باتت مبتذلة جداً ما آلت اليه عملية تأليف الحكومة. وإذا كان الاستمهال لمزيد من المساعي لا شك أفضل بكثير من إيقاف عجلة الاتصالات واعلان فشل المبادرة الفرنسية بما تمثله من القشة الأخيرة التي يتعلق بها لبنان الغريق، إلا أن ما يجري في هذه الاتصالات من كباش وتعنّت ومطالب حول الوزارات، تارة حول “المالية” وطورًا حول “الطاقة”، يبعث على اليأس من إمكانية تغيّر الذهنية التي تتحكم بإدارة البلاد، ويدفع باللبنانيين الى مزيد من الإحباط المعطوف على سيل من الأزمات.
ومع تمديد الرئيس المكلّف مصطفى أديب للمهلة التي كان منحه اياها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تحدثت معلومات عن أنه لن ينتظر أكثر من نهاية الأسبوع، ما يفسح في المجال أمام حلول قد تبصر النور بفعل الاتصالات الداخلية، وبين الداخل وباريس. وبناء على المواقف والأجواء التي سجلت أمس فإن الساعات المقبلة تبدو حاسمة للإتجاه الذي ستسلكه الأمور.
مصادر عين التينة أكدت لـ “الأنباء” عدم التراجع عن الموقف المتمسك بحقيبة المال، وكذلك عدم السماح لأي جهة أن تسمي الوزراء الشيعة. ووصفت المصادر لقاء الخليلين بالرئيس المكلف “بلقاء الضرورة وحتى لو أنه أتى متأخراً”، آملةً من أديب أن يكون “متفهّماً” للموقف الشيعي. وقالت إن الخليلين “لمسا منه أنه كان محرجا بعض الشيء في إعطاء أجوبة نهائية لهما حيال الموقف الثنائي الحازم”.
وعن إمكانية تسجيل أي خرق في الساعات المقبلة، اعتبرت مصادر عين التينة أن “الكرة ليست بملعب الثنائي الشيعي فهي في مكان آخر، وهذا السؤال يجب أن يوجه الى الذين ابتدعوا آلية جديدة في تشكيل الحكومة”. واعتبرت المصادر ان “وزارة المال يجب ان تبقى خارج التداول لأنها من الأساس محسومة للطائفة الشيعية من منطلق ميثاقي يتعلق بالتوقيع الثالث على القرارات التنفيذية ولا علاقة لها بالوزارات الأخرى”.
من جهتها نقلت مصادر “المستقبل” عن الرئيس سعد الحريري ورؤساء الحكومات السابقين “تمسكهم بالمداورة في الحقائب من دون استثناءات لأحد”. وقالت لـ “الأنباء” إن “ما يحصل اليوم من تناتش للحصص والشروط والشروط المضادة من قبل الثنائي الشيعي وتكتل لبنان القوي مخالف تماما في الشكل والمضمون لما تم التفاهم عليه في قصر الصنوبر بحضور الرئيس ايمانويل ماكرون”. ورأت بأن “الفريق الآخر تعوّد على هذا الأسلوب منذ ما قبل إتفاق الدوحة، وما زال حتى تاريخه يمارس الابتزاز السياسي من دون أدنى حس بالمسؤولية الوطنية تجاه اللبنانيين وبالأخص الذين تضرروا من إنفجار المرفأ”.
القيادي في “المستقبل” مصطفى علوش قال لـ “الأنباء” “لا يمكننا أن نقول شيئا بانتظار ان تنقشع الأمور، معتبرا أن الأكيد أن شيئا ما يحضّر لكنه لم ينضج بعد”. وأكد علوش “عدم تراجع الحريري والرؤساء السابقين عن المداورة في الحقائب تحت أي ضغط، لأنه من غير المنطقي أن تكون بعض الحقائب حكرا على طوائف معينة”.
وحول عتب عين التينة على الرئيس الحريري، ذكّر علوش “بالتنسيق الدائم للحريري مع عين التينة ووقوفه ضد جمهوره وطائفته ما أفقده الكثير من رصيده السياسي”، وقال: “يكفي خسارته لأربعة عشر نائبا من أجل قانون الانتخابات والتفاهم مع الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر. ولا يجوز ان يفهم إصرار الحريري على المداورة انه موجّه ضد الثنائي الشيعي، فعندما يتحدث الحريري عن المداورة فإنه يعرف جيدا الجهة التي يتقصدها، وهذا الأمر تعرفه عين التينة ويعرفه الرئيس بري بالتحديد”.
وفيما عاد الحديث عن تمسك التيار الوطني الحر بوزارة للطاقة، نفت مصادر “التيار” ذلك، واعتبرت في حديثها لـ “الأنباء” أنها “ليست بوارد التمسك بأي حقيبة، وأن رئيس التيار جبران باسيل يبذل جهدا مضاعفاً لإنجاح المبادرة الفرنسية مقدّما التسهيلات اللازمة لتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها الاعمار وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة”، وأكدت المصادر أن “باسيل يفضل ان تشمل المداورة كل الوزارات”.
وبالتزامن مع هذا التخبط الحكومي، تواصل الإدارة الأميركية اعلان سلسلة من العقوبات على شخصيات او كيانات لبنانية كان آخرها أمس شركتان ورجل أعمال. وقد رأى الخبير الاقتصادي أديب طعمة أن تشكيل الحكومة والعقوبات الأميركية “هما مساران مختلفان، لكن الأهم من العقوبات بحد ذاتها هو خوف الطبقة السياسية منها”. وقال لـ “الأنباء” إن “الخوف من العقوبات يؤدي إلى الضغط على الطبقة السياسية لتقديم التنازلات والقبول بحل معين”، معتبرًا أن “عدم تشكيل الحكومة سيؤدي إلى انهيار سريع للدولة وانهيار الطبقة السياسية برمتها”.
ورأى طعمة أن “العقوبات ستستمر ولن تتوقف، وارتداداتها ستكون صعبة على مجمل الطبقة السياسية التي أصبحت تحت المجهر الدولي”، مشيراً إلى أن “حالتنا كلبنانيين صعبة جداً، لأننا أصبحنا في مكان آخر خاصة بعد التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، حيث أن لبنان يفقد دوره الاقتصادي والاستراتيجي والسياسي في المنطقة”.