بصرف النظر عن الخلفيات والاهداف المحتملة التي قد يكون رئيس الجمهورية ميشال عون أراد تحقيقها من مسارعته امس الى تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف في 15 تشرين الأول الحالي، أي بعد أسبوع تماما ، فان الخطوة شكلت تطورا إيجابيا لجهة الإلتزام، هذه المرة، بالأصول الدستورية من دون الاجتهادات التي كانت تطلق لتسويغ الانتظار والتريث وخلق أعراف التأليف قبل التكليف، كما لجهة عامل السرعة الذي يحتم تحريك الاستحقاق الحكومي بسرعة وسط الانهيارات والانزلاقات البالغة الخطورة التي تطبق على اللبنانيين. وإذ كان عامل السرعة برز من خلال تحديد موعد الاستشارات بعد 11 يوما من اعتذار الرئيس المكلف السابق مصطفى اديب عن تشكيل الحكومة، فان تعمد رئاسة الجمهورية تبرئة ذمتها من استهلاك عامل الاطالة والتآكل ورمي الكرة من الآن فصاعدا في مرمى الكتل النيابية والقوى السياسية في كل عرقلة وتأخير، بدا واضحا تماما خصوصا وسط تركيز دوائر بعبدا على تضخيم “المبادرة ” وإبراز انها جاءت بمعزل عن وجود أي أسماء مرشحة لتولي رئاسة الحكومة، علما انها الاجراء البديهي الدستوري الذي كان يفترض ان تتخذه الرئاسة بعد اعتذار مصطفى اديب. غير ان الهدف الأبرز الذي بدا خلف استعجال بعبدا تحديد موعد الاستشارات يتمثل في اطلاق رسالة حسن نية عاجلة الى باريس وتأكيد استمرار التزام رئاسة الجمهورية بالمبادرة الفرنسية على رغم كل ما تعرضت له هذه المبادرة من انتهاكات خصوصا على ايدي الذين عطلوا مهمة مصطفى اديب وأرغموه على الاعتذار.
ومع انه لم يثبت ان باريس ردت بشكل متعمد وفوري على تحديد رئيس الجمهورية لموعد الاستشارات، فان ما اعلنه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان امس في شأن لبنان، أوحى للبعض بانه مؤشر إيجابي اولي بعد الموقف الحاد الذي سبق للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون غداة اعتذار مصطفى اديب. وقد اعلن لودريان ان فرنسا ستنظم مؤتمرا للمساعدات الإنسانية للبنان خلال شهر تشرين الثاني المقبل بعدما كان من المزمع في البداية عقد المؤتمر في نهاية شهر تشرين الأول الحالي. وابلغ لودريان أيضا الجمعية الوطنية الفرنسية ان مجموعة الاتصال الدولية من اجل لبنان ستلتقي في الأيام المقبلة لتأكيد ضرورة تشكيل حكومة جديدة في لبنان.
كيف تفسر مصادر بعبدا هذه الخطوة ؟
تقول هذه المصادر ان خطوة رئيس الجمهورية بتحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة في 15 تشرين الأول الحالي جاءت معزولة عن أي تفاهمات مسبقة، لكن الرئيس عون توافق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري عليها وحصل بالفعل امس اتصال هاتفي بينهما اطلع خلاله عون بري على تحديد موعد الاستشارات. واعتبرت المصادر نفسها ان مهلة الأسبوع الفاصلة عن موعد الاستشارات ستشكل فرصة كافية للكتل النيابية لكي تسمي مرشحها لرئاسة الحكومة علما ان الرئيس عون لن يعقد أي لقاءات قبل الاستشارات ولو اجرى بعض الاتصالات الضرورية لتسهيل اجرائها وإنجاحها. وتشير دوائر بعبدا في هذا السياق الى ان الرئيس عون لا يضع أي فيتو على أي اسم لتولي رئاسة الحكومة يأتي نتيجة الاستشارات التي سيجريها. وقد جاءت خطوته امس بحسب دوائر بعبدا بعد التأكد من ان قنوات الاتصال كانت متوقفة تماما بين مختلف الافرقاء . وإذ يبدو في خلفية الموقف الرئاسي كما في خلفية مواقف كثيرين ترقب لما سيعلنه الرئيس سعد الحريري في إطلالته التلفزيونية مساء اليوم، تؤكد دوائر بعبدا ان رئيس الجمهورية يسعى الى تحريك المبادرة الفرنسية ملمحة الى تواصل سيتم بين بعبدا وحلقة الرئيس ماكرون التي تتابع المبادرة الفرنسية. وتشدد على ان عون لن يقف متفرجا خلال مهلة الستة أسابيع التي حددتها باريس وما أراده هو حض رؤساء الكتل النيابية على القيام بالدور المطلوب منهم لتسمية شخصية رئيس الحكومة فضلا عن تزاحم الملفات الضاغطة المالية والاقتصادية والمعيشية التي تحتم تحمل المسؤوليات كما ان هناك تحضيرا يجري للمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية والبرية في ظل عدم وجود حكومة فعالة وكل تأخير في تشكيل الحكومة الجديدة يدفع الامور نحو الأسوأ.
علم في المقابل ان رؤساء الحكومات السابقين عقدوا امس اجتماعا في بيت الوسط وان الرئيس سعد الحريري لا يزال على موقفه بعدم الترشح وبعدم تسمية مرشح بما يعني ترك الكتل تسمي مرشحيها. وتعتقد مصادر معنية انه في حال عدم توافق الكتل النيابية على مرشح توافقي من الان والى الخميس المقبل فمن غير المستبعد ان يرجئ رئيس الجمهورية عندها الاستشارات الى موعد لاحق.
وإذ لوحظ ان خطوة عون في تحديد موعد الاستشارات قوبلت بترحيب لدى أوساط “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” برز موقف لنائب الأمين العام لـ”حزب الله ” الشيخ نعيم قاسم اعتبر فيه “ان الوقت ليس مؤاتيا لتعديل او تغيير موازين القوى ولا للانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية ولا لابتداع صيغ لحكومة لا تمثل الكتل النيابية”. وقال “ان الحل الوحيد المتاح هو التكليف والتأليف بحسب الدستور والآليات المعتمدة منذ الطائف واي تجاوز لهذا الحل يعني إبقاء البلد في حال المراوحة والتدهور”.
مشاريع تأسيسية ؟
وسط هذه الأجواء المشدودة الى الاستحقاق الحكومي والأزمات المتصاعدة في البلاد لم تستسغ معظم الأوساط السياسية “ترف” انعقاد اللجان النيابية المشتركة امس للشروع في بحث ملفات يطغى عليها الطابع التأسيسي مثل البحث في انشاء مجلس الشيوخ انطلاقا من طرح مشاريع قوانين الانتخابات النيابية على اللجان . ولذا لم يكن مستغربا ان يتلاقى “أعداء” سياسيون مثل نواب “القوات اللبنانية ” والنائب جميل السيد على استهجان البحث في قانون الانتخاب فيما البلاد تغرق بالكوارث. وقد اعترضت “كتلة الجمهورية القوية” بلسان النائب جورج عدوان على البحث في قانون الانتخاب وإنشاء مجلس الشيوخ باعتبار انه “ليست أولوية فيما الأولوية القصوى هي لمعالجة المشاكل التي تهم الناس ولا نستطيع تأخير تشكيل حكومة ذات مهمة محددة ” وطالب باستعجال تشكيل الحكومة واجراء انتخابات مبكرة على أساس القانون الحالي . كما ان النائب الان عون باسم “تكتل لبنان القوي” لفت الى ان “أي طرح يتضمن انشاء مجلس الشيوخ يرقى الى مستوى تغيير جذري في النظام السياسي وهذا يتطلب حوارا وطنيا ” وشدد بدوره على عدم “جواز التراجع عن اهم مكسب في قانون الانتخاب الحالي وهو صحة التمثيل لكل المكونات اللبنانية”.
فلتان غير مسبوق
في سياق أخر استقطبت حالة الفلتان الأمني الواسع التي تفاقمت بشكل خطير جدا في اليومين الأخيرين في بعلبك والهرمل الاهتمامات بعدما بلغت مظاهر الفلتان حدودا غير مسبوقة حتى في حقبات الحرب . وقد بلغ الفلتان في بعلبك ذروته بعد حادث ثأري بين عائلتي شمص وجعفر، كل الأعراف والحسابات العائلية والعشائرية. وبرز الانفلاش المسلح باخطر مظاهره في فيديوات تناقلتها وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مبرزة مشاهد ميليشيوية قاتمة وسط انعدام الامن الرسمي للجيش والقوى والأجهزة الأمنية. حتى ان قوافل آليات مسلحة بدت تحمل صواريخ ثقيلة. وبعد الظهر أفادت معلومات أكدها محافظ بعلبك ان الجيش استقدم تعزيزات كثيفة من بينها وحدات من فوج المغاوير وبدأت انتشارها في المنطقة .