أخفق “أرنب العفو” الذي أخرجه الرئيس نبيه بري من تحت “كمامة” كورونا في بلوغ خشبة “الأونيسكو” بعدما قطع الطريق أمامه تكتل نيابي إسلامي – مسيحي رافض لتفصيل القانون على مقياس المصالح والحسابات الحزبية والمناطقية والانتخابية، فتم ترحيله إلى الدورة العادية المقبلة “لمزيد من التشاور”. أما قانون الإثراء غير المشروع فعبر “على مضض” معمودية التشريع متخطياً الاعتراضات التي طالت نصه ودستوريته، ليصبح سيفاً مصلتاً فوق رؤوس جميع من هُم في سدة المسؤولية العامة، من رأس الجمهورية إلى أدنى موظف فيها، على قاعدة “كلن يعني كلن” باتوا محكومين بالخضوع للمحاكمة أمام القضاء العادي بجرم “من أين لك هذا؟”، بينما ستبقى العبرة كما دوماً بالتنفيذ، بانتظار تبيان ما إذا كانت مفاعيل القانون ستلاحق كبار القوم ممن أثروا “لولد الولد” على حساب الناس والخزينة، أم أنها ستقتصر على “كبش محرقة” من هنا وآخر من هناك.
القانون الذي أقر خالياً من الاستثناءات ليشمل كل السلطات الدستورية، أرفق بمحضر ملحق ينصّ على مادة تفسّر المصطلحات الواردة فيه من أجل تعريف “الموظف العمومي” الخاضع لأحكامه، فأصبح يطال “أي شخص يؤدي وظيفة عامة أو خدمة عامة (…) بما في ذلك أي منصب من مناصب السلطات الدستورية أو أي منصب تشريعي أو قضائي أو تنفيذي أو إداري أو عسكري أو مالي أو أمني أو استشاري”. غير أنّ هذا التعريف لاقى اعتراضات نيابية تقوم على اعتبار أنه يجسد مخالفة للنصوص الدستورية المتعلقة بحصانة النواب والوزراء والرؤساء أثناء تأديتهم واجبهم الوظيفي، الأمر الذي قد يجعله عرضة للمراجعة والطعن تحت عنوان عدم جواز إلغاء مادة دستورية بقانون عادي إنما بتعديل دستوري. لكن في المقابل، رأى النائب ابراهيم كنعان أنّ هذا القانون يمثل “تقدماً نوعياً في مكافحة الفساد”، لافتاً إلى أنّ إعادة استثناء النواب والوزراء من خلال ربط محاسبتهم بجرم الإثراء غير المشروع بحصانة “الإخلال بالواجب الوظيفي” يعني أنّه لن تكون هناك محاسبة وأنّ القانون سيصبح لزوم ما لا يلزم”.
حكومياً، شرّح رؤساء الحكومات السابقون أمس “الرواية” التي سردها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله و”تجنب فيها الحقيقة” حيال مساعي مصطفى أديب في محاولة تشكيل حكومة إنقاذية والأسباب التي أدت إلى فشلها. وإذ فنّدوا في بيان مشترك المغالطات التي ساقها نصرالله، ونفوا أي دور أو وصاية للرؤساء الأربعة على الرئيس المكلف، حمّل البيان الثنائي الشيعي مسؤولية عدم تمكين أديب من التشاور مع رئيس الجمهورية أو مع أي من الكتل السياسية في الأسماء والحقائب تحت وطأة عقدة حقيبة المالية التي افتعلها الثنائي، وخلص رؤساء الحكومات إلى تأكيد التمسك بالمبادرة الفرنسية والتنبيه إلى كون مطالعة الأمين العام لـ”حزب الله” تنسف هذه المبادرة بمحتواها الاقتصادي والمالي من خلال المقاربات الخاصة بصندوق النقد الدولي، مع التحذير في الوقت نفسه مما اختزنه تذكير نصرالله بأحداث أيار 2008 من “تهديد باستخدام الفوضى والعنف والفلتان الأمني”.
وفي ضوء الاشتباك الحاصل على جبهة التكليف والتأليف، رجحت مصادر رفيعة لـ”نداء الوطن” أن يستمر الجمود الداخلي طاغياً على الملف الحكومي بانتظار “كلمة سر” فرنسية جديدة، مؤكدةً أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون ليس في وارد الدعوة إلى استشارات نيابية “مسدودة الأفق”، ولذلك سيبقى متريثاً حتى يتأمن “حد أدنى من التوافق” حول الصيغة الحكومية المرتقبة، خصوصاً وأنّ خطاب نصرالله الأخير “عمّق الأزمة وصعّب مهمة أي شخصية سنية سيتم تكليفها في ظل الشروط المسبقة التي وضعها أمام عملية تشكيل الحكومة وأعاد من خلالها الأمور إلى مربع المحاصصات السياسية في التركيبة الوزارية”.
توازياً، علمت “نداء الوطن” أنّ رئيس الجمهورية بصدد تنشيط اتصالاته خلال الساعات المقبلة وهو سيتباحث غداً مع رئيس مجلس النواب في كيفية كسر الحلقة المقفلة وإيجاد المخارج اللازمة للأزمة الحكومية، على أنّ ذلك لن يعني أن عون سيحدد “موعداً قريباً” للاستشارات النيابية الملزمة وفق ما أكدت مصادر القصر الجمهوري، مشددةً على أنّ “مقاربة الوضع المأزوم تحتاج إلى الروية والتوافق على صيغة تتيح الخروج بنتيجة يوم الاستشارات”.
ومن ناحيتها، أكدت مصادر عين التينة لـ”نداء الوطن” أنّ بري بدأ بإجراء الاتصالات وجوجلة الأفكار المقبولة لحل الأزمة بحثاً عن السبل الآيلة إلى الخروج من الدوّامة الراهنة”، لكنها أكدت في المقابل أنه “لا يزال من المبكر جداً الحديث عن إشارات أو مؤشرات محددة حول المسار الذي ستسلكه الأمور في هذا الاتجاه أو ذاك”.