“كورونياً” سجل لبنان ألفيته اليومية الأولى على مستوى الإصابات بينما التخبط في التوجّهات والتوجيهات الرسمية بلغ ذروة التفشي بين المسؤولين خلال الساعات الأخيرة لا سيما بين وزارتي الصحة والداخلية. وكذلك حكومياً، سياسة التخبط وانعدام المسؤولية بلغت أوج مراحلها، وسط تسجيل استنفار أغلبية المكونات الوطنية ضد الأداء التسلّطي الذي يمارسه الثنائي الشيعي في مواجهة المبادرة الفرنسية الإنقاذية ويهدد من خلاله بنسف آخر فرصة متاحة لنجدة اللبنانيين، فأضحى الثنائي عملياً متقوقعاً في خندقه المذهبي يقصف كافة الجبهات المسيحية والإسلامية تحت لواء معركة الإصرار على “تشيّع” وزارة المال رغماً عن أنوف كل الطوائف الأخرى الداعمة للمداورة والرافضة لتطييف الحقائب الوزارية. حتى حليف “حزب الله” رئيس الجمهورية ميشال عون لم يقم له الحزب وزناً بل جرّده من “مَونته” عليه في محاولة إيجاد حل للأزمة الحكومية، إذ كشفت مصادر مطلعة على أجواء لقاء عون برئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد لـ”نداء الوطن” أنّ رئيس الجمهورية أعرب خلال اللقاء عن تمسكه بمبدأ المداورة الشاملة في الحقائب وطرح انطلاقاً من ذلك حلاً يقوم على أن يسمي عون وزيراً مسيحياً لحقيبة المال يضمنه شخصياً ويأخذه على عاتقه، لكنه قوبل برفض فوري من قيادة “حزب الله” وأتاه الجواب: “الكلام انتهى بهذا الموضوع ووزير المال يجب أن يكون شيعياً”.
إذاً، المبادرة الفرنسية لم تسلك بعد طريق الخروج من نفق التعطيل والعرقلة تحت وطأة تشبث “الثنائي” بشروطه رافضاً أي طرح يفضي إلى تخليه عن “التوقيع الشيعي الثالث”، في حين تؤكد أوساط الرئيس المكلف مصطفى أديب أنه “غير مستعد للتراجع عن مبدأ المداورة ولا استثناء أي حقيبة منه”، وهو ما يدعمه به رؤساء الحكومات السابقون باعتبارهم من جهة “يتعاملون مع هذا المبدأ بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الطابع الإصلاحي التخصصي للحكومة العتيدة”، ولأنهم بحسب أوساطهم يرون من جهة أخرى في الإصرار على استئثار الطائفة الشيعية بوزارة المال “تكريساً مرفوضاً لعرف غير دستوري ستمتد مفاعيله حكومياً إلى أبد الآبدين في حال الرضوخ إليه اليوم تحت طائل التهديد والوعيد”.
وبينما الأفكار والطروحات الداخلية التي يتم تداولها كمخارج للأزمة تتساقط تباعاً حتى الساعة، تكشف مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن” أنّ “الفرنسيين باتوا يميلون إلى التعامل مع مطلب الثنائي الشيعي باعتباره مطلباً غير ميثاقي لا سيما في ضوء رفض مختلف المكونات اللبنانية له”، لافتةً الانتباه إلى أنّ مغادرة السفير الفرنسي برنار فوشيه بيروت السبت الفائت “لا شك في أنها ستؤثر على مشهد التواصل الفرنسي المباشر مع “حزب الله” خصوصاً وأنّ الحزب كان يرتاح إلى التعاطي مع السفير الفرنسي المنتهية ولايته، في حين سيكون عليه اليوم ترقب هل ستعتمد السفيرة التي ستخلف فوشيه نهجاً جديداً مع “حزب الله” في حال إفشاله مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون”.
وتشير المصادر الديبلوماسية إلى أنّ “القناعة الدولية والعربية باتت تجنح إلى ربط عرقلة الثنائي الشيعي لولادة الحكومة بأبعاد إيرانية، وأنّ شرط الاستحواذ على حقيبة المالية أتى بهدف تعطيل مفاعيل المبادرة الفرنسية لا سيما وأنّ الثنائي كان قد أبدى بدايةً موافقته على مبدأ المداورة في كل الحقائب الوزارية بما فيها المالية، ولكن على ما يبدو فإنّ طهران التي كانت تراهن على أن يتمكن الفرنسي من لجم العقوبات الأميركية وجدت أنّه لم يفلح في هذه المهمة وأنّها بالتالي لم تقبض أي ثمن لتمرير مبادرة ماكرون اللبنانية، ففضلت تفخيخها والانتظار ريثما يتاح لها تقديم ما يمكن تقديمه في الورقة اللبنانية إلى الأميركي مباشرةً”.
وفي الغضون، تواترت معلومات خلال الساعات الأخيرة ترجح إمكانية أن يفضي الضغط الفرنسي إلى إيجاد حلول تسووية الأسبوع الجاري للملف الحكومي بمؤازرة روسية ومصرية، مستفيداً من منسوب التوتر والضغط الذي بدأ بالتصاعد داخلياً على أكثر من مستوى وجبهة طائفية ومذهبية في مواجهة ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، وقد برز في هذا المجال تكوّن جبهة سيادية وطنية يقودها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في مواجهة “هيمنة فئة مستقوية على دولة فاقدة القرار الوطني والسيادة”، وكمن “يبق البحص”، سأل الراعي: “بأي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها (…) فهل عدلت المادة 95 من الدستور في غفلة، أم تفرض فرضاً بقوة ما أو استقواء؟”.
وتوجه في المقابل برسالتين، واحدة مباشرة إلى الرئيس المكلف داعياً إياه إلى عدم الخضوع للشروط وعدم الاعتذار، وأخرى غير مباشرة إلى كل من يعنيه الأمر وفي طليعتهم “حزب الله” قائلاً: “لسنا مستعدين أن نبحث بتعديل النظام قبل أن تدخل كل المكونات في كنف الشرعية وتتخلى عن مشاريعها الخاصة، فلا تعديل في الدولة في ظل الدويلات، ولا تعديل للنظام في ظل هيمنة السلاح المتفلت غير الشرعي أكان يحمله لبنانيون أو غير لبنانيين، ولا إعادة نظر في النظام اللبناني وتوزيع الصلاحيات والأدوار قبل تثبيت حياد لبنان”.
وعلى الأثر، توالت الردود الروحية الشيعية نيابةً عن “الثنائي” تنديداً بخطاب الراعي، وإذ آثر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان نبش “زمن العشرين” قائلاً: هذا الزمن انتهى وما نطالب به سببه صيغتكم الطائفية التي أسس لها من مضى بصيغته الطائفية”، استنفر المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في مواجهة البطريرك الماروني دون أن يسميه، فاستنكر “ما صدر عن مرجعية دينية كبيرة بحق الطائفة الإسلامية الشيعية وما انحدر اليه الخطاب من تحريض طائفي يثير النعرات”، متهماً “مَن ارتهن للخارج خدمةً لمآرب مشبوهة” بأنه “يمعن في تحريف الوقائع وتضليل اللبنانيين في موضوع تشكيل الحكومة”، ليخلص في المقابل إلى تجديد التمسك ببقاء وزارة المالية في قبضة الطائفة الشيعية وإلا “فلتكن المداورة في وظائف الفئة الأولى”.