انتهت امس المهلة الممددة للمبادرة الفرنسية، وتسارعت وتيرة الاتصالات على الخطين الداخلي والخارجي توازيا، بعيدا من الاضواء لانقاذ لبنان. بين بيروت وباريس وبين روسيا وايران خطوط التواصل مفتوحة لتحصين المبادرة ومنع انهيارها ما يعني عمليا انهيار لبنان. طهران لم تبد حتى الساعة تجاوباً، فالثمن الذي تريده مقابل التنازل عن ورقة لبنان ليس بالسهل والارجح انها تتطلع الى ثمن اميركي في المقابل. موسكو التي تخشى على انعكاس انهيار لبنان على الساحة السورية وحضورها فيها تدخلت بدورها. والنتيجة يفترض ان تظهر خلال الساعات الاربع والعشرين المقبلة.
في الداخل، تتوقع مصادر مطلعة على مسار المفاوضات موقفا رئاسيا حاسماً، لا بد منه ، يوضح مصير المبادرة والموقف الرئاسي الذي ما زال متمسكا بالمداورة، على ان يقدم الرئيس المكلف مصطفى اديب تشكيلة اولية تناسب قناعاته وتتماهى مع حصيلة المشاورات التي اجراها، فإما يقبلها الرئيس ميشال عون او يرفض توقيعها. وتتحدث المصادر عن مساع حثيثة تبذل بين المقار المعنية لاستنباط مخرج حل، مشيرة الى اكثر من صيغة تطرح تجري مراجعتها راهنا.
فرنسا والمسؤولون
في المعلن من المواقف خارجياً، كلام فرنسي لافت حثّ المسؤولين اللبنانيين على الموافقة على التشكيلة التي رشحها اديب لحكومة مهام. وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول في إفادة صحافية يومية: ان «في وقت يواجه لبنان أزمة غير مسبوقة، فإن فرنسا تأسف لعدم التزام الساسة اللبنانيين بتعهداتهم التي أعلنوها في الاول من أيلول الماضي، وفقا للاطار الزمني المعلن». وأضافت: «نحض كل القوى اللبنانية على الاضطلاع بمسؤولياتها والموافقة من دون تأخير على التشكيلة التي رشحها مصطفى أديب لحكومة مهام تقدر على تنفيذ الإصلاحات اللازمة للوفاء بتطلعات الشعب اللبناني».
رؤساء الحكومة
والموقف الفرنسي تقاطع مع رأي رؤساء الحكومة السابقين في اجتماعهم مساء اول أمس في «بيت الوسط» حيث أكدوا «أن مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تشكل فرصة مهمة يجب تثميرها بالإسراع في تشكيل الحكومة، لإبعاد لبنان عن الانهيار والفتن والشرور المحدقة به». واعتبروا «أن فرنسا، التي استشعر رئيسها حجم الأخطار المحدقة بلبنان، بادرت مشكورة إلى تقديم الدعم والمساعدة وإطلاق مبادرة سياسية متكاملة للحل ترجمت بتكليف الدكتور مصطفى أديب تأليف حكومة وفق تفويض محدد بالشكل والمضمون، وينبغي العمل على إنجاحها». وحضّوا الرئيس المكلف «على التمسك بصلاحياته كاملة لجهة تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، بالتشاور مع فخامة الرئيس وتحت سقف القواعد المنصوص عنها في الدستور».
التيار يرفض التسلط
على هذا الخط ايضا دخل التيار الوطني الحر تصعيديا مصوبا سهامه في اتجاه «الثنائي» وشروطه، اذ أعلنت الهيئة السياسية في التيار خلال اجتماعها الدوري الذي عقدته الكترونيًا انها ترفض أن تقوم أي جهة بفرض توقيعها على اللبنانيين من خارج الدستور والاعراف والأصول، أو أن تفرض أي جهة أخرى على اللبنانيين تسمية جميع الوزراء في الحكومة فيما هي لا تمتلك أكثرية نيابية ولا أكثرية ميثاقية. وأكدت الهيئة انه مع تنازل التيار الوطني الحر عن أي مطلب، وقيامه بتسهيل تشكيل الحكومة حفاظاً على فرصة الإنقاذ المالي والاقتصادي المتوفرة للبنان. واكدت أن التيار لا يخضع لأي ضغوط خارجية ولا للتهديد بعقوبات بل لرغبة اللبنانيين بالتقاط فرصة الإنقاذ ومع ذلك فإنه لن يقبل بتسلّط فريق واحد على كل اللبنانيين مهما بلغت قوته او مهما بلغ استقواؤه. وختم البيان بأن «التيار وان تنازل عن دوره في تشكيل الحكومة فهو لن يتنازل عن دوره في تمثيل من يمثّل، وهو لن يقبل بعدم التساوي بين اللبنانيين كما لن يقبل بتخطي شراكة رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة ولن يقبل بأن يُفرَض عليه بحجة الوضع الضاغط ما لم يقبل به تحت ضغوط الأمن والسياسة.»
الراعي
الا ان الابرز امس فكان موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي سأل في عظة قداس ترأسه في كنيسة سيدة إيليج، باي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها، وتعطل تأليف الحكومة، حتى الحصول على مبتغاها، وهي بذلك تتسبب بشلل سياسي، وأضرار اقتصادية ومالية ومعيشية؟
ودعا رئيس الحكومة المكلف للتقيد بالدستور وتأليف حكومة ينتظرها الشعب والعالم. فلا داع للخضوع لشروط ولا للتأخير ولا للاعتذار.
المجلس الشيعي
وفي رد على الراعي من دون ان يسميه استنكر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، في بيان، «ما صدر عن مرجعية دينية كبيرة بحق الطائفة الإسلامية الشيعية، ولما انحدر اليه الخطاب من تحريض طائفي يثير النعرات ويشوه الحقائق ويفتري على طائفة قدمت خيرة شبابها وطاقاتها في معركة تحرير الوطن، مؤكدا ان المطالبة باحتفاظ الطائفة الشيعية بوزارة المالية فمن منطلق حرصنا على الشراكة الوطنية في السلطة الإجرائية، فما يجري من توافق بين الكتل النيابية ينبغي ان يسري بين المكونات السياسية في تشكيل الحكومة».
عودة
من جهة ثانية انتقد متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة في قداس الاحد «حسابات الثلث ورفض المداورة والتشبث بالمشاركة في التوقيع التي تبقى قضايا مستعصية تتقدم على حياة الشعب الذي لا يكاد يتخلص من مأساة حتى تحل به أخرى تزيده بؤسا وفقرا ويأسا، فيما المسؤولون يتلهون بقضاياهم بذريعة الحقوق أحيانا والميثاقية أحيانا أخرى، متجاهلين أن لبنان يحتضر، وشعبه يكفر بهم وبجشعهم وتخطيهم للدستور والأعراف والمواثيق».