مقوّمات الصمود عند الناس تتلاشى شيئا فشيئاً. الهرب من الواقع المأساوي عبر “قوارب الموت” الدليل الأمثل على حجم الكارثة. وبحسب الخبراء الإقتصاديين لن يعود بمقدور اللبنانيين قريبًا تأمين الاحتياجات الأساسية، ذلك بالإضافة إلى ما بات بحكم المعروف كعدم قدرة المصرف المركزي بعد فترة قصيرة على الإنفاق في دعم السلع إذا ما تدنى احتياطي العملة الصعبة، الى جانب التدهور الكبير في الوضع الصحي الناجم عن التفشّي الهائل لفيروس كورونا. ومع ذلك ثمة من لا يزال يفكّر بتحقيق مكاسب سياسية ولو على حساب الشعب ووجود البلد.
ثلاثة أسابيع انقضت من العمر الافتراضي للمبادرة الفرنسية، ولا شيء جديداً في ما خص الاستحقاق الحكومي. ومع استمرار الترقب لما سينتهي إليه ملف التكليف بات الخوف من أن تكون المبادرة الفرنسية قد صارت في خبر كان، مع ما يعنيه ذلك من زوال أي أمل بمساعدات قد تنتشل لبنان من الدرك الذي أوصلته اليه السياسات ذاتها التي يتمسك بها البعض اليوم.
وفي هذا الواقع المكفهر لا تزال الاتصالات متوقفة عند تمسك كل فريق بمطلبه، وقد فتحت جبهة التراشق بالبيانات والمواقف بين المرجعيات الروحية المارونية والشيعية على مصراعيها، في حين رأت مصادر سياسية مُواكبة أن ما يجري إنعكاس لتخبط القوى السياسية المعنية على ضفتي الكباش، والتي أثبتت قصورها عند أي استحقاق دستوري.
وفي وقت لوّح رئيس الجمهورية ميشال عون باتخاذ موقف ما في الساعات المقبلة، توقعت المصادر السياسية لـ ”الأنباء” أن “يعمد عون إلى إحراج الرئيس المكلف، وأنه سيقول له شكّل الحكومة التي تريد وأنا سأوقّع. وبعد صدور المراسيم تذهب الحكومة الى المجلس النيابي لنيل الثقة فتكون أمام خيارين، إما أن تسقط بحجب الثقة أو تسقط بالميثاقية أي بمقاطعة النواب الشيعة”.
وتوقعت المصادر نفسها أن “يزور الرئيس المكلف قصر بعبدا في الساعات الثماني والأربعين المقبلة للإعلان عن تشكيل الحكومة أو الاعتذار”، مشيرة الى أنه “في حال بقيت المبادرة الفرنسية سارية المفعول فقد تمدد مهلة التريث أياما أخرى، خصوصاً وأن موضوع تشكيل الحكومة بدأ يتخذ مسارا إقليميا ودوليا، وقد جاء رفض المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان للدور الفرنسي والأميركي في تشكيل الحكومة بمثابة إشارة واضحة على دخول العملية البازار الخارجي”.
الا ان مصادر الثنائي الشيعي استغربت بحسب تعبيرها ربط تشكيل الحكومة بالصراعات الإقليمية والدولية، وأصرّت في حديث لـ “الأنباء” على أن “المسألة بسيطة جداً، فعندما يقتنع الافرقاء بأحقية الثنائي بوزارة المال لأسباب محض ميثاقية وليست تحديا لأحد، تحل المشكلة على الفور وتشكل الحكومة بغضون ساعات، وإذا لم يقتنعوا بذلك فلا حول ولا”.
غير أن مصادر بيت الوسط جددت عبر “الأنباء” تمسّكها بالمداورة بالحقائب جميعها “دون استثناء”، ورأت في ”تصلب الثنائي الشيعي تعطيلاً متعمّداً لتشكيل الحكومة لأسباب محلية وإقليمية بدأت تتكشف معالمها بوضوح”.
توازياً تحدثت مصادر التيار الوطني الحر لـ “الأنباء” عن “مفاجآت قد تقلب الطاولة رأسا على عقب”، مؤكدة حرصها على “إنجاح المبادرة الفرنسية ومنع فشلها، لأن فرنسا الدولة الوحيدة التي قررت مساعدة لبنان فلا يجوز أن نفوّت هذه الفرصة”.
ومع انتقال ملف تأليف الحكومة الى المشرحة الدولية الاقليمية، فقد رأى الخبير الدولي خليل حسين في حديث مع ”الأنباء” أن “تشكيل الحكومة أصبح مرتبطاً إقليميا بإيران ودوليًا بفرنسا والولايات المتحدة، ولو لم يكن الأمر كذلك لتشكلت الحكومة بعد الانتهاء من الاستشارات النيابية بيومين”. وأشار الى “ضغوط أميركية باتجاه ايران، وفرنسية من خلال الوساطة، فيما ايران تضغط على الفرنسيين لأنها تخشى من ان تبيع الإنجاز للولايات المتحدة، وهناك تشدد أميركي – فرنسي تجاه ايران، لذلك تشكيل الحكومة سيكون بمثابة معجزة كبيرة”. واعتبر حسين ان ”الكباش اليوم هو أميركي إيراني ولن يسمح لأحد من الأطراف الأخرى قطف الثمار”.
صحيا، ومع التفشي المخيف لوباء كورونا الذي سجل أمس رقما قياسيا بلغ 1006 إصابات، جاءت دعوة وزير الصحة حمد حسن لإقفال البلد أسبوعين لتظهر عدم التوافق بينه وبين وزير الداخلية محمد فهمي على هذه الخطوة، إذ يرى فهمي أن “لا فائدة من الإقفال لأن هذه التجربة اثبتت عقمها”.
وبانتظار ما ستقرره خلية الأزمة اليوم، لفت طبيب الأمراض الصدرية صلاح زين الدين في حديث مع “الأنباء” أنه “مع تصاعد الحالات وكثرتها وصلنا الى مرحلة تجاوز القدرة الطبية وأصبحت المستشفيات مهددة بعدم تأمين حاجات المصابين بالسرعة المطلوبة، كما أن مسألة الدخول الى المستشفيات أصبحت صعبة جداً”، وأكد زين الدين ان “الحل يبقى بيد الناس، ولا حل الا بالوقاية”.