رغم كل الحروب النفسية التي شنّها الثنائي الشيعي عبر الأثير طيلة نهار الأمس، مستنفراً جبهة إعلامه الحربي لضخ معلومات ومعطيات تمويهية عبر المنابر والشاشات، تارةً تنطق باسم الفرنسيين وطوراً باسم الرئيس المكلف لإرباك جبهات الخصوم واستهدافها بصليات متلاحقة من التسريبات الإعلامية على مدار الساعة تبثّ أجواء وشائعات تشي برضوخ باريس لمطلب إبقاء حقيبة المالية في يد الثنائي، انتهى “الشوط الأول الممدّد” على ملعب المبادرة الفرنسية إلى التعادل السلبي بين الفريق الداعم للمداورة بالحقائب وبين الفريق المناهض لها. وفي وقت الاستراحة بانتظار انطلاق الشوط الثاني خلال الساعات المقبلة، أبقى الكلّ “على سلاحه” ولم يُسجّل أي تراجع عن الخطوط العريضة لخارطة المواقف المعروفة داخلياً وخارجياً إزاء عملية تشكيل “حكومة المهمة” المرتقبة، على أن يستأنف اللاعبون اليوم عملية اللعب “على حافة الهاوية” بانتظار إحداث خرق ما في جدار التصلب الحكومي، وسط تشديد مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن على أنّ “كل الضغوط التي مارسها الثنائي الشيعي على أكثر من خط داخلي وخارجي لم تفلح في تغيير طبيعة المبادرة الفرنسية وجوهرها المتصل بتشكيل حكومة اختصاصيين مصغرة منفصلة عن التمثيل السياسي”، مؤكدةً في المقابل أنّ “الرهان على ترهيب باريس والرئيس المكلف سيخيب حكماً لأنّ مصطفى أديب لن يقبل أن يكون حسان دياب آخر”.
المصادر لفتت إلى أنّ استمهال الرئيس المكلف في تقديم تشكيلته “لا ينطلق من أي إمكانية لتعديل قواعد التأليف التي كُلّف على أساسها تشكيل حكومة المهمة، إنما من رغبته الصادقة في إتاحة أكبر مجال ممكن لعودة كل الأفرقاء إلى تنفيذ ما تعهدوا به، سواءً في قصر الصنوبر أو خلال الاستشارات النيابية”، مذكرةً بأنّ “الكتل بمجملها صرحت حينها بأنها داعمة لمهمة أديب دون أي مطلب أو قيد أو شرط، و”النصيحة الوحيدة” التي أسديت للرئيس المكلف في الاستشارات كانت بأن يجري مداورة في الحقائب حسبما جاء على لسان رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل من عين التينة بالتحديد”، وتساءلت: “هل يٌعقل إذاً أن تكون الأغلبية الساحقة من مكونات البلد مع المداورة ويصار إلى إجهاضها فقط لأنّ فريقاً واحداً يعترض عليها؟ وهل مقبول أن يبقى مصير شعب بأكمله معلقاً على تحقيق رغبات هذا الفريق؟”.
وفي سياق متقاطع، تواترت معلومات موثوق بها لـ”نداء الوطن” تفيد بأنّ الثنائي الشيعي أبلغ من يهمه الأمر أنه لن يتراجع عن مطالبه الوزارية “مهما كان الثمن” ويبدي استعداده للخوض بمختلف السيناريوات السوداوية بما فيها سيناريو الإطاحة بالمبادرة الفرنسية الإنقاذية للبنان منعاً لتغيير قواعد اللعبة التي رسخها “حزب الله” عسكرياً في 7 أيار وكرّسها سياسياً في تسوية الدوحة. غير أنّ المعلومات المتداولة تشير في الوقت نفسه إلى أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لا يسير هذه المرة على الموجة الحكومية ذاتها مع “حزب الله” بل يدفع قدماً باتجاه اعتماد المداورة في الحقائب الوزارية. ونُقل في هذا الإطار تأكيدات من دوائر قصر بعبدا تجزم بأنّ عون، وإن كان يعمل على تأخير تقديم الرئيس المكلف تشكيلته إليه بانتظار تأمين التوافق السياسي عليها في الربع الساعة الأخير، لكنه في نهاية المطاف لن يرفض التوقيع على التشكيلة إذا ما حملها إليه أديب، خصوصاً وأنّ باسيل داعم لمبدأ المداورة بخلاف توجهات رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما أنّ المستشار الرئاسي سليم جريصاتي كان قد نصح رئيس الجمهورية بتوقيع التشكيلة وعدم ردّها لكي لا يضع نفسه في موضع المواجهة مع مبادرة الرئيس الفرنسي، على أن تنتقل الإشكالية تالياً إلى الملعب النيابي بدل إبقاء كرة النار في ملعب الرئاسة الأولى.
في الغضون، تواصل وزارة الخزانة الأميركية استصدار حزمات العقوبات الهادفة إلى تجفيف منابع تمويل “حزب الله” بمعزل عن المستجدات الداخلية اللبنانية، وهي استهدفت أمس ما وصفه وزير الخارجية مايك بومبيو بـ”الثراء الذاتي الفاسد لدفع أجندة الحزب في لبنان”، وذلك تعقيباً على فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة عقوبات على شركتين يقع مقرهما في لبنان، وهما Arch Consulting و Meamar Construction، باعتبارهما “مملوكتين أو خاضعتين للسيطرة أو التوجيه من قبل حزب الله”، بالإضافة إلى فرض عقوبات على سلطان خليفة أسعد الذي عرفت الوزارة الأميركية عنه بوصفه “مسؤولاً في المجلس التنفيذي لحزب الله ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشركتين” المدرجتين على لائحة العقوبات.
وعن موجبات معاقبة هاتين الشركتين، أوضح وزير الخزانة ستيفن منوتشين أنّه “من خلال استغلال حزب الله للاقتصاد اللبناني والتلاعب بالمسؤولين اللبنانيين الفاسدين، يتم منح الشركات المرتبطة بالمنظمة الإرهابية عقودًا حكومية”، مشدداً على أنّ “أنشطة الحزب تتغلغل في كل جوانب الاقتصاد اللبناني، بما في ذلك قطاعا البناء والبنية التحتية، وهو يستفيد من ARCH ومعمار لإخفاء تحويلات الأموال إلى حسابات حزب الله الخاصة، مما يزيد من إثراء قيادة الحزب وأنصاره ويحرم الشعب اللبناني من الأموال التي يحتاجها بشدة”، وختم مذكراً بحزمة العقوبات الأخيرة التي طالت الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل، قائلاً: “حزب الله يتآمر مع المسؤولين اللبنانيين، بمن فيهم وزير الأشغال العامة والنقل السابق يوسف فينيانوس، لتوجيه عقود حكومية بملايين الدولارات إلى هذه الشركات، التي يشرف عليها المجلس التنفيذي لحزب الله ويتلقى المجلس الأرباح الفاسدة من هذه الشركات”