بحرفية عالية تتقن فنّ سرد الوقائع وتحويرها باتجاه واحد، خرج الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على الرئيس إيمانويل ماكرون أمس بموعظة حسنة حدّد له خلالها الأخلاقيات والأدبيات الواجب التزامها في مخاطبة “حزب الله” والثنائي الشيعي، موجهاً إليه صلية من تعابير الانتقاد والتأنيب على اتهامه الحزب بالعرقلة والفساد والخيانة، رافضاً تنصيب الرئيس الفرنسي نفسه “وصياً أو والياً أو حاكماً” على لبنان… ليخلص إلى تفصيل مبادرة فرنسية هجينة على قياس الأحزاب والكتل النيابية تقوم على إعادة استنساخ وتكريس “الأعراف المتبعة منذ العام 2005″ في تشكيل الحكومات، وصولاً إلى الربط الصريح بين ولادة أي حكومة جديدة وبين شرط أن يكون لـ”حزب الله” حصة فيها على قاعدة: “لازم نكون بالحكومة حتى ما تتكرر حكومة 5 أيار”.
عملياً، “استخدم نصرالله إطار المبادرة الفرنسية كسلاح لنحرها ونسف جوهرها من أساسه”، حسبما رأت مصادر سياسية، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنه على طريقة “دس السمّ في الدسم” طرح جملة مغالطات زعزعت الركائز التي انطلقت منها هذه المبادرة الإنقاذية في معرض إيحائه بأنه الطرف الوحيد الذي التزم بها، في حين أنّ المسوغات التي ساقها شوّهت في الحقيقة مضمون المبادرة وبنودها “فلا يستطيع على سبيل المثال أن يقول إنّ المبادرة نصت على تشكيل حكومة من وزراء مستقلين ثم يتحجج بأنها لم تنصّ على الطرف الذي يسمي هؤلاء الوزراء، فإذا كانوا فعلاً مستقلين من البديهي تالياً ألا تسميهم الكتل وألا يكونوا مرشحين من الأحزاب بخلاف ما طرحه نصرالله وحاول تسويقه أمام الرأي العام لتبرير عرقلة ولادة الحكومة، ثم لا يجوز له اتهام الرئيس المكلف مصطفى أديب بأنه لم يتشاور مع الكتل النيابية ولم يأخذ برأيها خلال عملية تشكيل فريقه الوزاري، لأنّ في ذلك أيضاً تحويراً للوقائع وإلا فما هي قيمة الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها أديب في مقر عين التينة مع الكتل النيابية حين خرجت تلك الكتل بأكثريتها الساحقة لتؤكد على الملأ أنها لا تضع شرطاً ولا قيداً على أديب ولا يوجد أي مطلب لها في تشكيل الحكومة”.
بالمحصلة، كاد الأمين العام لـ”حزب الله” أن يتهم الرئيس الفرنسي نفسه بإفشال المبادرة الفرنسية منقلباً على مفاهيمها الإصلاحية والتخصصية ليعيد محاولة فرض تشكيل حكومة تحاصصية بين الكتل والأحزاب تحت عناوين وشعارات تحاكي ضرورة احترام الديمقراطية والأكثرية النيابية. على أنّ الأخطر برأي المصادر كان ما قاله نصرالله عن ضرورة تواجد ممثلين لـ”حزب الله” داخل أي حكومة مقبلة “لمنع صندوق النقد من فرض شروطه” في سبيل تقديم المساعدة للبنان، وهذا مؤشر بحد ذاته ينبئ بأن البلد يتجه إلى “أسوأ الأسوأ” اقتصادياً ومالياً واجتماعياً طالما أنّ “حزب الله” يدرج على أجندته الحكومية في المرحلة المقبلة سياسة “التصدي لصندوق النقد الذي قامت المبادرة الفرنسية أساساً على فكرة تشكيل حكومة مستقلة تستطيع حيازة ثقة المجتمع الدولي وصندوق النقد لتقديم المساعدات المالية اللازمة لاستنهاض الوضع اللبناني”. وختمت المصادر بالقول: “من نكد الدهر أن يصبح الفريق الذي اشتهر باستيلائه على مشاعات الدولة وممتلكاتها في أكثر من منطقة لبنانية هو من يطرح نفسه اليوم حارساً أميناً على أملاكها ويرهن وجوده بالحكومة بحجة الخوف من بيع الأملاك العامة”!
وعلى الضفة المقابلة، شنّ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أمس غارة مباغتة على منطقة “الجناح” من على منبر الأمم المتحدة، محذراً من انفجار وشيك لعنبر جديد يخزّن فيه “حزب الله” الأسلحة والصواريخ والمتفجرات على مقربة من منشآت غاز وسط أحياء سكنية، وسرعان ما أتبعه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بتغريدات يستعرض فيها بالصور والفيديو “ثلاثة مواقع في بيروت والشويفات لانتاج مواد تستخدم في مشروع الصواريخ الدقيقة الذي يديره حزب الله في مناطق مكتظة أحدها موقع تحت الأرض فوق خمسة مبان سكنية تقطنها نحو 50 عائلة”.
وإذ استهل نصرالله خطابه مساءً بالرد على نتنياهو معتبراً أنه يحاول تأليب اللبنانيين على “حزب الله” الذي “يعرف جيداً أين يخبئ صواريخه”، سارع الحزب إلى استنفار “إعلامه الحربي” ميدانياً في مواجهة الادعاءات الإسرائيلية فنظّم جولة للإعلاميين في المستودع الكائن في “الجناح” على مقربة من منطقة الأوزاعي، قادها مسؤول العلاقات الإعلامية في “حزب الله” محمد عفيف، وشاركت فيها “نداء الوطن” بحيث كانت كلمة لعفيف أكد فيها أنّ “هدف الجولة تكذيب نتنياهو”، نافياً وجود أي صواريخ في المكان، بينما تحدث مالك المنشأة بدوره مشدداً على كونها “صناعية ومفتوحة أمام الجميع يومياً”.