المشهد السياسي فيما يخصّ تشكيل الحكومة ما زال على حاله منذ إعتذار الرئيس مصطفى أديب، فالمحركات السياسية تمّ إطفاؤها بإنتظار مبادرة تأتي من الداخل أو الخارج. المبادرة الفرنسية “معرقلة” مع السقف العالي الذي وضعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي إستخدم عبارات قاسية غير مُعتادة في اللغة الديبلوماسية. هذا السقف واجهه رفض من كل القوى السياسية، لكن الرفض الأهم أتى من سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي رفض طريقة التعامل التي تعاطى بها الرئيس الفرنسي مع المسؤولين اللبنانيين. وإذا كان السيد نصر الله إعتبر أن المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، إلا أن الواقع على الأرض يقول عكس ذلك مع تراجع واضح للترحيب بالمبادرة.
إذًا أصبح تراجع المبادرة الفرنسية واقع وبالتالي أُقفلت الطرق أمام تشكيل حكومة نظرًا إلى التباعد الكبير في وجهات النظر بين الأفرقاء، فإنتقاد السيد نصر الله لأداء نادي رؤساء الحكومة السابقين فيما خصّ منهجية تشكيل الحكومة وردّ نادي الرؤساء السابقين ببيان إتهمت فيه السيد نصر الله بإفتعال “مشكل طائفي” بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف.
لكن العقدة الأكبر تبقى على صعيد الثقة المفقودة بين الأفرقاء السياسيين، فالسيد نصر الله قالها بوضوح: الحزب يريد أن يكون في الحكومة خوفًا من 5 أيار جديد! في المقابل، تظهر النية الواضحة لدى الفريق الأخر بإبعاد الحزب عن الحكومة بشكل كامل. هذا التباعد في وجهات النظر يجعل من تشكيل حكومة، مُهمّة مُعقدّة جدًا.
تراجع المبادرة الفرنسية والفراغ الأميركي الناتج عن الإنتخابات الرئاسية الأميركية، ترك الباب مفتوحاً أمام تحرك روسي كثر الحديث عنه في أروقة الديبلوماسـية وحتى داخل الكرملن. فالمعلومات تُشير إلى أن الكرملن في صدد تحضير تحرك بإتجــاه القوى الســـياسية اللــبنانية وذلك بمباركة أميركية وأوروبية. وإحتمالات نجـاح أي تحرك روسي نابع من العلاقات الجـيدة التي تربط روسيا بكافة القوى السياسية اللبنانية من دون إستثناء.
بالتزامن كان لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي طرح نصّ على تشكيل حكومة تكنوسياسية مؤلفة من 20 وزيرًا 14 منهم إختصاصيين و6 وزراء دولة حزبيين. هذا الطرح إعتبره البعض نوعاً من طرح الرئيس ميقاتي لنفسه كمرشح لتشكيل حكومة جديدة. وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام عن أن مستشار الرئيس ميقاتي قام بالإتصال بالمسؤولين بالسفارة الفرنسية من دون أن يكون هناك من تقدم فعلي.
من جهتها ترى القـوات اللبنانية أن لا حلّ للأزمة الحــالية إلا بإنتخابات نيابية مبـكرة وهو ما ترفضــه قوى الثامن من أذار التي تــعتبر أن هذا الطرح هدفه تغيــير المشهد السياسي اللبناني.
التأليف قبل التكليف
الرئيس ميشال عون على موقفه بالتأليف قبل التكليف، والتوافق على اسم الرئيس المكلف قبل تحديد موعد الاستشارات النيابية، فيما العلاقة بين الرئيسين عون وبري ليست على ما يرام بسبب تمسك عون بالمداورة في الوزارات السيادية، اما خطوط الرئيس بري متوقفة كليا، والحريري قال لكوادر المستقبل، لن اكون رئيسا للحكومة في هذا العهد وابلغ المسؤولين الفرنسيين انه يفضل ان لايكون رئيسا للحكومة في هذا العهد ولايريد التعامل مع الرئيس عون والتيار الوطني الحر بشخص الوزير جبران باسيل، فيما النائب السابق وليد جنبلاط اعلن ان جهوده لم تحقق اي تقدم وبقي وحيدا يقاتل لحلحة الملف الحكومي، اما حزب الله وبعد ان فند السيد حسن نصرالله كل الاتصالات والحراك الفرنسي ووجه انتقادات عنيفة لماكرون لكنه اعلن تاييده للمبادرة الفرنسية وحتى اللحظة لم يحصل اي تواصل فرنسي مع الثنائي الشيعي بعد اعتذار اديب. واشارت معلومات مؤكدة ان لا حكومة قبل الانتخابات الاميركية وسيتم تفعيل حكومة تصريف الاعمال برئاسة دياب ومعاودة اجتماعاتها واصدار قرارات مع دراسة دستورية تسمح لها بمعاودة نشاطها.
وفي مقلب آخر، فان الاتصالات التي جرت بين مسؤولين من تيار المستقبل والقوات اللبنانية لفتح صفحة جديدة وكسر الجمود باءت بالفشل وان الاتصالات لم تحقق نجاحا او تعبيد الطريق لعقد اجتماع بين الحريري وجعجع، وانتقد تيار المستقبل مواقف جعجع الاخيرة معتبرا انها حملت انتقادات للحريري والتشكيك بمواقفه وخطوطه المفتوحة مع حزب الله ، كما ان العلاقة بين الحريري وسامي الجميل مقطوعة ايضا، فيما علاقة جنبلاط مع الحريري عادية ويفضل جنبلاط التواصل الدائم مع بري والتنسيق معه في كل الملفات ووجه انتقادات ناعمة للحريري وادارته الطائفية للملف الحكومي .
وفي ظل الافق المسدود داخليا فان القوى السياسية بانتظار معاودة التحرك الفرنسي الجديد واطلاق محركاتها وما هي خطواتها واي طريق سيسلكه المسؤولون الفرنسيون ليبنى على الشيء مقتضاه وعلى ضوء التحرك الفرنسي ستبنى المواقف وتحديد مسار تشكيل الحكومة واسم الرئيس المكلف.
الجلستان النيابيتان وقانون العفو
وبعد تأمين نصاب 65 نائباً إنعقدت جلسة مجلس النواب في قصر “الاونيسكو” والتي كان يفترض وفق دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري ان تكون على يومين امس واليوم ولكن التناقضات النيابية والسياسية حول اقرار قانون العفو العام نجحت في تطيير الجلسة المسائية وبالتالي الجلسات التي كانت مقررة اليوم الى 20 تشرين الاول، وذلك بعد انتظاره النواب داخل القاعة لمدة 20 دقيقة ولكن النصاب لم يكتمل”، وأكد بري انه “آسف للمنحى الذي نسير به جميعاً ونخشى ان نصل الى مكان نقول فيه للسجناء نحن لا نستطيع ان نطببكم”.
وأوضح بري انه “يوجد 237 حالة كورونا في سجن زحلة وفي سجن روميه اصبحوا كثر وهو يتسع لـ 1200 شخص وينامون في الاروقة، واقتراح قانون العفو العام ليس قرآن او انجيل مقدس، واخشى ما اخشاه بعد الكورونا خصوصاً ان هناك 900 سرير للحالات الطارئة”، لافتاً الى انه “تم تأليف لجنة وقاموا بعملهم وهناك خلاف حول المادة التاسعة”، مبيناً انه “سيتم في الجلسة المقبلة انتخاب اعضاء المجلس الاعلى الذين قدموا الاستقالة والمفاوضين وامناء سر وقسم اليمين، ومن ثم افتح جلسة للتشريعات ومن ضمنها قانون العفو واي اقتراح تستطيع لجنة العفو برئاسة نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي ان تصل الى نتيجة نقوم به ولو قبل هذا التاريخ”.
ويعود سبب رفع الجلسة الى عدم تمكن اللجنة التي كُلّفت درس قانون العفو العام من التوصل إلى نتيجة.
واتفقت اللجنة على تأجيل البحث بالقانون إلى الجلسة المقبلة التي قد تتزامن مع جلسة إنتخاب اللجان في أول ثلاثاء يلي 15 تشرين الأول.
وكان الرئيس بري وفي ما يمكن اعتباره مخرجا لتجنب الوقوع في فخ إرجاء الجلسة الصباحية مع ما يعنيه ذلك من ارتدادات سياسية سلبية، اجرى اتصالات حثيثة مع نواب تكتل لبنان القوي افضت الى قبول بري بسحب البند من جدول الأعمال، فكان أن حضر النواب العونيون إلى القاعة، مع الاحتفاظ بحق الانسحاب في حال إعادة طرح المشروع.
وارتأى بري تشكيل لجنة تجتمع عصرا لدرس الاقتراح والتعديلات المقترحة عليه. وتتألف اللجنة من نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، إضافة إلى النواب علي حسن خليل (أمل)، هادي حبيش (المستقبل)، آلان عون (تكتل لبنان القوي)، جميل السيد، ابراهيم الموسوي (كتلة الوفاء للمقاومة) وبلال عبدالله (اللقاء الديموقراطي).
قانون الاثراء “مفخخ”
وفي “صيغة مفخخة”، اقر مجلس النواب مناقشة قانون الاثراء غير المشروع مع نزع عبارة رفع الحصانة عن رئيس مجلس الوزراء والوزراء واستبدالها بعبارة: “يخضع جرم الإثراء غير المشروع لاختصاص القضاء العدلي” كما طرحت كتلة “المستقبل” وهو ما يعني وفق مصادر قضائية وحقوقية لـ”الديار” انه لزوم ما لا يلزم مع إبقاء الحصانة لرئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة والنواب والوزراء اي ان ملاحقة بتهمة الاثراء غير المشروع لن تكون ممكنة قبل رفع الحصانة اي العودة الى تأمين الاكثرية النيابية لأي قرار مماثل يعني المزيد من التسويف والحصانات الطائفية والمذهبية التي سترتفع لحماية الشخص المعني.
وقد أثار القانون المقر لغطا في تفسيره، جعل تكتل لبنان القوي يهلل له على اعتباره انجازا.
واوضح عضو كتلة المستقبل النائب هادي حبيش ان قانون الاثراء غير المشروع لا يشمل النواب والوزراء والرؤساء الامر الذي يتطلب تعديلاً دستورياً.
وافيد ان الرئيس بري سيتكفل بالعمل لازالة اللبس والغموض الذي يعتري القانون.
واقر مجلس النواب اقتراح القانون الرامي الى تعديل احكام المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية لجهة تكريس حق الموقوف بالاستعانة بمحام اثناء التحقيقات الاولية، حيث اعتبر بري انه من اهم البنود الموجودة في الجدول. ورد مجلس النواب اقتراح القانون الرامي الى اعتماد التدريب الرقمي عن بعد في التعليم الجامعي الى لجنة التربية. كما تم اقرار قانون الدولار الطالبي بمادة وحيدة: 10 الاف دولار في السنة على سعر 1515
تعويض حكومي عن العفو
في المقابل، تؤكد اوساط وزارية لـ”الديار” ان هناك تدابيراً ستتخذها الحكومة ولجنة متابعة “كورونا” عبر تكثيف العناية الطبية لمرضى “كورونا” في السجون، وتخصيص اماكن خاصة لهم لعلاجهم وحجرهم ومنع تمدد الاصابات في صفوف المساجين، وخصوصاً في ظل رفض مناطقي لاستقبال مساجين “كورونا” في البقاع الغربي ولا سيما مستشفى مشغرة وكذلك في مستشفى الياس الهراوي في زحلة.
وفي حين يتردد عن تحضير المساجين في رومية لتمرد و”ثورة عنيفة” وتهديد البعض بشنق انفسهم في حال عدم اقرار القانون، وان يواكب اهالي المساجين اولادهم عبر ضغط كثيف في الشارع، تشير الاوساط الى وجود اجواء مماثلة، سيجهد “الثنائي” المطالب بإقرار العفو العام عن عدد لا بأس من المطلوبين بالبقاع، الى تهدئة الاوضاع مع الاهالي والعشائر، ومنع تفاقم الامور رغم عجزه عن تمرير القانون بصيغته الحالية والمعقولة لغياب الاجماع عليه وهو مطلوب ليمر في مجلس النواب في الجلسة المقبلة.
أزمة المحروقات
من جهة أخرى، انعكست صعوبة الحصول على مادة المازوت في أسعار تعرفة المولدات الكهربائية عن شهر أيلول المنصرم على الشكل التالي: 582 ل.ل للكيلواط ساعة. وهو سعر مُرشّح بقوة للإرتفاع في المرحلة المقبلة مع إحتمال تقنين أصحاب المولدات نظرًا إلى أن البنية التحتية الضعيفة للعديد من المولدات.
هذا التردّي في سوق المحروقات يترافق مع تصاريح بوصول جرّة الغاز إلى 60ألف ليرة في حال تمّ رفع الدعم عن المواد الأساسية نتيجة إستنزاف إحتياطات مصرف لبنان من العملات الصعبة.
من جهتها أكدّت المفوضية الأوروبية في بيان لها أنها مسُتعدّة لدعم الأسر الضعيفة في لبنان وتلبية الإحتياجات الفورية والطويلة الأمد للفئات الأكثر ضعفًا مُشدّدًا على إستعداد الإتحاد الأوروبي لدعم لبنان على التعافي الإقتصادي لكن بشرط أن تلتزم الحكومة اللبنانية بالإصلاحات وتُنفّذها.
قائد الجيش
من جهته، تفقد قائد الجيش العماد جوزف عون قيادة الكتيبة 23 في عرمان المنية التي شهدت إستشهاد عسكريين في اليومين الماضيين، وإستمع إلى تفاصيل العملية والظروف التي أدّت إلى إستشهاد العسكريين. ثم إلتقى العماد عون أهالي العسكريين الشهداء وقدّم لهم تعازي قيادة الجيش. وكان للعماد عون كلمة أكدّ فيها على إستمرار الجيش مكافحة الإرهاب الذي لا يعترف بطائفة ولا دين مُثنيًا على تضحيات أهل عكار خزان الجيش اللبناني.
وفي الختام ناشد العماد عون أهالي الشهداء برفع الصوت ضدّ قانون العفو عن قتلة أبنائهم والمطالبة بالعدالة لأرواح الشهداء والإقتصاص من الإرهابيين.