كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : خلاف الاعتقاد الذي ساد أخيراً بأنّ مسار التأليف لن يختلف عن مسار التكليف، وانّ الأمور ستسير بسلاسة مطلقة بعيداً من التعقيد والانقسام ووضع العصي في الدواليب، فإنّ حسابات هذا التأليف اختلفت عن حسابات ذلك التكليف، ودخل هذا المسار في تعقيد ما بعده تعقيد، ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت المبادرة الفرنسية في خطر، أم انّ التدخُّل الفرنسي سينقذها في اللحظة الأخيرة من الضياع ومعها لبنان بدخوله في نفق مجهول.
وتدلّ كل المؤشرات الى انّ التعقيد يغلب التسهيل، وانّ الأمور مفتوحة على شتى الاحتمالات، من تأليف حكومة وفقاً لشروط المبادرة الفرنسية وطبيعة المرحلة ومأزوميتها المالية، إلى التجاوب مع الشروط التي يضعها الثنائي الشيعي بما يؤدي إلى ولادة حكومة بنسخة منقحة عن الحكومة المستقيلة، وما بينهما ان يعتذر الرئيس المكلف مصطفى أديب عن مواصلة مهمته. وبالتالي، عود إلى بدء ودخول لبنان في أزمة حكم، لأنّ فريق السلطة غير قادر على تشكيل حكومة، وحتى لو استطاع فإنه غير قادر على إخراج لبنان من أزمته.
حاول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من خلال المشاورات التي أجراها، أن يتسلّح برأي الكتل النيابية التي تجاوبت مع دعوته من أجل إقناع باريس والرئيس المكلف بضرورة تعديل مسار التأليف بجَعل تسمية الوزراء من مهمة الكتل لا الرئيس المكلف ولو بصَيغ مختلفة من قبيل تقديم هذه الكتل لوائح بخيارات عدة يختار من بينها الرئيس المكلف.
وقد سأل بعض المعنيين بالتأليف هل ستتمكن الحكومة العتيدة من قيادة مهمة الإنقاذ في حال كانت مؤلفة على طريقة المحاصصة ونموذج الحكومة المستقيلة أقوى دليل والمصير الذي آلت إليه؟ وقال هؤلاء انّ “هناك مرحلة استثنائية تستدعي مقاربة من الطبيعة نفسها في التأليف بعيداً عن الأساليب التقليدية والكلاسيكية التي تصحّ في الأوقات العادية لا في الأزمات المالية والوطنية والوجودية، والتي تستدعي تضافر الجهود بعيداً عن السياسات الخاصة والفئوية من أجل إنقاذ البلاد.
وقد تبيّن من حصيلة المشاورات الجارية أن لا تقدّم تحقق حتى اللحظة في 3 عقد أساسية:
ـ العقدة الاولى، حجم الحكومة بين الرئيس المكلف الذي يريدها من 14 وزيراً للتمكن من القيام بدورها في شكل متجانس وفعّال، وبين فريق السلطة الذي يريدها فضفاضة لتوزير أوسع مقدار ممكن من المحسوبين عليه.
- العقدة الثانية، تتعلق بمن يسمّي هؤلاء الوزراء، بين فريق السلطة الذي لا يريد إحداث سابقة بمنح الرئيس المكلف هذا الحق وتحويله عرفاً خلافاً لِما كان معمولاً به ويتصل بنتائج الانتخابات وما أفرزته صناديق الاقتراع، وبين الرئيس المكلف والفريق الذي يدعم وجهة نظره في انّ فريق السلطة فشل فشلاً ذريعاً، وأي تسمية للوزراء تعني البقاء في مستنقع الفشل نفسه، ومن الضروري ان يتكفّل الرئيس المكلف بالتسمية من اجل اختيار فريق عمل متجانس لا مرجعية له خارج عمله تحت سقف الحكومة والدستور والقانون.
- العقدة الثالثة، تتمثّل في اعتبار الثنائي الشيعي انّ وزارة المال لا تنطبق عليها صفة المداورة وهي بمثابة الرئاسات الثلاث ولا يريد المساومة على هذا الأمر، فيما الفريق الآخر يعتبر انه منذ إقرار “اتفاق الطائف” إلى اليوم لم يتجاوز عدد الوزراء الشيعة في وزارة المال الـ6 وزراء مقابل 21 وزيراً من الطوائف الأخرى تعاقبوا على هذه الوزارة، كما انّ اي كسر للمداورة في مكان سيكسرها في حقائب أخرى.
وفي ظل كل هذه المعمعة تساءلت المصادر هل ستتمكن باريس من حل كل هذه العقد وعلى أي أساس؟ وهل تجاوز المهلة يعني انّ الفراغ سيكون مفتوحاً؟ وهل سيبدأ التفكير بتفعيل حكومة تصريف الأعمال؟ وهل التصعيد هو الحل في ظل أزمة مالية تستدعي تأليفاً سريعاً؟ وهل ما زال في إمكان كل فريق التسليم بوجهة نظر الآخر، ام سيعتبر هذا التسليم تراجعاً لا يتحمله؟ وهل من حلول وسط يمكن العمل عليها؟
حصيلة المشاورات
وكان عون قد أنهى مشاوراته مع الكتل النيابية أمس، باستثناء كتلتي ”اللقاء الديموقراطي” و”الجمهورية القوية” اللتين لم تشاركا فيها. وكشفت مصادر معنية لـ”الجمهورية” انّ هذه المشاورات، التي تناولت 3 عناوين اساسية تتصل بالمداورة في توزيع الحقائب وحجم الحكومة وتسمية الكتل لممثليها، انتهت الى النتائج الآتية:
- في شأن مصير المداورة انتهت المشاورات الى انّ الثنائي الشيعي اكد رفضه المداورة اذا كانت ستشمل حقيبة وزارة المال التي يتمسك بها، وانه يؤيدها في ان تشمل بقية الحقائب، فيما أيّدت بقية الكتل النيابية المداورة كاملة بلا استثناء.
- وعلى مستوى تسمية الكتل النيابية لوزرائها أثمرت المشاورات إصرار بعض الكتل على تسمية ممثليها بما فيها “الثنائي الشيعي” باستثناء ”المستقبل” وكتلة “الوسط ” التي يترأسها الرئيس نجيب ميقاتي، الذي رفض منطق التسمية معتبراً انّها من حق الرئيس المكلف وبالتعاون والتنسيق مع رئيس الجمهورية فهما يكمّلان بعضهما بعضاً من اجل إصدار مراسيم تشكيل الحكومة.
- في شأن حجم الحكومة رفضت الاكثرية النيابية صيغة الحكومة المصغرة التي تفرض دمجاً بين الوزارات، ما سيقود الى حكومة من 18 او 20 وزيراً على الأقل، وهو ما يعني سقوط تشكيلة الـ 14 وزيراً التي يقترحها الرئيس المكلف ويصرّ عليها.
أديب في بعبدا اليوم
وفي ضوء هذه النتائج، قالت المصادر المعنية انّ رئيس الجمهورية دعا الرئيس المكلف الى لقاء يعقد بينهما الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا لوضعه في حصيلة المشاورات، ليبني عليها ما يراه مناسباً من مواقف.
وفي المقابل، كشفت مصادر مطلعة انّ اديب سيطلب مهلة إضافية لتحديد موقفه النهائي، وسط ترجيحات تقول إنه سيقدم على الإعتذار عن التأليف اذا لم يتمكن من تقديم تشكيلة مستقلة وحيادية خارج التسميات والأطر الحزبية التي يرى انها ستكبّله.
الثنائي الشيعي
في غضون ذلك، علمت “الجمهورية” انّ الثنائي الشيعي رفض عرضاً قدّم إليه بإعطائه وزارة الداخلية مقابل تخلّيه عن وزارة المال التي يتمسّك بها بشدة، خصوصاً بعدما تبيّن له انّ الجميع يعارض تولّيه هذه الحقيبة من عون الى الرئيس سعد الحريري الى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وصولاً الى الفرنسيين.
وقالت اوساط “الثنائي الشيعي” انه لا يمكن ان يتخلى عن حقيبة المال، وانه لا مانع لديه ان يقترح الرئيس المكلف اسماء الوزراء الشيعة عليه شرط ان يتشاور معه فيها مسبقاً.
ووجهت هذه الاوساط، عبر “الجمهورية”، نصيحة الى الرئيس سعد الحريري بأن “لا تلحق البوم، لأنّو بِيدلّك عالخراب”. واشارت الى انّ هناك اكثر من “بوم” يحوط بالحريري، “واذا قرر ان يذهب معهم حتى النهاية فإنه هذه المرة لن يجدنا عندما يعود”.
بومبيو يحذر باريس
وفي غضون ذلك، حذّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فرنسا، أمس، من أنّ “جهودها لحل الأزمة في لبنان قد تضيع سدى إذا لم يتم التعامل على الفور مع مسألة تسلّح جماعة “حزب الله” المدعومة من إيران”.
وقال بومبيو لإذاعة “فرانس إنتر”: “الولايات المتحدة اضطلعت بمسؤوليتها، وسنمنع إيران من شراء دبابات صينية ونظم دفاع جوي روسية ثم بيع “حزب الله” السلاح ونسف جهود الرئيس (ايمانويل) ماكرون في لبنان”. وتابع: “لا يمكن أن تدع إيران تحصل على مزيد من المال والنفوذ والسلاح، وفي الوقت نفسه تحاول فصل “حزب الله” عن الكوارث التي تسبّب بها في لبنان”.
مواقف
في جديد المواقف الداخلية اكد تكتل “لبنان القوي”، في بيان، إثر اجتماعه الدوري إلكترونيّاً تمسّكه بـ”المبادرة الفرنسية ودعمها وحرصه على نجاحها وإبعادها من أي تجاذبات خارجية أو داخلية، لمنع إفشالها وحمايةً للغاية التي وضعت من أجلها، وهي تحقيق الإصلاحات الضرورية والعاجلة لتأمين خروج آمن ومتدرّج للبنان من الأزمة المالية والاقتصادية الضاغطة”.
ورفض التكتل “تكريس أي وزارة لأي طائفة أو طرف سياسي، كذلك أيّ استقواء بالخارج على أي مكوّن داخلي بهدف تأليف الحكومة بطريقة منافية للأعراف والأصول”.
وأبدى تخوّفه من “الاستمرار في إضاعة الوقت تهرّباً من اتّباع الأصول اللازمة لتأمين تأليف الحكومة”، محذّراً من أنّ هذا الأمر “يعرّض البلد الى مزيد من الانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي، في وقتٍ يُمكن اعتماد التفاهم الداخلي المتوافرة شروطه لإخراج التشكيلة الحكومية القادرة على تنفيذ البرنامج الإصلاحي المتّفق عليه”.
ولاحظ “اللقاء التشاوري”، في بيان بعد اجتماعه الدوري في منزل النائب عمر كرامي في بقاعصفرين، أنّ “المشهد الحكومي الحالي ليس سوى النتيجة الطبيعية للاخفاق السياسي والاداري والاقتصادي منذ 30 عاماً، كان العنوان الابرز فيها تجاوز الدستور والاستنسابية في تطبيق الطائف واتّباع سياسات اقتصادية مدمّرة وابتداع أعراف وتفاسير غب الطلب لمفاهيم الديموقراطية والتوافق والوحدة الوطنية”.
ورأى “أنّ لبنان وُضِع، وفق ما يسمّى بالمبادرة الفرنسية، امام خيارين: الاول التفليسة المالية وهي حاصلة فعلياً ومؤداها انهيار لبنان، والخيار الثاني التفليسة السياسية ومؤداها انتهاء النظام السياسي الحالي والذهاب الى نظام جديد مبهم ومحدود ومفتوح على كل الاحتمالات”.
وإذ لفت الى انه “لن يدخل في المتاهات الشكلية المتصلة بالحكومة العتيدة”، اكد موقف اللقاء “المعترض شكلاً ومضموناً على الطريقة التي جرى اتّباعها في التكليف، وتالياً يجري استكمالها في التأليف”.
وأكّد أنه “انسجاماً مع الذات ومع المبادئ التي ننادي بها، فإنّ اللقاء سيتعامل مع الحكومة العتيدة كأمر واقع. وعليه، لن يقف اللقاء ضد أي إصلاحات او إنجازات في حال وجدت عبر هذه الحكومة، لكنه وبوضوح شديد لن يسير وفق إملاءات لا من الداخل ولا من الخارج”.