يواظب رئيس الجمهورية ميشال عون مؤخراً على تسطير “حكم طوباوية” يومية عبر منصة العالم الافتراضي، وحكمة الأمس، غداة تغريدته عن “الدولة القوية والدولة الضعيفة”، تمحورت حول استثارة “الحس النقدي ومراجعة الذات” لدى الطبقة السياسية، أما على أرض الواقع فلا شيء يشي بأنّ هذه الطبقة هي في وارد إصلاح ما أفسدته اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وحياتياً على اللبنانيين، بل على النقيض من ذلك يبدو “الجميع يعلم ما هو المطلوب في مجال الاصلاحات باستثناء المسؤولين اللبنايين” أنفسهم، حسبما تهكّم وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان في معرض مقاربته الأزمة اللبنانية أمس، وسط سؤال جوهري لا يزال يحيّر العقول الأوروبية والأممية طرحه الممثل الخاص للأمين العام للأمن المتحدة يان كوبيتش إثر تداوله بالملف اللبناني مع لو دريان ووزير الخارجية الألماني: “كيف يمكن مساعدة لبنان في غياب حكومة ذات مصادقية وصلاحيات؟”.
عملياً، لا إجابات مطروحة ولا آفاق مفتوحة على الحلول بعد، والاستشارات النيابية الملزمة الخميس المقبل لا تزال نتائجها مجرد “ضرب بالرمل” بانتظار ما ستفضي إليه جولة الاتصالات التي أطلق الرئيس سعد الحريري “صفارة” استئنافها أمس، معلناً جهوزيته للتعاون إذا تبيّن “خلال الأسبوع” الفاصل عن موعد الاستشارات أنّ الأطراف السياسية باقية على التزامها بالمبادرة الفرنسية وبالورقة الإصلاحية التي تنصّ عليها، وقال: “أنا مرشح حكماً (لرئاسة الحكومة) ومش رح سكّر الباب، إذا بدكم أهلا وسهلا وإذا ما بدكم ساعتها منشوف شو منعمل”. لكن الحريري الذي أمهل الأفرقاء السياسيين “72 ساعة” للتفكير ملياً بالرسائل التي تطايرت من إطلالته المتلفزة ليلاً عبر شاشة “أم تي في” بمختلف الاتجاهات الحليفة وغير الحليفة، حمّل الثنائي الشيعي مسؤولية مباشرة عن تعطيل المبادرة الفرنسية، وخصّ “حزب الله” برسالة واضحة تشدد على وجوب “أن يضحي” وتوجه إلى الحزب بالقول: “عارف حالك صاير مشكلة بكل العالم، ما فيك تحمّل اللبنانيين مشكلتك”.
وفي معرض تشخيصه لجوهر المشكلة التي يكابدها اللبنانيون، أوضح الحريري أنها ليست متصلة “لا بالنظام ولا بالدستور إنما بالعقلية التي تدار بها البلد، وهناك فريق يريد فرض الأمور فرضاً وتغيير النظام من خلال فائض القوة”، مجدداً التأكيد في المقابل على أنّ موقفه من المداورة لن يتغيّر لجهة عدم الإقرار باحتكار أي طائفة لأي حقيبة وزارية، ولفت الانتباه في هذا المجال إلى أنه استوحى موقفه هذا من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي طالب هو نفسه باعتماد المداورة إبان تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام “فقبلنا حينها بحسن نية لكن قبولنا ذلك لا يعني أن تصبح وزارة المالية حقاً أبدياً للطائفة الشيعية”. وإذ استغرب تطيير الثنائي الشيعي المبادرة الفرنسية “من أجل حقيبة”، سأل الحريري: “إذا كان الأميركي يريد تطيير المبادرة عبر فرض العقوبات فعل يعقل أن يساعده “حزب الله” و”أمل” في تحقيق ذلك؟، مع إشارته في الوقت عينه إلى أنّ موضوع الترسيم الحدودي مع إسرائيل “مشي” بسبب العقوبات التي فرضت على البعض “وصار كل واحد بدو يحمي حالو”.
وعلى الطريق نحو “جهنّم”، بدأ الدعم من مخزون احتياطي “المركزي” يلفظ أنفاسه الأخيرة لتبدأ إمدادات الأوكسيجين تنقطع تباعاً عن المواد والسلع الحيوية، وسط ترقب ما سيخرج به اليوم اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب للخروج بآلية ترشيد الدعم، على وقع لعبة شد حبال يخوضها دياب نيابةً عن قوى 8 آذار مع الحاكم بغية دفعه إلى الاستمرار في استنزاف الخزينة حتى آخر دولار.
وفي حين يتواصل تساقط المواد الأساسية من السلة المدعومة يوماً بعد آخر، ينذر المسار الانحداري المتسارع ببلوغ مرحلة انعدام الدعم والوزن في السلة بحلول نهاية العام، لتتجه الأنظار إلى الشارع تحت طائل تفاقم الأزمة واشتداد وطأتها، خشية انفجار شعبي مرتقب تتداخل في أبعاده أجندات سياسية هادفة إلى استغلال نقمة الناس للضغط باتجاه استمرار نهب أموال الموعدين من احتياطي النقد الأجنبي بعدما بلغ عتبة “الاحتياطي الإلزامي”. وليس بعيداً عن هذه الهواجس، ينظر بعض المعنيين بعين الريبة إلى استنفار الاتحاد العمالي العام شارعه لتنظيم “يوم غضب ورفض” الأربعاء المقبل، لا سيما وأنّ خطوة الاتحاد أتت بالتضامن والتكافل مع أطراف سياسية في قوى السلطة وفي طليعتها “حركة أمل” التي رشح عن بعض قيادييها خلال الساعات الأخيرة تعليمات بضرورة العمل على تجييش النقابيين المحسوبين على “الحركة” والحشد ميدانياً في كافة المناطق الأربعاء للضغط باتجاه منع رفع الدعم.