لا شيء جديداً في السياق المحلي، فالملف الحكومي عالقٌ إلى أجلٍ تحدّده معطيات الخارج لا اتصالات الداخل التي يمكن القول إنها شبه متوقفة. وقد طغى السجال حول مواقع مفترضة لمخازن أسلحة وتصنيع صواريخ من قبل حزب الله بين أمين عام الحزب حسن نصر الله ورئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد تحول الاهتمام من غياب تشكيل الحكومة وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى الملف الامني، خاصة في ضوء التهديدات التي أطلقها نتنياهو ضد لبنان. هذا في وقت خسر فيه لبنان كما العالم العربي أمير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح، الذي كان حكيماً كبيراً وسنداً داعماً أساسياً عمل من أجل اللبنانيين في أحلك الظروف.
وفي غضون ذلك كان نتنياهو يهدد بأنه لن يسمح لإيران بأن تتمركز على حدود اسرائيل الشمالية، قاصداً حزب الله، وبدا كأنه يتحدث بلسان الضالع أو المتورط او العارف بما حصل في مرفأ بيروت في انفجار 4 آب، ملوّحاً أن لبنان وتحديداً منطقة الجناح، قد يشهد تفجيراً مماثلاً لمرفأ بيروت بسبب أسلحة حزب الله.
وقد سارع نصر الله الى الرد على نتنياهو، نافياً كلامه جملة وتفصيلاً، ثم نظّم حزب الله جولة اعلامية لتصوير المواقع التي تحدث عنها نتنياهو لنفي مضمون هذا الكلام، الذي وضعه في خانة تحريض اللبنانيين على الحزب. لكن مما لا شك فيه أنه ما بعد الادعاءات الاسرائيلية لا بد من الترقب والحذر مما قد يقدم عليه العدو وهو المتربص دائما لتحويل لبنان إلى ساحة صراع مدمر.
وفي الشق السياسي خصص نصر الله جزءا أساسيا للرد على كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، رافضاً ان يتم اتهام حزبه بالخيانة، مؤكداً ان الحزب رحب بالمبادرة الفرنسية والتزم بها، لكنه اتهم “رؤساء الحكومة السابقين والاميركيين والسعوديين” بتفجير المبادرة وتعطيلها. وعلى الرغم من ذلك لم يقطع نصرالله مع فرنسا تاركاً الباب مفتوحاً أمام استمرار التعاون مع المبادرة وعدم انتهائها، لكنه دعا الفرنسيين الى تصحيح مسارها ومساءلة من عمل على إفشالها. إلا أنه لم يقدم أي فكرة حول كيفية الخروج من المأزق، وسط معطيات تفيد بجمود المفاوضات على هذا الصعيد، وعدم حصول أي تطور، فيما تفيد التقديرات بأن الحكومة ستتأخر الى ما بعد الانتخابات الاميركية، إلا إذا حصلت تطورات سياسية او غير سياسية كبيرة غير منظورة قبل ذلك الموعد.
وفي هذا السياق، رأى عضو كتلة المستقبل النائب سامي فتفت في حديث نصرالله “محاولات لشراء الوقت بحيث أنه ”مزروك” داخليا ودوليا، وربما يراهن على الإنتحابات الأميركية، خصوصا بعد أن أعطى الرئيس الفرنسي مهلة 4 إلى 6 أسابيع، كما يحاول الرد على تهمة عرقلة عملية تشكيل الحكومة، ورمي الكرة في ملعب رؤساء الحكومات السابقين، إلّا أن الجميع بات يعلم، حتى بعض حلفاء حزب الله، أن المعرقل الحقيقي هو الحزب نفسه”.
ورأى فتفت في حديث مع “الأنباء” أن “نبرة الحديث إرتفعت، أكان لجهة ماكرون أو نصرالله”، إلّا أنه إعتبر أن “البلاد لم تعد تحتمل تأخيرا، في ظل الأزمات المتراكمة، وكذلك الأمر لا تحتمل تهديدا بإعادة سيناريو 7 أيار او غيره”، لافتا إلى أن “ثقافة القتال في لبنان لا يملكها إلّا الحزب نفسه، وحينما يقرر النزول إلى الشارع لن يجد من يقاتله”.
على خط آخر، يعقد مجلس النواب جلسة تشريعية، رغم الفراغ الحكومي، وفي جدول الأعمال عدد من مشاريع القوانين التي تشكّل مادة دسمة، ولربما تعطي الجلسات صفة “تشريع الضرورة”، منها قانون العفو العام، والدولار الطالبي.
في هذا الإطار، قرر تكتل “الجمهورية القوية” من جهته مقاطعة جلسات مجلس النواب. وفي إتصال مع جريدة ”الأنباء”، أوضح عضو التكتل النائب أنيس نصّار أسباب القرار، “إذ في جلسات المجلس خرق للدستور الذي يمنع انعقاد مجلس النواب في فترة الفراغ الحكومي، والسبب الثاني هو عدم وجود قوانين ذات صفة “تشريع الضرورة” من أجل المشاركة”، مذكّرا بأن “التكتل سبق له وخرق قانون عدم عقد الجلسات بحجّة أهمية القوانين، إلّا أنه تبيّن حينها عدم أهمية المشاريع المقدمة، وكذلك سيكون واقع الحال اليوم في ظل وجود قرابة الـ45 بندا، وبالتالي إختار التكتّل اليوم عدم المشاركة”.
وحول قانون العفو العام، أشار نصّار إلى أنه “لا توافق بين الكتل حوله، إذ مواقف تيار المستقبل وتكتّل لبنان القوي ليست مشجّعة، وبالتالي مشاركتنا لن تغيّر المقاييس”، لافتا إلى أن “كتلة الجمهورية القوية لم تحسم أمرها من مشروع القانون المذكور، إلّا أنه بالتأكيد ليس السبب وراء التغيّب عن الجلسة”.
أما في ما خص خطر فيروس كورونا الذي يهدد المساجين، فقد فضّل نصّار “قيام وزارتي الصحة والعدل، والقضاء معهما، بواجباتهم، والإسراع في محاكمة السجناء، كما وتأمين لهم المستلزمات اللازمة في مواجهة الوباء، بدل تشريع القوانين”.
في المقابل، أعلن “تكتّل لبنان” القوي مشاركته في الجلسة، إلّا أنه أشار إلى أن الإصرار على قانون العفو العام ”سيضطرهم إلى التغيّب عن الجلسة”.
عضو التكتّل النائب ماريو عون أكد في إتصال مع “الأنباء” مقاطعة الجلسة “في حال تم الإصرار على طرح مشروع القانون، ولهذا السبب، رفع التكتّل كتابا لرئيس مجلس النواب نبيه بري طلب فيه تأخير طرح المشروع، من أجل تمرير قوانين أخرى”، مذكّرا بأن “قانون العفو العام هو ثاني بند في برنامج الجلسة”.
إلّا أن عون أكد أن “الموضوع ليس تحدّيا، بل تمنٍّ، في ظل غياب التوافق الوطني حول القانون، كما ان الموضوع ليس جمع أصوات أو غيرها، بل هناك قناعات نقف عندها”، مشيرا إلى أن “أكثر من 2000 شخص مسجونين إثر عمليات إرهاب وتجارة مخدرات على مستوى عالٍ، ولم يقضوا محكومياتهم بعد”.
أما في ما خص الدولار الطالبي، فتمنّى عون “مروره الى جانب قوانين أخرى متعلقة بمكافحة الفساد والإثراء غير المشروع، وذلك بحال تم تأجيل مشروع قانون العفو، افساحا في المجال من أجل الوصول إلى هذه القوانين”.
من جانبه، فقد أكّد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد نصرالله “السير بمشروع قانون العفو العام، والكتلة من جانبها ستصوّت معه”.
وفي إتصال مع “الأنباء”، وردا على إعلان تكتّل لبنان القوي انسحابه في حال الإصرار على طرح القانون المذكور، تمنّى نصرالله أن لا يصل الموضوع إلى هذه مرحلة. كما أشار إلى “أرجحية مرور قانون الدولار الطالبي نسبةً للإجماع حوله، وغياب المعارضة”.