لم تولد الحكومة بعد. وكأنّ لبنان يملك ترف الوقت لتأخير إضافي، فيما الناس منهكة وقد انهارت تماماً تحت ضغوط الأزمات.
لم تولد الحكومة بعد. وكأنّ تلك القوى السياسية القابضة على ناصية القرار والتوقيع لم تدرك بعد عمق الانهيار الذي بلغناه بفعل التعنّت والاستهتار والاستئثار والمكابرة، فتستمر في أسلوب المحاصصة والمقايضة والتعطيل.
لم تولد الحكومة بعد، فيما من هو مؤتمن على الدستور يبرع في كل مرة بتقديم الخرق تلو الآخر، ويحاول نسج أعراف وصلاحيات ودور لم يمنحه إياه اتفاق الطائف، فيما آخرون يمعنون في تقديم التنازلات “من كيس” الدستور كرمى لملء أكياس حصصهم.
لم تولد الحكومة بعد. والمبادرة الفرنسية بما هي عليه من فرصة إنقاذ فعلية وحيدة للبنان باتت قاب قوسين من الاندثار بسبب المناكفات المحلية، ما يعني بحال فشلها رمي لبنان في أتون الهلاك.
مشهد غير مسبوق تشهده الحياة السياسية، فما نصّ عليه الدستور يتلاشى لتظهر مكانه بدعٌ أخرى، تارة بالتأليف قبل التكليف، ومرة بتأجيل الاستشارات الملزمة الى حين تصبح بلا معنى ومجرد فولكلور سياسي، لتعود وتُستحضر هذه الاستشارات في غير زمانها ومكانها، فقط من أجل لعب دور ما وتوجيه الرسائل، الأمر الذي دفع كتلة اللقاء الديمقراطي للاعتذار عن المشاركة في لقاءات بعبدا لما فيها من “تخطٍ لاتفاق الطائف والأصول”.
وقد كشفت مصادر متابعة عبر “الأنباء” أن رئيس الجمهورية ميشال عون كان ممتعضا من تفرّد الرئيس المكلف مصطفى أديب بتشكيل الحكومة انطلاقا من المبادرة الفرنسية، كما أبلغه بذلك في لقائه الأول معه، وأن عون لم يخفِ غضبه من هذا الاسلوب “لأنه يعتبر نفسه شريكا في تشكيل الحكومات واختيار اسماء الوزراء”.
لكن الرئاسة الأولى، بحسب المصادر، “كانت عينها على الطريقة التي سيعتمدها الرئيس المكلف بحل عقدة المداورة، لا سيما وأن الثنائي الشيعي يصرّ على عدم التنازل عن حقيبة المالية، فاذا استطاع أديب اقناع الثنائي بالتخلي عن المالية وذهب الى تشكيل حكومة اختصاصيين مصغرة، فيكون موقف الرئاسة ضعيفاً بحال الاعتراض، وفي حال أصرّ الثنائي الشيعي على المالية وأصرّ أديب على الرفض يتحول الخلاف ما بين الرئاستين الثانية والثالثة وتبقى الرئاسة الأولى بمنأى عن هذا الصراع، إلا أن بيان عين التينة الرافض للمشاركة في الحكومة دفع برئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل لاستباق ذلك بالموقف نفسه”.
ولفتت المصادر الى ان “هناك من نصح أديب بالتريّث عن الافصاح عن تشكيلته، واستبدالها بلقاء توضيحي مع عون يكشف خلاله كل منهما عن مكنوناته، تداركا لعدم الوصول الى مواجهة بينه وبين عون.
ولمّا طلب عون من أديب ضرورة التنسيق والتواصل مع الكتل النيابية، كان رد الأخير انه قام بالاستشارات اللازمة معهم يوم الأربعاء الفائت وهو محتفظ بما قاله له كل فريق، وبالتالي ليس هناك من ضرورة لإعادة الكرّة، عندها قال عون لأديب انه هو سيقوم بنفسه بهذه الاستشارات، التي يبدو ان القرار كان متّخذ بها سلفا للوقوف على رأي الكتل النيابية ووضعهم بصورة ما توصل اليه الرئيس المكلّف، وللتأكيد على مقولة: الأمر لي”.
من جهتها، مصادر القصر الجمهوري اعتبرت ان لقاء عون بممثلي الكتل النيابية “كان أكثر من ضروري لوضعهم بصورة تشكيل الحكومة والطريقة التي يعتمدها الرئيس المكلف”، مشيرة الى ان “البعض كان متفهما لما يجري على اعتبار ان المطلوب كان تشكيل حكومة انقاذ تنطلق من وحي المبادرة الفرنسية والوعد الذي قطعه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بمساعدة لبنان، لكن البعض الاخر كان له موقف مغاير وأن موافقته على المبادرة الفرنسية لا تعني الرضوخ الى الاملاءات، وفي هذه الحالة لا مانع لديهم من استمرار الحكومة المستقيلة بتصريف الاعمال”.
وأوضحت المصادر أن الخشية الوحيدة لدى عون هي من “سقوط المبادرة الفرنسية وبالتالي سحب يد فرنسا من الوقوف الى جانب لبنان في هذه الأزمة التي ستكون تداعياتها خطيرة وثقيلة جدا، ولا طاقة للبنان على تحملها في هذه الظروف القاسية”.
في المقابل، كشفت مصادر معارضة عبر “الأنباء” ان لقاء عون بأديب “لم يكن على ما يرام”، وأن “عون استخدم أسلوب التهويل محاولا اقناعه بالعدول عن اسلوبه في التعامل مع القوى السياسية ذات الوزن، وأن حكومته لن تستطيع العمل من دون ثقة المجلس النيابي”.
بدورها، اكدت مصادر عين التينة عبر “الأنباء” تمسك الثنائي الشيعي “بحقيبة المال وان لا رجوع عن هذا الطلب تحت أي ضغط، وإلا فلتُشكل الحكومة من دون مشاركتهما”، مضيفة “اذا كانوا يريدون مشاركتنا فشروطنا معروفة، واذا لا فلا مشكلة بالنسبة لنا”.
وعن تلويح الرئيس المكلف بالاعتذار في حال استمرار رمي العقد بوجهه، ردت المصادر بأن “شرطنا واضح ولا تراجع عنه وليبحث أديب عمن يغدق عليه الوعود من فوق الطاولة ويضع له الاسافين والعصي بالدواليب من تحتها
الرئيسية / صحف ومقالات / الأنباء : غضبٌ” وتمييع واستشارات “غير دستورية”.. اللبنانيون يخسرون ولا حكومة بعد