لعل افضل ما انتهت اليه المقابلة التلفزيونية للرئيس سعد الحريري مساء امس تمثلت في ارجاعه مجمل المشهد السياسي المضطرب والمتوتر والمربك وسط العد العكسي لموعد الاستشارات النيابية الملزمة في 15 تشرين الأول الحالي الى التحدي الكبير الوحيد الذي يعني اللبنانيين وهو وقف الانهيار الذي تغرق فيه البلاد على أساس المبادرة الفرنسية. انتظر معظم الأوساط السياسية والشعبية كلمة الحريري الحاسمة في ما اذا كان مرشحا لتولي رئاسة الحكومة الجديدة مجددا او يقبل الترشيح او يشترط لذلك شروطه لكن الحريري ذهب في اتجاه آخر اكثر أهمية تمثل في دعوته الى الجسور المفتوحة ومد الايدي لوقف الانهيار الآتي على الجميع على أساس المبادرة الفرنسية التي أعاد التشديد تكرارا انها مستمرة ولا تزال الأساس الوحيد الصالح لاطلاق الإنقاذ من الانهيار. قال الحريري ان يدي ممدودة لكل الناس لان الانهيار آت على الجميع ” واكد اننا لا نزال قادرين على ان نتفق مع بَعضُنَا البعض ولا احد قادرا بعد الان على الاختباء وراء إصبعه فدعونا نقعد وراء الطاولة ولنوقف الانهيار ويجب ان نطلع من الانهيار بموجب المبادرة الفرنسية “.
الحريري في حديثه المسهب الى برنامج “صار الوقت” الذي يقدمه الزميل مارسيل غانم بدا غاضبا وصريحا ومباشرا حيال علاقته بمعظم الافرقاء حلفاء كانوا ام خصوما وأعاد طرح الكثير من وقائع تجربة تكليف مصطفى اديب وإفشالها على يد الثنائي “امل” و”وحزب الله” من دون ان يوفر حلفاءه القدامى ولا سيما منهم “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي كما حمل بقوة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مسؤولية إخفاقات العهد مع انه كشف انه ارسل رسالة هاتفية الى باسيل للاطمئنان عليه بعد إصابته بكورونا. واعتبر ان افضل دستور لا ينجح مع عقلية حكم كالتي يدار بها لبنان اليوم. واعتبر ان كل البلاد انكشفت اليوم وكل الأحزاب انكشفت بعد الانهيار وتحدث عن ثلاثة مشاريع قائمة احدها للثنائي امل وحزب الله والآخر لمن يريد اخراج البلد من الانهيار والثالث للمزايدين. واكد انه رضخ فعلا للبنان وللمبادرة الفرنسية وللمواطن اللبناني وكرر أهمية ما نادى به منذ استقالة حكومته بتشكيل حكومة اختصاصيين كاشفا ان الاتفاق مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان على حكومة اختصاصيين لستة اشهر لا يتدخل فيها الأحزاب والسياسيون. وقال انه “لا يريد لبن العصفور لنفسه بل يريده للشعب اللبناني لوقف الانهيار وإعادة اعمار بيروت”. وإذ رحب بمفاوضات ترسيم الخط البحري لم يستبعد ان تكون العقوبات وراء الموافقة عليها. واما موقفه من الترشح لرئاسة الحكومة فلم يقفل الحريري الباب امام احتمال عودته ولكن من ضمن شرطين أساسيين أولهما التزام الافرقاء البرنامج الإصلاحي الذي وضع وعرض في قصر الصنوبر وتشكيل حكومة من الاختصاصيين على أساس مهلة ستة اشهر لإنقاذ لبنان من الانهيار.داعيا الى القيام بجولة اتصالات هذا الأسبوع في مهلة 72 ساعة للاتفاق على التزام البرنامج “فانا لا ارشح نفسي وانا المرشح الطبيعي واذا رأينا ان الافرقاء موافقون على البرنامج الإصلاحي عندها سعد الحريري لن يقفل الباب على وقف الانهيار”.
الازمة الحكومية
وكان رؤساء الحكومات السابقون، في اجتماعهم البعيد من الاعلام لم يتبنوا مبادرة الرئيس نجيب ميقاتي بحكومة تكنو-سياسية.
وفي مقابل عدم استعداد فريق الاكثرية السنية المتمثل بالرؤساء الاربعة ومعهم كتلة المستقبل النيابية لتكرار تجربة ترشيح مصطفى اديب بعدما تم افشالها بشروط التأليف، تشير المعطيات الى ان فريق الاكثرية النيابية بدوره ليس بوارد تكرار تجربة حكومة حسان دياب أي حكومة اللون الواحد. لذلك ما زالت “حركة أمل” و”حزب الله” و”التيار الوطني الحر” مع الكتل الحليفة يتركون للاكثرية السنية اي لرؤساء الحكومات الاربعة مع كتلة المستقبل قرار الترشيح دون الافصاح عن خيارهم البديل.
هذه اللاءات من الفريقين تتحكم بمسار الاستشارات المتروكة لنتائجها في حينه. وكان لافتاً في هذا السياق ما دونه رئيس الجمهورية على صفحته الخاصة على “تويتر” قائلاً:
“من المعلوم ان الأمم التي تفقد حسّها النقدي وتمتنع عن إعادة النظر بسلوكها، محكومة بالتخلف ولا تستطيع بناء ذاتها ومواكبة العصر. فإلى متى يبقى وطننا رهينة تحجّر المواقف وغياب مراجعة الذات؟”.
وعلم ان الرئيس عون لم يقصد بكلامه فريقاً دون آخر بل كل من يتصلب بمواقفه.
وفِي هذا الوقت أكدت المصادر في بعبدا، ان الاستشارات في موعدها ما لم يطلب رئيس المجلس النيابي نبيه بري الاستمهال.
وقالت المصادر : لا اسم لدينا بعد ولم نتواصل مع احد خلافاً لما تردد. ورئيس الجمهورية لا يحبذ، حتى تاريخه حكومة اللون الواحد، بل يتطلع الى حكومة تنخرط فيها جميع القوى السياسية كي تكون فاعلة وقادرة على تطبيق البرنامج الاصلاحي المتفق عليه.
وفي موضوع التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، علم ان رئيس الجمهورية شكل مبدئيا الوفد اللبناني المفاوض من ضابطين رشحتهما قيادة الجيش هما العميد الطيار بسام ياسين والعقيد البحري مازن بصبوص، اضافة الى الخبير في القانون الدولي نجيب مسيحي الذي يعمل مع قيادة الجيش في كل ما يتعلق بالخرائط.ويتوقع ايضاً ان يضم الى الوفد ايضاً رئيس هيئة قطاع النفط وسام شباط،والسفير هادي الهاشم من وزارة الخارجية، وتعيين الاخيرين رسمياً يتوقف على اعتماد اطار التمثيل القائم على “تفاهم نيسان”، بحيث يبقى الوفد على المستوى العسكري مطعماً بخبراء في القانون الدولي وفي علم البر والبحر.
وفي غضون ذلك بدأت تتفاعل المواقف الخارجية والداخلية من الاستحقاق الحكومي إيذانا بإنجاز الاستشارات النيابية الملزمة فعلا الخميس المقبل فغرد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش قائلا ” تبادلت الآراء على هامش مؤتمر globsec للامن في برتسلافا مع وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان والألماني هايكو ماس. رسالتنا الأساسية هي الحث على تشكيل حكومة ذات صدقية في لبنان دون مزيد من التأخير للبدء في تنفيذ الإصلاحات. كيف يمكن مساعدة لبنان في غياب حكومة ذات صلاحيات ؟”.
وفي موقف يحدد العناوين العامة لـ”حزب الله” من تأليف الحكومة الجديدة دعت “كتلة الوفاء للمقاومة” الى تشكيل “حكومة وطنية وفاعلة ومنتجة” مبدية “كل الحرص على التعاون في سبيل تكوينها وتشكيلها”. ودعت الكتلة الجميع الى “الابتعاد عن نهج الكيدية والعزل والإقصاء” كما حضت على تجديد المساعي لتشكيل “حكومة تختزن عوامل النجاح لأداء المهمات المطلوبة في هذه المرحلة ولتحقيق الأهداف الإصلاحية”. وللمرة الأولى تناولت الكتلة موضوع المفاوضات اللبنانية غير المباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية والبرية الجنوبية فأكدت ان “الإطار التفاوضي حول موضوع حصري يتصل بحدودنا البحرية الجنوبية واستعادة ارضنا لا صلة له على الاطلاق لا بسياق المصالحة مع العدو الصهيوني ولا بسياسات التطبيع”.
سعد الحريري
وفي سجال اكتسب دلالات سياسية تتصل بخلفية الاعتراضات التي اثارها طرح مشاريع قوانين انتخابية او ذات صفة تأسيسية على الجلسة الأخيرة للجان النيابية المشتركة تبادل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع امس الانتقادات والرسائل علنا في ما خَص قانون الانتخاب علما ان “القوات” تتمسك بالقانون الحالي في حين طرحت كتلة التنمية والتحرير مشروعا آخر يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة ضمن النسبية. وكان جعجع غرد متوجها “الى المزايدين ” بقوله: “لولا وجودنا في مجلس النواب لكانت مرت بالأمس مؤامرة قانون الانتخاب”. وسارع الرئيس بري عبر مكتبه الإعلامي الى الرد على جعجع من دون ان يسميه معتبرا “ان كل قوانين الانتخابات السابقة يمكن اعتبارها مؤامرة على مستقبل لبنان ما عدا الاقتراح الحالي”. وأضاف ” إقرأ بروحية النصر للبنان وليس على الفريق الآخر”.
وفي سياق نيابي آخر عاد ملف قانون الكابيتال كونترول الى التحرك مجددا أخيرا متلازما مع مجموعة تطورات تتصل على ما يبدو بالتواصل القائم بين وزارة المال وصندوق النقد الدولي. وفي هذا السياق اعلن رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابرهيم كنعان عقب اجتماع للجنة امس وبوضوح ان “قانون الكابيتال كونترول هو اكثر قانون مطلوب من صندوق النقد الدولي والحكومة واللبنانيين ليعرفوا ما لهم وما عليهم”. وأشار الى ان اللجنة ناقشت امس هذا الموضوع بشكل عام من الدخول في التفاصيل “وننتظر الإيضاحات الكاملة لتكون آلية التطبيق خاضعة للتشريع لا للاستنسابية”. وكشف كنعان ان “صندوق النقد الدولي يقول ان لا تمويل من دون الكابيتال كونترول”.