“تيتي تيتي”… بهذه العبارة يمكن اختصار الأجواء التي رشحت عن رحلة المشاورات الحكومية التي ذهبت كما عادت، على خط بيروت – الكويت. فلا الرئيس ميشال عون لديه ما يطرحه ولا الرئيس نبيه بري طرح ما لديه، وكانت النتيجة مشاورات خالية من بلورة أي فكرة يُعتد بها لحلحلة مفاصل الأزمة الحكومية، وعلى ذلك استقر الرأي الرئاسي على اعتبار “الدردشة الجوية” بمثابة نقطة انطلاق نحو كسر الجمود والجليد بين الأفرقاء السياسيين، بالتوازي مع الشروع في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة ولو “على العمياني” قبل تلمّس أي بصيص توافق داخلي، تكليفاً وتأليفاً. وترقبت مصادر مواكبة حصول “تحرك فرنسي خلال الأيام القليلة المقبلة”، كاشفةً في هذا المجال لـ”نداء الوطن” عن تواصل جرى ولم يتم الإعلان عنه بين عون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما قد يفضي إلى إعادة تزخيم خطوط التشاور على أكثر من مستوى بين باريس وبيروت في الساعات المقبلة، تمهيداً لتفعيل قنوات المبادرة الفرنسية ووضع آليات جديدة لتطبيقاتها حكومياً.
وإذ لفتت إلى أنّ المراوحة الحاصلة مردّها إلى “انتظار الأفرقاء اللبنانيين تحركاً فرنسياً متجدداً لا سيما بعد التغييرات التي يعمد ماكرون إلى إجرائها ضمن فريق عمله المكلّف بالملف اللبناني”، أشارت المصادر إلى أن “رحلة الكويت مهّدت لعودة الحرارة إلى خطوط التواصل اللبنانية – اللبنانية لكن من دون أن تنجح في تحقيق أي شيء ملموس بعد، وجلّ ما تم الاتفاق عليه هو ضرورة تحديد موعد للاستشارات النيابية في قصر بعبدا نهاية الأسبوع الجاري أو الأسبوع المقبل كحد أقصى، بمعزل عما يمكن أن تسفر عنه الاتصالات والمشاورات السياسية من نتائج توافقية مسبقة، باعتبار أنّ تحديد موعد للاستشارات أقلّه سيضع الجميع أمام سقف زمني محدد لمحاولة التوصل إلى مخارج مقبولة لعملية التكليف والتأليف”.
تزامناً، رصدت خلال الساعات الأخيرة معالم تصدع على أرضية قوى 8 آذار خلّفتها ترددات إعلان “اتفاق الإطار” مع إسرائيل، فجاء التجسيد الأوضح لها على لسان النائب جميل السيد الذي قصف بعنف جبهة الحلفاء في الثنائي الشيعي من دون أن يسمي معتبراً أنّ “أميركا اعتمدت معهم أسلوب غازي كنعان: شو بتحب تاكل، عصا أو جزرة؟! عقوبات فساد أو ترسيم؟!” ليجيب في تغريدته: “دخيلكم، ترسيم الحدود مع إسرائيل أرحم”.
وعلى الأثر استنفرت “عين التينة” جبهتها النيابية ضدّ السيّد فلاقى نصيبه من الردود النارية وكان أعنفها على لسان النائب غازي زعيتر الذي وصفه بأنه “خبير بالفساد والخوات وغلام يتسكع الرتبة تارة بالعصا وتارة بالجزرة”، وأضاف: “لو كان للذهب والقصور ألسن لنطقت من أين لسيادة اللواء كل هذا؟ (…)غازي كنعان ترك لنا جميلاً سيئاً برتبة لواء وهي رتبة يعرف “الجميل” كيف حاز عليها”.
وإزاء البلبلة المتزايدة التي خلّفها الاتفاق مع إسرائيل على الشروع في مفاوضات الترسيم، وبينما لاحظت أوساط متابعة “تضعضعاً في مواقف المنظّرين لسياسة الممانعة واختيار العديد منهم الانكفاء إعلامياً خشية الوقوع في الحرج والإرباك على خلفية تراجع الثنائي الشيعي عن تلازم المسارين البري والبحري في الترسيم والقبول بشرط أسبقية المسار الثاني، فضلاً عن الرضوخ للشرط الإسرائيلي بأن تكون الولايات المتحدة هي الجهة الرعاية للتفاوض وليس الأمم المتحدة كما كان يطالب الثنائي”، توقعت الأوساط لـ”نداء الوطن” أن يعمد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في إطلالته غداً إلى إعادة “رص الصفوف والتخفيف من وطأة الإرباك في محور الممانعة، عبر التشديد على أنّ موضوع الإعلان عن اتفاق الإطار لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تم تضخيمه بشكل كبير ومفتعل من قبل بعض الجهات لضرب صورة المقاومة والإيحاء بأنها تسير بركب التطبيع مع العدو، في حين أنّ ما جرى لا يعدو كونه مجرد استكمال لخطوات سابقة تم البحث فيها على مدى السنوات الماضية علناً مع الموفدين الأميركيين، من دايفيد هيل إلى دايفيد شينكر، وانتهت الأمور اليوم إلى تحديد موعد لبدء المفاوضات دون أي التزامات مسبقة من الجانب اللبناني وبلا أدنى تفريط بالحقوق السيادية والنفطية للبنان”.
وبحسب الأوساط نفسها، فإنّ جوهر مقاربة نصرالله لهذا الملف سيتمحور حول استغراب “تضخيم الموضوع والتعامل معه كمعطى مستجد في العلاقات مع إسرائيل بينما هناك لجنة ثلاثية قائمة في الناقورة وهي تجتمع دورياً برعاية الأمم المتحدة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي، أما “اتفاق الإطار” الذي أعلن عنه فسيبقى محصوراً بالشق التقني الحدودي بلا أي أبعاد أو تبعات سياسية، مع إعادة تصويبه وتشديده على وجوب استخدام مصطلح الكيان الإسرائيلي وعدم الاعتراف بإسرائيل كدولة شرعية حتى ولو تم التفاوض معها لترسيم الحدود”.