“وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقاً حصرياً لأي طائفة، ورفض المداورة إحباط وانتهاك موصوف بحق الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان واللبنانيين”… عبارة مقتضبة رد فيها الرئيس سعد الحريري على الحملة الممنهجة التي بدت أمس أشبه بتعميم “معجّل مكرر” أغرق السوق الإعلامي وكال له اتهامات الغدر والطعن بالظهر ونكران الجميل للثنائي الشيعي، فقالها “زيّ ما هييّ” محملاً في المقابل وبشكل مباشر من يصرّ على تطييف الحقائب الوزارية دون سواه وزر إجهاض آخر بصيص أمل للبنانيين. فبغض النظر عن بازار المفاوضات وتناتش الحصص، يُجمع الكل على اختلاف توجهاته ومنطلقاته، في الداخل كما في الخارج، على كون المبادرة الفرنسية “آخر فرصة” للبنان وتفويتها سيعني خرابه و”زواله” كما جاء في تحذيرات الـ”كي دورسيه”، غير أنّ مصادر ديبلوماسية لاحظت أنّ قوى 8 آذار ذهبت بعيداً في أدائها وتتصرف على أساس أنها “تخطف البلد وتريد من باريس تسديد الفدية لها بحقيبة المالية”، معربةً لـ”نداء الوطن” عن أسفها لبلوغ المسؤولية لدى الطبقة اللبنانية الحاكمة “أدنى مستوياتها في هذه المرحلة الحرجة التي يعاني خلالها الشعب اللبناني، بكل طبقاته وفئاته وانتماءاته السياسية والطائفية، من أزمة مستفحلة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وصحياً، ويكاد يصبح على مشارف مجاعة وانهيار شامل في حال انتهى المسعى الفرنسي وسدت معه آخر نافذة حل يتيح إجراء الإصلاحات اللازمة لضخ بعض الأموال في خزينة مصرف لبنان”.
ساعات حاسمة سيعيشها اللبنانيون اليوم تحدد مصيرهم بين مسارين، إما تحرير المبادرة الفرنسية من القيود وإدخال تشكيلة مصطفى أديب إلى غرفة الولادة، أو إجهاض المبادرة والمولود الحكومي ودخول البلد إلى غرفة الإنعاش ليلفظ أنفاسه الأخيرة. فالقضية لم تعد قضية تشكيل أو عدم تشكيل حكومة أديب، بل أصبحت قضية “حياة أو موت” بالنسبة لبلد لم يعد يفصل بينه وبين الاختناق سوى “جهاز أوكسيجين فرنسي” تحاول اليوم قوى الثامن من آذار قطع أنفاسه عن اللبنانيين لتحقيق مرادها “وآخر همها الناس ووجع الناس”، وفق تعبير أوساط سياسية، مؤكدةً أنّ “رهان هذه القوى على ابتزاز الرئيس الفرنسي سقط، وبيان الإليزيه (أمس) أجاب المراهنين على ليّ ذراع باريس والتلويح بورقة إحراج ماكرون أمام الداخل الفرنسي والأميركيين، بإبداء مزيد من التشدد إزاء ضرورة الالتزام بالتعهدات المقطوعة دون زيادة أو نقصان، مع إبقاء خط رجعة وحيد لمن ذهبوا بعيداً في رهاناتهم هذه بالتأكيد على أنّ المجال لا يزال متاحاً لتنفيذ الالتزامات وتشكيل حكومة المهمة برئاسة أديب”.
ولوحظ بالأمس دخول عنصر عربي مساعد على خط محاولة إنعاش آمال المبادرة الفرنسية، فلفت التحرك المكوكي الذي قام به السفير المصري ياسر علوي على جبهة التواصل مع المسؤولين اللبنانيين بالتوازي مع استعراضه التطورات اللبنانية مع نظيره السعودي وليد البخاري، بينما كانت الكويت صريحة ومباشرة بدعوة سفيرها عبد العال القناعي الأفرقاء اللبنانيين إلى “الاستفادة من زخم الاهتمام الدولي من خلال المبادرة الفرنسية وتوظيف هذا الزخم من أجل ولادة حكومة منتجة قادرة على انتشال لبنان من مشكلاته الكثيرة”.
وعلى المستوى الداخلي، تعالت الأصوات اللبنانية الداعمة للمبادرة الفرنسية والداعية لإنقاذها من مستنقع الشروط والشروط المضادة، فبرزت إشارة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي زار باريس أخيراً إلى أنّ “البعض لم يفهم أو لا يريد أن يفهم بأن المبادرة الفرنسية هي آخر فرصة لإنقاذ لبنان ومنع زواله”، في وقت وضع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع محاولات إحباط هذه المبادرة “الكبيرة والجدية” في خانة “الجريمة”، واصفاً ما يحصل في موضوع تشكيل الحكومة بـ”المهزلة الحقيقية”، ليخلص إلى إعادة التوكيد على قناعته الثابتة بأنّه “لا أمل يرتجى بوجود هذه المجموعة الحاكمة ولن ينقذ البلاد إلا انتخابات نيابية مبكرة سريعاً للوصول إلى أكثرية نيابية جديدة ومجموعة حاكمة جديدة”.