تنطلق مصادر سياسيّة متابعة لتفاصيل التفاوض في الملف الحكومي من أن فشل تجربة تأليف الحكومة مع السفير مصطفى أديب، أنتجت عقداً لا يمكن من دون تخطيها استئناف المسار نحو ولادة حكومة جديدة، وربما يصعب بوجودها التوصل لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة. فالفشل تمّ عند تعارض جوهري بين فريقين لا يكتمل المشهد الحكومي من دون تلاقيهما في منطقة وسط، هما الغالبية النيابية في الطائفة السنية التي ينتمي إليها رئيس الحكومة والتي تتوقف على موافقتها تسمية الرئيس المكلف، ضماناً لاستقرار لن يتحقق بتجاهل هذه الغالبية، ومن بيدهم فرصة الاستناد إلى كونهم غالبية نيابية لم يفعلوا ما سُمّي بتجاهل هذه الغالبية في طائفة رئيس الحكومة مع تسمية الرئيس حسان دياب الا لمنع الفراغ، ويجمعون اليوم على عدم تكرار التجربة خصوصاً بما تعنيه من إعلان سقوط المبادرة الفرنسية، ومواجهة تحديات مالية واقتصادية كبرى.
وفقاً للمصادر أيضاً، تسمية رئيس مكلف جديد ترضى به الغالبية النيابية ويحظى بتأييد الغالبية النيابية في طائفته، يعني عملياً تفاهم يجمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري كموقعين دستوريين تمنحهما الغالبية النيابية ثقتها، والرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، وهذا التفاهم الذي يحتاج تجاوز تعقيدات الأزمة الناتجة عن تجربة فشل تأليف حكومة السفير مصطفى أديب، يحتاج إلى استعداد الرئيس الحريري لفتح باب المحادثات حول الملف الحكومي.
وتقول المصادر إن أقصر الطرق للحل هو أن يكون الحريري نفسه الرئيس المكلف، لكن وفقاً لتفاهم على ما يضمن التأليف، أي تفاهم على صيغة الحكومة وتوازناتها الطائفية والسياسية والنيابية. وهو ما يبدو بحاجة لأكثر من مزيد من الوقت، بينما بالتوازي يتقدّم الرئيس السابق نجيب ميقاتي كمرشح ينتظر هو الآخر موافقة الحريري وتسميته لتشكيل الحكومة، بينما يبدو الرئيس السابق تمام سلام الذي طرحه الفرنسيون خياراً بديلاً في بعض اللقاءات غير الرسمية، متمسكاً بامتناعه عن طرح اسمه في التداول كمرشح لتولي المهمة، بينما اسم الرئيس فؤاد السنيورة لا يزال مستبعداً في ظل التباعد بينه وبين قوى الغالبية النيابية، ووفقاً لهذا المشهد لا تستبعد المصادر عودة التداول باسم السفير مصطفى اديب بعد تفاهم الحد الأدنى لضمان تشكيل حكومة محدودة المدة الزمنية لضمان نضوج عودة الحريري لرئاسة الحكومة.
العقدة الحريرية تشكل سبباً بالنسبة لثنائي حركة أمل وحزب الله لعدم المبادرة وتفضيل الانتظار، كما تقول المصادر، خصوصاً في ظل البرود الفرنسي، فهل يشكل التوصل إلى اتفاق إطار التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، بين الرئيس بري والجانب الأميركي مدخلاً لمساهمة أميركية في تذليل عقدة الرئيس الحريري سعودياً، وتوسيع هامش المبادرة الفرنسية التي لم يعد خافياً ان الأميركي هو مَن أطاحها برسالته القاسية التي مثلتها العقوبات، وفقاً لتوصيف الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون لدور العقوبات في تعقيد الأمور، خصوصاً أنه كما يبدو فإن العقدة الحريرية ستحول دون تسمية رئيس مكلف سواء كان الحريري أو اسم آخر ينتظر موافقته؟
مشاورات عون – بري
وشكّل الملف الحكومي محور النقاش بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري على متن الطائرة التي أقلتهما إلى الكويت للقيام بواجب العزاء بوفاة أمير الكويت.
وبحسب مصادر بعبدا فإن التشاور بين الرئيسين عون وبري بموضوع تأليف حكومة كان عادياً بحكم الظروف والاقتران المكاني واتفقا على ضرورة حصول تشاور بين مختلف الكتل النيابية للإسراع بتحديد استشارات التكليف. وتلفت المصادر إلى أنه لم يجرِ استعراض لأسماء ولا لصيغ بل جدّد الرئيسان تمسكهما بالمبادرة الفرنسية كمنطلق للاتفاق على الحكومة الجديدة. كما اتفق الرئيسان بحسب المصادر على تكثيف المشاورات المباشرة بينهما ومع الأطراف السياسية الأخرى للتوصل إلى حلٍ حكومي.
كما أشارت المصادر إلى أن الرئيس عون ينوي تحريك الملف الحكومي خلال الأيام المقبلة، واتفق مع الرئيس بري خلال الرحلة الرئاسية الى الكويت على هذا الأمر، وسيدعو عون إلى الاستشارات النيابية الملزمة هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل لتحديد اسم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة.
إلا أن مصادر إعلامية نقلت عن المكتب الإعلامي للرئيس بري بأن الكلام المنقول عن الخلوة بين الرئيسين عون وبري غير دقيق واصفة المعلومات التي نقلت عن اللقاء بأنها أطول من الرحلة نفسها.
إلا أن حقيقة الأمر، بحسب ما علمت “البناء” من مصادر مطلعة هي أن “اللقاء بين الرئيسين عون وبري لم يكن جلسة حوار طويلة كما قيل، بل تمت ملامسة الموضوع الحكومي من باب ضرورة تأليف حكومة خاصة بهذه الظروف الصعبة، حيث إن لبنان مقبل على تحدّ جديد بملف ترسيم الحدود البرية والبحرية يضاف إلى سلسلة تحديات متعددة. وهذا يستوجب وجود حكومة لمواكبة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية بالدرجة الأولى ولمتابعة ملف الترسيم كقضية وطنية على الجميع التوحّد حولها من منطلق مصلحة لبنان وبما يحفظ حقوقه وعدم التنازل عن سيادته”.
وفيما علمت “البناء” أن محاولات جس نبض تجري لاختيار مرشح لتأليف حكومة جديدة، أفادت قناة ”المنار” أن ثنائي أمل وحزب الله والحلفاء باشروا البحث عن اسم رئيس مكلف لتشكيل الحكومة. وأشارت القناة إلى أن الاتصالات تجري بصمت. ولفتت القناة إلى أن المهمة صعبة بعد امتناع الرئيس سعد الحريري عن التسمية، لذلك من الصعب الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة هذا الأسبوع
.
”الثنائي”: التأليف قبل التكليف
ولفتت مصادر ثنائي أمل وحزب الله لـ”البناء” إلى أن المراوحة سيدة الموقف والمبادرة الفرنسية مجمّدة والأطراف الداخلية لم تقدم أي مبادرة لأنها محكومة بالفشل في ظل الشروط التي يفرضها نادي رؤساء الحكومات السابقين على التأليف.
وتشير المصادر إلى أنه بعد تجربة مصطفى أديب فإن الاتجاه الغالب هو الاتفاق على تفاصيل الحكومة من شكلها وحجمها ونوعية الوزراء قبل التسمية لكي لا ندخل في متاهات التفاصيل وتفسيرات المبادرة الفرنسية كما حصل سابقاً وذلك لضمان وتسهيل تأليف الحكومة.
وتشير إلى أن الأطراف السياسية سلمت بصعوبة الحل لذلك تنتظر ما سيعرضه الفرنسيون الذين يترقبون بدورهم نتيجة الانتخابات الأميركية، فإذا أدّت إلى فوز الرئيس الحالي دونالد ترامب. فالأمور قد تتجه إلى مزيد من التشدّد، أما في حال فوز المرشح جو بايدن فقد يقدم الجانب الفرنسي صيغة جديدة للحل تختلف عن المبادرة السابقة.
وأشارت المصادر إلى أن اللقاء الأخير بين السفير الفرنسي ومسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله عمار الموسوي هدف إلى “ترتيب الأجواء والإبقاء على قنوات التواصل للاستمرار في الحوار في الموضوع الحكومي وملفات أخرى”.
خليل: العقوبات لا تفرمل بري
وأكّد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي حسن خليل في حديث لقناة المنار أنّه “لم يتغيّر أي شيء بعد العقوبات الأميركية الأخيرة، قناعاتنا ثابتة نمارس هذه القناعات بكل مسؤوليّة، من موقعي الحركي والسياسي. هذه المحطة تزيدني إصراراً وكل حيثيات هذا القرار تدلّ على نوع من السطحيّة في مقاربة الملفات الداخلية اللبنانية، لتغيير المواقع والمواقف. وهي محاولات للتأثير في قضايا مرتبطة في الداخل وفي الإقليم”. ولفت إلى أنّ “موقفي هو الموقف الذي عبرت عنه هيئة الرئاسة في حركة أمل، بأن العقوبات لا تمسّ الشخص بل التنظيم، والعقوبات أتت كجزء من عملية ضغط لتغيير الأدوار والمواقع وجزء من محاولات التأثير على المسار في جملة قضايا داخلية وإقليمية”، مشدداً على أنّ “مَن يعرف رئيس مجلس النواب نبيه بري يعرف أنه لا يُفرمَل لا في عقوبات ولا في غيره”. وتابع حسن خليل “أنا بعد العقوبات كما قبلها ومن مارسها مخطئ في كيفية التعاطي مع حركتنا والدور التأسيسي المقاوم لها وتراكم هذا الدور على مر السنوات، ولم أسمع بخبر العقوبات إلا لحظة إعلانه عبر وسائل الاعلام”.
إطلالة لنصرالله غداً
ووسط هذه الأجواء يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء غدٍ لمناسبة أربعين الإمام الحسين ومن المتوقع أن يتطرّق إلى الملف الحكومي ويحدّد موقف حزب الله من مسألة تأليف الحكومة، كما يتطرّق بحسب مصادر “البناء” إلى “ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية لجهة الثوابت الوطنية من دون الغوص في تفاصيل المفاوضات”. كما يتطرق إلى بعض الملفات الإقليمية وما يجري من أحداث وصراعات في المنطقة لا سيما موضوع التطبيع بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني المحتل.
المستقبل: الحريري غير مرشّح حتى الساعة
ولم تلقَ الاقتراحات التي تم التداول بها كتأليف حكومة تكنوسياسية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي أو حكومة برئاسة محمد بعاصيري أي تفاعل إيجابي من القوى السياسية لا سيما من تيار المستقبل الذي أكدت مصادره إلى أن الرئيس سعد الحريري ليس مرشحاً حتى الساعة.
ويشير عضو المكتب السياسيّ في تيار المستقبل النائب السابق الدكتور مصطفى علوش لـ”البناء” إلى أن الرئيس الحريريّ لا يزال عند موقفه بالتزام المبادرة الفرنسيّة كما جاءت وطالما أنها لم تتغيّر في إطارها العام ولا في تفاصيلها فلن ندخل في بازار التكليف والتأليف، لافتاً إلى أن كل الطروحات التي يتم تداولها هي نوع من الاجتهادات التي ترمى في الإعلام لمعرفة ردود الفعل عليها والواضح حتى الآن أن ثنائي أمل وحزب الله غير مستعد لتأليف حكومة وفقاً للمبادرة الفرنسية بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وعن موقف الحريري والمستقبل من طرح تكليف النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري لفت علوش إلى أن بعاصيري نفسه أكد أنه ليس مرشحاً، فضلاً عن أن الأمر لا يتعلق بالاسم رغم أهميته لكن الأهم هو شكل الحكومة ووظيفتها وموافقة المجتمع الدولي عليها.
وعن طرح ميقاتي لفت علوش إلى أن ميقاتي سحبه من التداول لكونه غير عمليّ ولا يؤدي النتيجة المرجوة والمشكلة في هذا الطرح يكمن في مَن سيسمّي الوزراء التكنوقراط الـ 16؟ وهل سيتم اختيار الوزراء السياسيين الستة من الطبقة السياسية نفسها؟ وبهذا الطرح نعود إلى حكومة الرئيس حسان دياب.
وشدّد علوش على أن الحريري لن يترأس حكومة سياسية ولا أي حكومة لا تتوفر فيها قواعد وشروط النجاح كاستقلاليّة الوزراء ومهمة محدّدة لإنجاز الإصلاحات المطلوبة والانفتاح على الدول العربية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
الوفد الرئاسي في الكويت
وكان الوفد اللبناني المؤلف من الرئيسين عون وبري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب قدموا واجب التعزية أمس، الى أمير دولة الكويت الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح والمسؤولين الكويتيين التعازي بغياب الأمير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، وذلك في القاعة الاميرية في المطار الاميري في الكويت.
وعبّر الرئيس عون للأمير نواف عن الحزن الذي انتاب اللبنانيين برحيل الأمير الشيخ صباح الذي له في قلوبهم مكانة خاصة نظراً للمواقف التي اتخذها دعماً للبنان ولأبنائه، معتبراً أن غيابه خسارة كبيرة وهو الذي اتصف بالحكمة والاعتدال وبوقوفه دائماً في المحافل العربية والإقليمية الى جانب لبنان لا سيما في الظروف الصعبة التي مرّ بها حيث كانت له الأيادي البيضاء في المساهمة بإعادة إعمار لبنان وإطلاق المشاريع الإنمائية والاجتماعية والإنسانية. وتمنى عون للأمير نواف التوفيق في مسؤولياته الجديدة في قيادة الكويت وشعبها الشقيق الى مصاف التقدم والازدهار والخير. ورد الأمير الشيخ نواف مؤكداً ان الكويت في عهده ستبقى الى جانب لبنان وتواصل مسيرة دعمه لما فيه خير أبنائه وإعادة نهوضه، مشيراً الى موقع لبنان واللبنانيين في قلوب الكويتيين.
قرار الإقفال
على صعيد آخر، دخل قرار الإقفال الجزئي حيز التنفيذ في 111 بلدة، وسط تفاوت في الالتزام وتململ القطاعات الاقتصادية.
وعدّد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن التحديات التي يواجهها لبنان في المرحلة الراهنة بالنسبة إلى وباء كورونا، موضحاً ان نسبة الإصابة في لبنان تبلغ مئة وعشرين (120) على كل مئة ألف نسمة أسبوعياً وهذه النسبة تعتبر الذروة في تسجيل الإصابات تجعلنا نقترب من المشاهد الأوروبية. واشار إلى أن “ما جنب لبنان المشهد الإسباني أو الإيطالي في بداية الوباء كان جهوزية وزارة الصحة التي تعاملت مع أول حالة وافدة مصابة بالفيروس كمؤشر ومنعطف جدي. وكان الجميع في الوزارات والإدارات على مستوى واحد من المسؤولية ما مكن لبنان من تسجيل التقدم في مواجهة الوباء”.
لجنة المال
في غضون ذلك، بحثت لجنة المال والموازنة برئاسة النائب إبراهيم كنعان مع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني في التشريعات الضرورية في المرحلة الراهنة، واطلعت على آخر ما توصلت إليه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وقال كنعان: “جلسة مهمة بمضمونها من أجل تحديد خريطة طريق نيابية حكومية تتعلق بالإصلاحات التشريعية والمالية وتنفيذ القرارات المتعلقة بحاجات المجتمع”. وأضاف: عرضنا لموضوع الـ”كابيتال كونترول”، واطلعنا على التطورات بين الحكومة و”لازارد” وصندوق النقد والتي حملت حلولاً أخذت في الاعتبار النقاشات التي حصلت سابقاً في لجنة المال. ووزّع كنعان على الحاضرين، لائحة مفصّلة بالإصلاحات ستكون مدار بحث في الأيام المقبلة، وتم تحديد جلسة ثانية للجنة الخميس للبحث في التشريعات المالية”.