصر
وافادت معلومات امس ان الرئيس المكلف سيقوم بزيارة القصر الجمهوري اليوم للتشاور مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في تركيبته الحكومية التي يرجح انه انجزها بتوزيع الحقائب وإسقاط الأسماء عليها . وأشارت هذه المعلومات الى انه في حال توافق الرئيس المكلف مع الرئيس عون على مشروع التركيبة الحكومية فلن يبقى مانع مبدئيا من توقع ولادتها مطلع الأسبوع بما يعني بالضرورة حل موضوع حقيبة المال لتسلك الأمور مجراها . ولذا توقف المراقبون امام تسليط “التيار الوطني الحر” الأضواء الإعلامية امس على موقف سيعلنه رئيسه النائب جبران باسيل الاحد بعدم مشاركة التيار و”تكتل لبنان القوي” في الحكومة ولكن مع دعم الحكومة ومنحها الثقة . ولكن هذا الموقف يبدو انه يكتسب دلالات أخرى لان أي حزب او تيار آخر لن يشارك في الحكومة اذا شكلت من اختصاصيين مستقلين غير حزبيين .وهو الامر الذي يتصل بالمخرج الصعب الجاري البحث عنه لمسالة حقيبة المال والتي اذا لم يكن شاغلها غير حزبي وغير موصل ب”امل”فانها ستتسبب بإرباك وتعقيد يصعب تجاوزهما .
وتجدر الإشارة في هذا السياق الى ان المستشار الإعلامي للرئيس سعد الحريري حسين الوجه نفى امس ما أوردته “النهار” لجهة علاقة رؤساء الحكومات السابقين بتريث الرئيس المكلف في موضوع تشكيلته عقب فرض العقوبات الأميركية الأخيرة على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس ،واكد ان رؤساء الحكومات السابقين لم يطلبوا من الرئيس المكلف مصطفى أديب التريث في طرح تشكيلته وهم يدعمونه في كل ما رسمه من مبادئ لتشكيل الحكومة العتيدة .
بعد الحريق
في غضون ذلك تفاقمت الأجواء الداخلية بقوة غداة الحريق الجديد الذي اتى قبل يومين على معظم مستودعات المنطقة الحرة في مرفأ بيروت والذي اثار بقوة تساؤلات عن فداحة التقصير والإهمال وكذلك القصور الاحترافي الذي يطبع إدارة مرفق حيوي وأساسي كمرفأ بيروت علما ان هذه التساؤلات لم توفر الجيش الذي يعتبر المسؤول الأساسي راهنا عن كل ما يتصل بمرفأ بيروت . وإذ بدأت امس التحقيقات في حادث الحريق وشملت نحو عشرين شخصا ومسؤولا إداريا وعسكريا معنيين بإدارة الحركة ومراقبتها في المرفأ قدرت الخسائر الناجمة عن الحريق بنحو خمسة ملايين دولار . وحرص الرئيس سعد الحريري على توجيه التحية الى فرق الإطفاء ولم يتناول ملابسات الحادث فقال “ليس غريبا على ابطال الدفاع المدني ورجال الإطفاء سرعتهم في تلبية نداء الواجب لإنقاذ الأرواح والمحافظة على الممتلكات وتفانيهم فداء للوطن كما حصل في المرفأ” . ووجه “تحية احترام وتقدير الى هؤلاء الأبطال ومعهم جنود الجيش اللبناني والمتطوعين والمتطوعات “. كما لفت في هذا السياق ان المنسق العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش غرد شاكرا “زملاءنا في اليونيفيل على المساعدة التي قدموها الى الدفاع المدني والجيش اللبناني وآخرين الذين عملوا على اخماد الحريق في مرفأ بيروت “. لكنه تساءل باستغراب “كيف يمكن ان تبقى موجودة مواد شديدة الاشتعال وغيرها من المواد الخطرة في المرفأ ؟”.
وسط هذه الأجواء عادت المخاوف تتصاعد بقوة من الأعداد المرتفعة باطراد للإصابات بفيروس كورونا في لبنان اذ يشهد تفشي الفيروس حالة تصاعدية لم تتراجع منذ أسابيع عدة بل ان مناطق عدة باتت تصنف بانها موبوءة ولا تتخذ فيها الإجراءات الحاسمة المطلوبة لاحتواء الانتشار وبدء محاصرته . وسجل امس عدد مقلق في الوفيات بلغ عشر حالات وفاة فيما سجل وزارة الصحة 546 إصابة .