عادت المشاورات السياسية في لبنان على خط تشكيل حكومة انطلاقاً من «نسخة منقّحة» للمبادرة الفرنسية التي سبق أن أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون ولم تجد طريقها للنجاح، بحيث بات مرجحاً أن يعود البحث إلى صيغة حكومة «تكنوسياسية»، وفق ما لفتت مصادر قريبة من الرئاسة اللبنانية، في وقت جدّد فيه رئيس البرلمان نبيه بري تمسكه بالمبادرة، معتبراً أن الأهم يبقى الاتفاق على اسم رئيس للحكومة. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «من المتوقع أن يشكل لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري خلال سفرهما إلى الكويت لتقديم واجب العزاء بالأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بداية الأسبوع، مناسبة للحديث عن الملف الحكومي الذي لا يزال يتطلب مزيداً من المشاورات، لافتة إلى أن هذا اللقاء قد يؤدي إلى تفعيل عملية التشكيل، بحيث يصبح من المرجح أن يحدد موعد الاستشارات النيابية في النصف الثاني من الأسبوع المقبل».
وتشير المصادر إلى أنه «بعد تجربة أديب التي خضعت للتقييم من رئيس الجمهورية ومختلف الأفرقاء، والتي لم تجد طريقها إلى النجاح، يبدو أن التوجه بات لحكومة تكنوسياسية تجمع بين الاختصاصيين والسياسيين، وهي الصيغة التي طالما كان مقتنعاً بها ويدفع باتجاهها الرئيس عون». وتؤكد المصادر: «لا بد من أخذ العبر من تجربة أديب، وهو ما ترتكز عليه المباحثات بين الأفرقاء والرئيس عون الذي قيّم التجربة بواقعية وموضوعية وسيكون تصرفه الأسبوع المقبل انطلاقاً من هذا التقييم».
في المقابل، اعتبر رئيس البرلمان نبيه بري أن التحدي الأساسي هو الاتفاق على اسم لرئيس الحكومة، مجدداً التأكيد على تمسكه بالمبادرة الفرنسية بكل مندرجاتها. وقال إن باقي الأمور والخطوات من السهل التوافق عليها تحت سقف هذه المبادرة.
ومع تأكيده أن اتفاق الإطار في موضوع ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل خطوة ضرورية، قال رئيس البرلمان إنها ليست كافية، ويجب أن تواكب بتشكيل حكومة بأسرع وقت، حكومة قادرة على التمكن من إنقاذ البلد مما يتخبط به من أزمات وتنفيذ ما ورد في إعلان اتفاق الإطار، فاتفاق الإطار هو اتفاق لرسم الحدود لا أكثر ولا أقل.
بدوره، تحدث أمين سر تكتل لبنان القوي (التيار الوطني الحر) النائب ابراهيم كنعان، عن إعادة تحريك ملف الحكومة بعد فترة من الجمود، لافتاً إلى أن «حركة فرنسية وضعت الماكياج للمبادرة السابقة، ما خلق جواً جديداً يفترض أن يكون عملياً وواقعياً هذه المرة»، ورأى في حديث تلفزيوني أن «التجربة السابقة علّمت الكل، والأخطار المالية والاقتصادية والأمنية تدفع الجميع نحو مسار يطرح إمكانية الوصول إلى نتيجة».
وأكد كنعان أن «تكتل لبنان القوي يريد من الحكومة أمرين: أن تتشكّل في أقرب فرصة وأن تنفذ الإصلاحات»، وشدد على أن «التفاهم مطلوب لحماية التأليف بعد التكليف، والمضمون يجب أن يكون قبل الشكل، وما حصل في فترات سابقة من تبدية الشكل على المضمون كان خطأ».
وقال إن «رئيس الجمهورية يعتبر أن الإصلاحات أولوية مطلقة ويتعاطى بملف الحكومة انطلاقاً من هذه المقاربة، وهو لا يعطّل ولا يعرقل ويركز على المضمون وإمكانية التسهيل، باعتراف الرئيس المكلّف مصطفى أديب. ونحن نلتزم بموقف رئيس الجمهورية». ورداً على سؤال عن إمكان القبول برئيس الحكومة السابق سعد الحريري، قال كنعان: «كل شيء رهن الاتفاق. علماً بأن الحريري يقول إنه لا يريد ترؤس حكومة في هذه الفترة. وهناك أفكار طرحها أيضاً الرئيس نجيب ميقاتي. وكل الأمور يجب أن تكون مدار بحث ونقاش. ولا يمكن لأحد أن يحدد منذ الآن من سيكون رئيس الحكومة المقبلة، بينما ما يجب أن نتفاهم عليه هو الدور المطلوب من الحكومة، وهو الإصلاح».
وفي الإطار نفسه، نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر دبلوماسية غربية قولها إن الاتصالات الفرنسية لم تتوقف في أعقاب اعتذار أديب يوم السبت والمؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأحد الماضي. ولفتت إلى أنه إضافة إلى «الاتصالات التي واظب عليها الفريق الدبلوماسي والاستخباري المعاون لماكرون في الملف اللبناني مع عدد من الشخصيات اللبنانية بغية استمزاج الرأي في إمكان إحياء المشاورات الضرورية من أجل تكليف بديل من السفير أديب ضمن المهلة المعقولة من أجل استئناف مساعي التأليف في وقت قريب، كانت تحركات فرنسية غير معلن عنها، وبقي الاجتماع الأبرز ذاك الذي عقده السفير الفرنسي المنتهية ولايته برونو فوشيه مع مسؤول الشؤون الخارجية في حزب الله النائب السابق عمار الموسوي قبل مغادرته بيروت صباح الجمعة عائداً إلى بلاده إيذاناً بانتهاء مهامه الدبلوماسية في بيروت بعد ثلاث سنوات على وجوده فيها».
وكشفت المصادر الدبلوماسية أن اللقاء الذي علمت به الخارجية الفرنسية مسبقاً لم تشأ أن تعطيه أي طابع رسمي خارج نطاق الاطلاع على رأي الحزب في شأن التطورات الأخيرة بعد اعتذار أديب ومضمون المؤتمر الصحافي للرئيس ماكرون والوقوف على مدى استعداد الحزب للتجاوب، في حال استؤنفت المبادرة بصيغة جديدة تمنع تكرار الأخطاء التي ارتكبت في المرحلة الأولى واستكشاف ما يمكن القيام به في المستقبل.