لم يكُن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أمس، مخصصاً حصراً للرد على كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فهو أيضاً تعبير عن الأزمة التي وصلت إليها المبادرة الفرنسية لحل الأزمة في لبنان. ولا فرق هنا ما إذا كانت الأزمة ناتجة عن سوء إدارة باريس وحسب، أو عن عقبات أميركية وسعودية، أو الاثنين معاً. القصة التفصيلية للمبادرة، كما شرحها السيد نصرالله، تثبت أنها أديرت بشكل خاطئ وأن إعادة إحيائها تحتاج إلى آليات جديدة.
حفِلت كلمة نصرالله بالمواقف والإضاءات على العديد من التطورات. تناول مجريات الأسابيع الأخيرة، تحديداً في ما يتعلق بتشكيل الحكومة والمبادرة الفرنسية وكلام الرئيس الفرنسي. اللهجة الهادِئة التي سادت الكلمة، لم تحجب قساوة المضمون، لجهة رفض حزب الله كلام ماكرون، بأسلوبه ومضمونه، كما رفض تنصيب الرئيس الفرنسي نفسه وصياً على لبنان ومدعياً عاماً وقاضياً يصدر الاحكام على مختلف القوى السياسية والمسؤولين الدستوريين. وجه نصرالله تنبيهات الى ماكرون للإلتزام بأصول التخاطب، تاركاً في الوقت عينه الباب مفتوحاً لاعادة إطلاق المبادرة الفرنسية. وللمفارقة، فإن الامين العام لحزب الله هو الوحيد من بين السياسيين اللبنانيين الذي ردّ على “تطاول” ماكرون، مُدافعاً عن الجميع بعد أن “مسّ بالكرامة الوطنية”، واستبقته حركة أمل ببيان في هذا الخصوص.
فور انتهاء كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ليل أمس، نظّمت العلاقات الاعلامية في الحزب جولة للصحافة المحلية والعالمية على منشأة صناعية في منطقة الجناح زعم رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، في خطابه الموجه إلى الجمعية العامة للامم المتحدة، أنها تضم مخزناً لصواريخ المقاومة. وبعد كلمة نتنياهو، وقبل خطاب نصرالله الذي اعلن فيه عن الجولة، نشر الناطق باسم جيش الاحتلال شريط فيديو يزعم وجود منشآت لتصنيع مواد للصواريخ الدقيقة، في الموقع الذي ذكره رئيس وزراء العدو، وفي موقعين آخرين. مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف أكّد في تصريح للصحافيين أن الجولة هي “للرد على نتنياهو وكشف كذبه” مشيراً الى “أننا لسنا كشافين لدى العدو ولا نقدم له معلومات، ولسنا ملزمين بإجراء جولات مشابهة في كل مرة يزعم فيها العدو الادعاءات نفسها”.
نصرالله نصح الرئيس الفرنسي بأخذ العبر من الفترة الماضية ومقاربة الأمور بشكل مختلف لعدم الوصول الى النتيجة ذاتها. واستعرض المبادرة الفرنسية منذ بدايتها عندما “حصلت لقاءات بقصر الصنوبر وطُرحت مبادرة، والجميع أكد أننا ندعم المبادرة الفرنسية والخطوة الأولى كانت عملية تشكيل الحكومة، ولم يكن لدينا مشكلة أن يتولى الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة أو يُسمي الشخصية التي يريد. قبلنا بتسمية نادي رؤساء الحكومات السابقين الأربعة لمصطفى أديب من أجل التسهيل ولم نضع أي شروط”.
ولفت إلى أنه “بعد تكليف أديب طلب منه البعض الإنتظار لأن هناك من يفاوض ولم يحصل أي نقاش مع الكتل السياسية”، موضحاً أن “أديب لم يتحدث أو يتشاور مع أي من الكتل النيابية كما لم يفعل ذلك مع رئيس الجمهورية رغم انه شريك في عملية تأليف الحكومة”. وأكد أن “من كان يفاوضنا حول الحكومة لم يكن الرئيس أديب بل الرئيس سعد الحريري”، و”ما عرض علينا كان بمثابة أخذ العلم بعدد وزراء الحكومة والمداورة بالحقائب وتوزيعها وأسماء الوزراء”، لافتاً إلى أن “على الفرنسيين أن يعرفوا أين أخطأوا خصوصاً في ما يتعلّق بشطب أهمّ ما تبقى من صلاحيات لرئيس الجمهورية”. وأكد “رفضنا ما طرح علينا لأنه خطر على البلد وغير قابل للنقاش”، علماً أنه “منذ 2005 حتى اليوم العرف القائم هو الإتفاق بين رئيس الحكومة والكتل على الحقائب ولم يكُن يناقش الأسماء”، بينما “ما تم طرحه علينا في موضوع الحكومة يخالف الأعراف القائمة منذ سنوات”، مشيراً إلى أن “الهدف كان فرض أعراف جديدة تخالف الدستور لصالح أطراف لا تمثل أكثرية في المجلس النيابية، وحين سألنا عما إذا كانت المبادرة الفرنسية تتضمن ما طرحه نادي الرؤساء السابقين قيل لنا إنها ليست كذلك”. ولفت إلى أن “المبادرة الفرنسية لا تتضمن عدد الوزراء ومبدأ المداورة والجهة التي توزع الحقائب وتسمي الوزراء”، مؤكداً “التمسك بتسمية الوزير الشيعي لما له علاقة بالقرار”. وقال إنه “في مرحلة ما كانت هناك محاولة لطرح حكومة أمر واقع، لكن اديب أكد لنا أنه لا يريد المواجهة مع أحد”، معتبراً أن “ما عرض علينا خلال الشهر الماضي هو تسليم البلد إلى نادي الرؤساء السابقين، ومقاربة الملف الحكومي غير مقبولة في لبنان وهي مضيعة وقت أياً كان راعيها أو داعمها”.
واعتبر نصرالله أن ما عرض “لم يكن حكومة إنقاذ بل حكومة يسميها نادي رؤساء الحكومات السابقين ويكون قرارها عند فريق واحد”. وأضاف: “لطالما قلنا إن سبب وجودنا في الحكومات هو لحماية ظهر المقاومة، ويجب أن نكون في الحكومة لحماية ظهر المقاومة كي لا تتكرر حكومة 5 أيار 2008 في لبنان، كما أننا لا نستطيع أن نغيب عن الحكومة بسبب الخوف على ما تبقى من لبنان اقتصاديا وماليا وعلى كل الأصعدة”. وشدّد نصر الله على أنه “لا يمكن أن نقبل بتشكيل حكومة لا نعرف إذا كانت ستوقع على كل شروط صندوق النقد الدولي أو ستبيع أملاك الدولة تحت حجة سد الدين والعجز، ولم نعد قادرين على السماح لأي كان بأن يشكل الحكومة نظرا لدقة وحساسية الوضع الاقتصادي في لبنان”.
وتوجه إلى الرئيس الفرنسي بالقول: “هل كانت المبادرة الفرنسية تتضمن أن يقوم رؤساء الحكومات السابقون بتشكيل الحكومة وتسمية الوزراء؟ نحن منعنا أن يذهب البلد إلى الأسوأ ونتمنى أن يتعاون اللبنانيون لكي لا يذهب البلد إلى الأسوأ”. وقال له: “إبحث عن الطرف الذي كان يريد أن يسيطر على البلد ويلغي القوى السياسية بغطاء منكم”.
ورداً على اتهامات ماكرون للحزب بعدم الالتزام بالوعد، قال نصرالله: “نحن يا فخامة الرئيس الفرنسي معروفون عند الصديق والعدو بالتزامنا بوعودنا ونضحي لكي نفي بها، وما تطلبه يتنافى مع الديمقراطية لأنك تطلب بأن تنحني الأغلبية النيابية وتسلم رقابها لجزء من الأقلية”. وأضاف: “نحن لم نذهب إلى سوريا لقتال المدنيين بل لمواجهة الجماعات التي تقولون عنها إنها إرهابية وتكفيرية وأنتم موجودون في سوريا بهذه الحجة لكن من دون موافقة الدولة السورية أما نحن فبلى”. وأكّد ان حزب الله هو صاحب القرار في الشأن اللبناني “وإيران لا تتدخل ولا تملي، وإذا أردت أن تبحث عمن أفشل مبادرتك خارج لبنان، ففتش عن الأميركيين وخطاب الملك سلمان الأخير”.
السيد نصرلله أكد في معرض رده على ماكرون رفض “أن تقول لنا أننا ارتكبنا خيانة بل نرفض وندين هذا السلوك الاستعلائي، كما لا نقبل أن يتهمنا أحد بالفساد وإن كان لدى الفرنسيين أدلة على هذا الأمر فليحضروا أدلتهم”. وقال “رحبنا بزيارتك ومبادرتك لكن كصديق وليس مدعيا عاماً ومحققاً وقاضياً ووصياً وحاكماً على لبنان”، موضحاً بأنه “لا يوجد تفويض لا للرئيس الفرنسي ولا لغيره كي يكون وصياً أو ولياً على البلد”. وختم نصرالله كلامه عن المبادرة بالقول إن “الطريقة التي تم التعامل بها والاستقواء وتجاوز الحقائق والوقائع لا يمكن الاستمرار به لأنها لن تصل إلى نتيجة”، مؤكداً أن “الاحترام وكرامات الناس هو أهم شيء في التفاوض والمس بالكرامة الوطنية غير مقبول، ونحن منفتحون من أجل مصلحة لبنان ولا زلنا نرحب بالمبادرة الفرنسية”.
وكان السيد نصر الله قد استهل كلمته بالتعزية بوفاة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، قائلاً إن “الشعب اللبناني لا ينسى وقوف الكويت الى جانب لبنان بإعادة الإعمار جرّاء عدوان تموز 2006″، كما “نسجّل للكويت موقفها المتماسك في ظل حكم أميرها الراحل بمواجهة كل الضغوط التي تفرض على الدول العربية وخصوصا الخليجية، وما زالت الكويت تلتزم بموقفها العربي والإسلامي”. أما في الداخل، فأكد ضرورة “التوقف أمام ما حصل في الأسابيع الماضية من أحداث أمنية في الشمال، بدءًا مما حصل في بلدة كفتون ومن ثم المواجهات الأخيرة مع الإرهابيين، وصولاً إلى وادي خالد وما قام به فرع المعلومات ومن ثم ما جرى مع الجيش”. خاصة بعدَ أن “تبيّن بأن هذه الخلايا متنوعة من حيث التشكيل والتسليح، ما يعني أنها لم تكن تتحضر لعمليات محدودة بل لعمل أمني كبير”، و “الايام المقبلة ستكشف حجم الإنجاز الأمني للجيش والقوى الامنية واي بلاء دفعه الله عن لبنان ومنطقة الشمال”. وقال: “سبق أن حذرنا من عملية إحياء لداعش في العراق وسوريا ولبنان، والبعض رد بشكل حاقد وجاهل لأنه لا يجيد قراءة ما يحدث في محيطنا ويعتبر لبنان جزيرة معزولة”. وأشار نصر الله الى أنه “منذ اغتيال الشهيد القائد قاسم سليماني بدأت أميركا بإحياء داعش في العديد من المناطق في سوريا والعراق، ومن الطبيعي ان ينشط ذلك في لبنان، لتبرير بقاء قواتها”.
عن الأوضاع على الحدود الجنوبية، أكد أن “قرارنا بالرد (على اغتيال العدو المقاوم علي محسن في سوريا) ما زال مستمراً، وسنرى ما الذي سيحصل في الأيام والأسابيع المقبلة على الحدود مع فلسطين المحتلة”، لافتاً إلى أن ”هذه أطول مدة زمنية من الإستنفار يعيشها جيش العدو دمن ون أن يجرؤ على الحركة منذ العام 1948”.
أما مفاجأة الخطاب، فكانت رده على مزاعم رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو بشأن صواريخ للمقاومة في منشأة في منطقة الجناح. ردّ السيد على هذه الأكاذيب بدعوة وسائل الإعلام إلى التواصل مع العلاقات الإعلامية في حزب الله للدخول إلى المنشأة التي تحدث عنها نتنياهو. وأضاف “نحن لا نضع صواريخ لا في مرفأ بيروت ولا قرب محطة غاز ونعلم جيداً أين يجب أن نضع صواريخنا. وإجراؤنا هو من أجل أن يكون اللبنانيون على بينة في معركة الوعي وبأننا لا نضع صواريخنا بين البيوت”.
وختم السيد نصرالله كلمته بالتنويه بموقف الشعب البحريني رغم القمع والمخاطر وبرفض العلماء البحرينيين للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، كما أشاد بالموقف التونسي والجزائري رسمياً وشعبيا الرافض للتطبيع، مناشداً الشعب السوداني ألا يسمح بتطويعه تحت عنوان الرفع عن لائحة الإرهاب لكي يذهب إلى التطبيع.