لم يكن كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلا خير مُعبّر عمّا يفعله البعض من الممسكين بناصية القرار بإغراقهم البلاد أكثر فأكثر بالصراعات الخارجية والنكايات الداخلية، والتي لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من الانهيار والتداعي في بنيان الدولة. هؤلاء الذين جميعهم أعرب ماكرون عن “الخجل” منهم، هم الذين قبل يومين حمّلهم رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط مسؤولية جريمة تعطيل تأليف الحكومة وأخذ البلاد وفرصتها الوحيدة للإنقاذ رهينة صراع الأمم.
وإذا كان ماكرون أبقى باب الأمل مفتوحاً بتأكيده البقاء إلى جانب اللبنانيين، لا السياسيين المعطّلين، وبمنحه فرصة جديدة لتأليف حكومة “مَهمّة” كما وصفها خلال أربعة الى ستة أسابيع وإلا فسيعيد النظر بمعايير المعادلة، فإنه لم يتوان عن تسمية صريحة للقوى السياسية التي تقع عليها المسؤولية المباشرة في التعطيل، وتحدّث عن خيانتها للعهد الذي قطعته. لكن هذه القوى حاولت تجنّب الرد على هذا الجانب من كلامه، وركزت في المقابل على تأكيده استمرار المبادرة الفرنسية واستمرار دعمه للبنان.
وفيما لم يُصدر حزب الله أي تعليق رسمي على كلام ماكرون المباشر والصريح عنه لناحية التخلف عن تسهيل التأليف، فإن مصادر عين التينة نقلت لـ”الانباء” ارتياح الرئيس نبيه بري للكثير من المحطات التي تتطرق اليها ماكرون، وأن بري “سيقوم بما يمليه عليه واجبه الوطني لتدوير الزوايا والخروج من هذا المأزق بالتعاون مع المسؤولين اللبنانيين”.
مصادر قصر بعبدا بدورها لم تتطرق لقساوة موقف ماكرون، بل وجدت في كلامه “فرصة جديدة لإعادة النظر في مواقف كل القوى السياسية”. وأكدت لـ “الأنباء” أنها “تؤيد معظم المواقف التي تناولها الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحافي، ومن ابرزها استمرار المبادرة الفرنسية ووقوف فرنسا الى جانب الشعب اللبناني، والدعوة الى مؤتمر لدعم لبنان، والمساعدة في تشكيل الحكومة، والانفتاح على كل القوى الإقليمية والدولية المؤثرة التي تساعد على حلحلة العقد”.
وقالت مصادر بعبدا أن “الرئيس ميشال عون سيباشر اتصالاته بالقوى السياسية للوقوف على رأيهم انطلاقا من المواقف التي أشار اليها الرئيس ماكرون”.
وفي “بيت الوسط” أعربت مصادره عن ارتياحها لكل ما جاء في المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي، وقالت لـ ”الانباء” إنه “وضع النقاط على الحروف فأثبت انه صديق فعلي للبنان، وما قاله عن حزب الله لم يتجرأ أحد من اللبنانيين ان يقوله له”. وشددت المصادر على “أن حكومة “المهمة” وهي ضد الحكومة السياسية”، مجددة التأكيد ان ”الرئيس سعد الحريري ليس بوارد الترشح لأي حكومة، كما أنه لن يسمي أحدا هذه المرة”.
وتوضيحًا لذلك، رأى القيادي في المستقبل مصطفى علوش الى أن “ماكرون أعطى فرصة لتشكيل حكومة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، بعدما تأكد له أنه لا يستطيع ان يأخذ شيئا من حزب الله فيما ايران قلقة بخصوص العقوبات”. وقال علوش إن “ماكرون توجه لأول مرة بشكل واضح لحزب الله بأنه لا يستطيع ان يحارب إسرائيل ويكون ميليشيا في سوريا وحزباً سياسياً في الداخل، وعليه ان يقرر”، فاعتبر علوش ان “هذا الكلام لن يغير شيئا بعدما عرف ان مبادرته لا تستطيع ان تقلع بدون اسنان”.
عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب انيس نصار لفت في اتصال مع “الأنباء” الى ان قاله ماكرون عن لبنان اكثر من اللبنانيين انفسهم، معتبرا انه “وضع النقاط على الحروف ولم يوفر أحدا”. وشدد نصار على أن المهم ان “يتعظ الجميع ويسهلوا تشكيل الحكومة، واذا كانوا يريدون انتظار الانتخابات الأميركية فلينتظروا شهرا ونصف الشهر من دون حكومة”، معتبرا “أننا دخلنا في المحظور ولا ادري كيف الخروج منه”.
الوزير السابق آلان حكيم رأى ان المؤتمر الصحافي لماكرون “كان صفعة مدوية لكل السلطة المحلية، ولم نشهد ”جرصة” اكثر من هذه “الجرصة” تجاه الناس وتجاه المجتمع الدولي من رئيس دولة كبرى”، واعتبر حكيم ان اهم ما قاله ماكرون انه “طالب الطائفة الشيعية وحزب الله باتخاذ موقف لأنه لم يعد هناك شيء اسمه حزب بل مواطنة، فإذا ارتفع الدولار الى خمسة عشر الف ليرة فهل تكون الطائفة الشيعية بمعزل عن ارتداداته”؟
ورأى حكيم ان “الموضوع اليوم صار بين خيار وجود لبنان ووجود الدولة، فهل سيفرحون اذا لم يعد هناك دولة اسمها لبنان؟”، مشيرا الى انه “لا يمكن لمن كان السبب ان يكون هو الحل، فأهم شيء هو التخلص من الطبقة الفاسدة والا سيبقى كلام بكلام”.