طرح الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس، مبادرة تقضي بـ”إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بالسيادية، وعدم تخصيصها لطوائف محددة”، ليكون ذلك مخرجاً للأزمة الناشئة عن تمسك “الثنائي الشيعي”، المتمثل بـ”حركة أمل” و”حزب الله”، بالاحتفاظ بحقيبة المالية وتسمية رئيسها في الحكومة العتيدة التي دعا الرئيس المكلف بتشكيلها مصطفى أديب لإنجاح المبادرة الفرنسية، و”تسهيل تشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على وقف الانهيار”.
وتنقسم الحقائب السيادية في لبنان إلى أربعة، هي “الخارجية” و”الداخلية” و”المال” و”الدفاع”، وتتقاسمها الطوائف الأربع الكبرى مناصفة، وهي ”الموارنة” و”الأرثوذكس” و”السنة” و”الشيعة”. ويعد الشيعة أن تمسكهم بالمالية كونها تؤمن مشاركتهم بالسلطة التنفيذية، عبر توقيع وزير المال على المراسيم والقرارات التي تتطلب إنفاقاً مالياً، إلى جانب توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة.
ورأى عون “أننا اليوم أمام أزمة تشكيل حكومة، ولم يكن مفترضاً أن تحصل لأن الاستحقاقات التي تنتظر لبنان لا تسمح بهدر أي دقيقة. ومع تصلب المواقف، لا يبدو في الأفق أي حل قريب لأن كل الحلول المطروحة تشكل غالباً ومغلوباً”.
وفي مؤتمر صحافي عقده، عد عون أنه “إذا لم تُشكل الحكومة (رايحين على جهنم)”، لافتاً إلى أنه “طرحنا حلولاً منطقية وسطية لتشكيل الحكومة، ولكن لم يتم القبول بها من الفريقين، وتبقى العودة إلى النصوص الدستورية واحترامها هي الحل الذي ليس فيه غالب ولا مغلوب”، مشيراً إلى أنه جرت “4 زيارات لرئيس الحكومة المكلف، ولم يستطع أن يقدم لنا أي تصور أو تشكيلة أو توزيع للحقائب أو الأسماء، ولم تتحلحل العقد”.
وقال عون إن “رئيس الحكومة المكلف لا يريد الأخذ برأي رؤساء الكتل في توزيع الحقائب وتسمية الوزراء، ويطرح المداورة الشاملة، ويلتقي معه في هذا الموقف رؤساء حكومة سابقون. ويسجل له أنه يرفض التأليف إن لم يكن ثمة توافق وطني على التشكيلة الحكومية”.
ورأى عون أنه “لا يجوز استبعاد الكتل النيابية عن عملية تأليف الحكومة لأن هذه الكتل هي من سيمنح الثقة أو يحجبها في المجلس النيابي، وإن كان التأليف محصوراً بالتوقيع بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية”، كما أنه “لا يجوز فرض وزراء وحقائب من فريق على الآخرين، خصوصاً أنه لا يملك الأكثرية النيابية”.
وشدد عون على أن “الدستور لا ينص على تخصيص أي وزارة لأي طائفة من الطوائف أو لأي فريق من الأفرقاء، كما لا يمكن منح أي وزير سلطة لا ينص عليها الدستور”. ورأى أن “التصلب في الموقفين لن يوصلنا إلى أي نتيجة، سوى مزيد من التأزيم، في حين أن لبنان أكثر ما يحتاج إليه في ظل كل أزماته المتلاحقة هو بعض الحلحلة والتضامن، ليتكمن من النهوض ومواجهة مشكلاته”.
واقترح عون “إلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بالسيادية، وعدم تخصيصها لطوائف محددة، بل جعلها متاحة لكل الطوائف، فتكون القدرة على الإنجاز -وليس الانتماء الطائفي- هي المعيار في اختيار الوزراء”، متسائلاً: ”هل نقوم بهذه الخطوة ونبدأ عملية الإنقاذ المتاحة أمامنا أم سنبقى رهائن الطوائفية والمذهبية؟”، مشدداً على أنه “لا الاستقواء بعضنا على بعضنا سينفع، ولا الاستقواء بالخارج سيجدي؛ وحده تفاهمنا المبني على الدستور والتوازن هو ما سيأخذنا إلى الاستقرار والنهوض”.
- ترف هدر الوقت
كان الرئيس المكلف مصطفى أديب قد أعلن، في بيان، أن “لبنان لا يملك ترف إهدار الوقت، وسط كم الأزمات غير المسبوقة التي يمر بها، مالياً ونقدياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً”. وقال: “إن أوجاع اللبنانيين التي يتردد صداها على امتداد الوطن، وعبر رحلات الموت في البحر، تستوجب تعاون جميع الأطراف من أجل تسهيل تشكيل حكومة مهمة محددة البرنامج، سبق أن تعهدت الأطراف بدعمها، مؤلفة من اختصاصيين، وتكون قادرة على وقف الانهيار، وبدء العمل على إخراج البلد من الأزمات، وتعيد ثقة المواطن بوطنه ومؤسساته”.
وأكد أنه لن يألو جهداً لـ”تحقيق هذا الهدف، بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون”، متمنياً من الجميع “العمل على إنجاح المبادرة الفرنسية فوراً ومن دون إبطاء، وهي التي تفتح أمام لبنان طريق الإنقاذ ووقف التدهور السريع”. وختم مشدداً على أن “أي تأخير إضافي يفاقم الأزمة ويعمقها، ويدفع الناس نحو مزيد من الفقر، والدولة نحو مزيد من العجز؛ ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يحمل ضميره مسؤولية التسبب بمزيد من الوجع لهذا الشعب الذي عانى كثيرا، ولا يزال”.
ويواجه المطلب الشيعي رفضاً من عدة أطراف، بينها رئيس الحكومة المكلف، وقوى سياسية أخرى، مثل حزب “القوات اللبنانية” الذي نفى رئيسه سمير جعجع، في بيان له أمس، أن يكون ما يحصل في موضوع تأليف الحكومة استهدافاً للشيعة، وقال: “إن هذه الأجواء بعيدة البعد كله عن واقع الحال”، مشيراً إلى أن “ما نريده هو الخروج من المأساة التي نعاني منها لأشهر، بل لسنوات خلت. والسبب الرئيسي لهذه المأساة هو المحاصصة التي كانت تتم على مستوى السلطة التنفيذية، والتي كانت تؤدي إلى بروز دويلات ضمن الدولة، وإلى شلل للحكومة والمؤسسات، وإلى الفساد الذي ساد وتمادى في صلب الدولة”.
وقال إن “(حزب الله) وحركة أمل تمسكا بما كان يعتمد سابقاً على مدى سنوات عدة، وأصرا على تسمية وزرائهم من جهة، وعلى التمسك بحقيبة المالية من جهة ثانية، الأمر الذي سيدفع الفرقاء الآخرين إلى التمسك بالحقائب التي كانوا يشغلونها، وبالتالي إلى إعادة إنتاج حكومة كسابقاتها، ما يحرمنا تشكيل حكومة جديدة مختلفة؛ (حكومة مهمة) تباشر بعملية إنقاذ البلد وإراحة شعبه”.
وأضاف: “من هذا المنطلق فحسب، نحن مع المداورة الكاملة طوائف وأحزاباً، ونرفض كلياً أن تسمي الكتل الحاكمة أي وزراء في الحكومة”. ورأى أن ”أكثر من تضرر من نظام المحاصصة السابق ومن تخصيص أحزاب وطوائف بحقائب معينة هم المواطنون الشيعة بالذات”.