اعتذر مصطفى أديب السبت. وبعد يوم واحد، لحق به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ليس السبب إصرار الثنائي على تسمية وزير المالية، بل إصرار أميركا على أن يكون حزب الله خارج الحكومة. تلك عقبة قد يطول الوقت قبل حلّها. ماكرون أسف لعدم قدرته على إنجاح مبادرته، ممدداً وقتها. كلمته اللبنانية أمس، التي بلغت ذروة الوقاحة منذ تنصيب نفسه مرشداً للجمهورية، جعلته أقرب من ذي قبل إلى تبنّي الخطاب الأميركي – السعودي حيال لبنان ومشكلاته، ويمكن اختصارها بعبارة: “أنا ما خصني” بفشل مبادرتي
انتهت تجربة تكليف مصطفى أديب. كتاب اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة، كان معه منذ اليوم الأول لتكليفه. هو الذي بدا مقيّداً بسلسلة من الالتزامات الداخلية والخارجية التي لم يتمكن من تخطيها. لكن مع ذلك، لم يبدُ هذا الاعتذار الذي تحوّل إلى واقع يوم السبت أكثر من ترجمة لموقف الملك السعودي، ثم موقف نائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل، وقبلهما وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. في كل الحالات كانت الرسالة الأميركية – السعودية واحدة: حزب الله مسؤول عن الانهيار في لبنان، ويجب أن يكون خارج الحكومة. كلام بدا كافياً ليحمل أديب ملفاً أسود بيده يتضمن كتاب اعتذاره. لكن ليس أديب وحده من انحنى للموقف الأميركي. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عاد إلى السرب الأميركي. تخلى، في مؤتمره أمس، عن دور الوسيط، الذي لعبه منذ السادس من آب. كان همه همّين: إبعاد مسؤولية فشل المبادرة عنه، وتحميل حزب الله هذه المسؤولية. وهو بالرغم من تأكيده أن المبادرة لم تمت، إلا أنه لم يقدم خلال مؤتمره الذي قارب ساعة من الوقت أي مقاربة تسمح بتفعيلها. بل على العكس، هو، بكلامه، أعلن نهاية المبادرة بشكلها الحريص على وحدة اللبنانيين، وزاد من صعوبة نجاحها في تصويبه المكثف على حزب الله. قال إن ”الحزب لا يمكنه أن يكون جيشاً محارباً لإسرائيل وميليشيا الى جانب سوريا وحزباً محترماً في لبنان، وهو أظهر العكس، وعليه أن يفهم أنه يخسر لبنان بأسره”. ولم يتوقف هنا، بل اعتبر أنه “حان الوقت لحزب الله أن يوضح اللعبة. لا يمكنه أن يُرهب الآخرين بقوة السلاح ويقول إنه طرف سياسي”. لكن مع ذلك، أقرّ ماكرون بأثر العقوبات الأميركية، مشيراً إلى أنها لا تبدو خياراً مناسباً. كما أعلن أن لا دليل على أن إيران لعبت دوراً في منع تأليف الحكومة اللبنانية. ولفت الى عدم الخشية من وقوع حرب أهلية في لبنان.
مرّ ماكرون عرضاً على مسؤولية رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في إفشال تأليف الحكومة، عبر إشارته إلى أنه أخطأ بإضافة المعيار الطائفي في توزيع الحقائب الوزارية. كما أوضح أن الورقة الإصلاحية لم تتضمن أي شرط طائفي في تأليف الحكومة، مشيراً إلى أن “حركة أمل وحزب الله قررا أن لا شيء يجب أن يتغيّر، وقالا بوضوح إنهما يريدان تسمية الوزراء الشيعة”. أضاف: “حزب الله مسؤول لأنه لم يحترم وعده لي… أخجل ممّا يقوم به القادة اللبنانيون”.
واعتبر ماكرون أنه من الآن حتى 6 أسابيع، إذا لم يحصل أي تقدّم في لبنان، فسنكون مضطرين إلى سلوك خيار آخر لإعادة تشكيل طبقة سياسية جديدة، والشهر المقبل سيكون أساس العمل. وأكد أنه لا أحد يثق بالنظام المالي الحالي، ولن يعرف لبنان أيّ عصر ذهبي في ظل هذا النهج.
مصادر في 8 آذار اعتبرت أن ماكرون لم يكن منصفاً في تحميله المسؤوليات. وذكرت أن حزب الله وحركة أمل لم يخلّا معه بأي التزام، بل على العكس، وافقا على حكومة مهمّات مستقلة، يؤلفها مصطفى أديب وتوافق عليها الأحزاب، كما وافقا على 90 في المئة من الورقة الإصلاحية. وقد تفهّم ماكرون اعتراضهما على الانتخابات المبكّرة. بهذا المعنى، تشير المصادر إلى أن الرئيس الفرنسي هو الذي أخلّ بالتزامه بتأليف حكومة تفاهم وطني. وهو الذي بدا متناقضاً في كلامه عن حكومة تتمثل فيها الطوائف، لكن من دون أن يكون للطوائف أي دور في التسمية. من يسمّي الوزراء إذاً؟ يسأل المصدر. ويقول: هل يريدنا أن نلتزم معه بتسليم البلد لرؤساء الحكومات السابقين؟ وهل يريدنا أن نلتزم بتسمية سعد الحريري لـ 14 وزيراً؟ وهل يريدنا أن نلتزم بإلغاء نتائج الانتخابات النيابية؟ ليخلص المصدر إلى أنه يبدو أن الالتزام الوحيد المطلوب هو ما قاله بومبيو عن وجوب تأليف حكومة من دون حزب الله.
وفي السياق نفسه، بدأت الإدارة الأميركية الترويج لعقوبات جديدة ستُفرض في غضون أيام على سياسيين لبنانيين، بذريعة مسؤوليتهم عن تفجير المرفأ يوم 4 آب الماضي.
ماذا بعد الاعتذار؟ بعد كلام ماكرون، فإن التشاؤم في المسار الحكومي سيكون سيد الموقف. سعد الحريري أعلن مراراًَ أنه ليس في دائرة المرشحين لتولي رئاسة الحكومة. وهو صار واضحاً أنه لن يعود إلا بغطاء سعودي. ويوم أمس، بدأ بعض المقرّبين منه يحتفل بالخبر الذي نشرته قناة “روسيا اليوم” عن اتصال بين ماكرون وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، اتفقا فيه على الحل في لبنان عبر سعد الحريري. أتى ذلك بعد معلومات عن اقتراح رفضته السعودية، يقضي بتأليف حكومة ثلثها من السياسيين وثلثاها من الاختصاصيين. في المحصلة، بعد تجربة مصطفى أديب، صارت مسألة قبول التسمية مغامرة كبيرة. في الظروف الحالية، لا أحد يمكنه أن ينجح في التأليف. ببساطة، لأن الشروط والشروط المضادة لن تتغير، ولأن ثمة فريقاً في الداخل والخارج يريد حكومة من دون حزب الله، فيما الأخير يزداد تمسكاً بتسمية الوزراء الشيعة بالتكافل مع حركة أمل.
الانتخابات الأميركية ستجرى قبل انتهاء فترة الأسابيع الستة التي أعطاها ماكرون للأطراف اللبنانيين للاتفاق. هل هذا مقصود؟ ليس واضحاً، لكن زمنياً على الأقل، فإن الحديث عن عدم تأليف حكومة في لبنان قبل إجراء الانتخابات الأميركية يزداد واقعية. لكن المفارقة أن الانتخابات نفسها لن تكون كافية لتأليف الحكومة. بعد الانتخابات قد تدخل أميركا في صراعات كبيرة، ربما لا تنتهي قبل موعد انتقال الفائز إلى البيت الأبيض في شهر كانون الثاني. وفي حال خسارة ترامب وتبدّل الادارة، فإن أحداً فيها لن يلتفت إلى لبنان قبل الربيع المقبل.
بحسب المعطيات الأولية، وفيما لم يسجل أي خرق جدي في المراوحة الحكومية، فإن العام الحالي سيمر من دون تأليف حكومة. هذا يقود إلى مضاعفة التحديات التي تواجه الناس، والتي بدأت تباشيرها لحظة إعلان أديب اعتذاره. الدولار قفز 500 ليرة دفعة واحدة، ويُتوقع أن لا يتوقف ارتفاعه، خاصة مع بدء عملية تخفيف الدعم. ربما، في نظر بعض السياسيين، لا بديل من تعويم حكومة حسان دياب.