بلبلة في البلديات، بلبلة في المدارس، بلبلة في المستشفيات والصيدليات وفي مختلف القطاعات المحاصرة بين فكي كماشة الوباء وعشوائية السلطة. من كباش “الداخلية” و”الصحة”، إلى صراع “الداخلية” و”التربية”، انتقل التخبط والتضارب في الصلاحيات والضياع في بوصلة القرارات والمعالجات الرسمية لا سيما مع إعلانين متزامنين متناقضين صدرا أمس، الأول يفتح المدارس والثاني يقفل المناطق!
أما حكومياً، فبعد مرحلة من الركود والجمود في ملف التكليف والتأليف، سيكون “اليوم” لناظره قريب، بحيث ستنطلق عملياً مشاورات التكليف في شقها السياسي على إيقاع طرح الرئيس سعد الحريري نفسه “مكلفاً حكماً” لتشكيل الحكومة العتيدة انطلاقاً من “ثلاثية” تمثيله النيابي السنّي، و”التوازن” في سدة الرئاسات الثلاثة، والتعهدات المقطوعة في قصر الصنوبر بتطبيق ورقة المبادرة الفرنسية الإصلاحية. وعلى أساس هذه الثلاثية، أعاد الحريري الحرارة إلى خطوط التواصل مع قصر بعبدا وعين التينة تمهيداً لطرح الأمور على بساط البحث الجدي اليوم “وجهاً لوجه” مع كل من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، لتبقى احتمالات التوافق من عدمه مفتوحة ومعلقة على نتائج هذين اللقاءين، فتتحدد المسارات وتتضح الخيارات تالياً على قاعدة ما سيَسمعه ويُسمعه الحريري في بعبدا وعين التينة من طروحات وأفكار حيال مبادرته.
وبينما تواصل بكركي نداءاتها المحذرة من “الإنقضاض على الشرعيّة والدستور والنظام وإسقاط الدولة المركزيّة”، منددةً بـ”الممارسة السياسيّة التي تضحّي بلبنان على مذبح المصالح والخيارات الخاطئة” وبـ”التسويف الحكومي وافتعال العقد غير الدستوريّة وغير الميثاقيّة”، مع التشديد على أن أي تفاهم حول التأليف “يجب أن يبقى ضمن منطق الدستور والميثاق، فلا يحقّ لأيّ فريق أن يتخطّى الدستور ولآخر أن يتنازل عنه ولآخر أن يشوّه النظام الديمقراطي”، حسبما عبّر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أمس، فإنّ غالبية الكتل والتكتلات لا تزال على ما يبدو تكيل موقفها من عملية التكليف والتأليف بمكيال مصلحي يقولب تطبيقات الدستور في إطار يخدم أجندة السلطة وصراع الكراسي.
وعلى ذلك يحتاج ارتسام خارطة المواقف النيابية من استشارات التكليف الخميس المقبل إلى مزيد من التشاور والتبصّر بانتظار إنضاج “طبخة التكليف”، من دون أن تستبعد مصادر مواكبة أن يجد رئيس الجمهورية نفسه مضطراً إلى “إرجاء موعد الاستشارات النيابية أسبوعاً إضافياً لمزيد من الاستشارات السياسية”، موضحةً أنّ “طرح الحريري كسَر الجليد في الشكل، لكن المواقف لا تزال على حالها ولا شي تغيّر في جوهر المشهد الحكومي بعد”.
وفي هذا الإطار، ستتداعى الكتل النيابية للاجتماع خلال الأيام المقبلة لحسم الاتجاهات في عملية التكليف والتأليف، على أن تبدأ طلائع المواقف بالظهور علناً اليوم على لسان رئيس ”الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط خلال إطلالة متلفزة يحدد فيها خياراته الحكومية، ليليه غداً رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في ذكرى “13 تشرين”، وتكتل ”الجمهورية القوية” بعد غد إثر اجتماعه في معراب لاتخاذ الموقف المناسب.
وإذا كان موقف الثنائي الشيعي محسوماً سلفاً لصالح تكليف الحريري انطلاقاً من تفضيل تكليف “الأصيل على الوكيل”، يبقى أنّ رصيد هذا التكليف لا يزال حتى الساعة خالياً من دعم الكتل المسيحية الوازنة، في ضوء استمرار “القوات اللبنانية” على رفضها تسميته انسجاماً مع موقفها الداعي إلى تشكيل حكومة اختصاصيين برئيسها وكافة أعضائها، بالتوازي مع معارضة “التيار الوطني الحر” ترؤس الحريري حكومةً لا تضم غيره من القوى السياسية. ومن هنا، تبرز معضلة “الميثاقية” المفقودة مسيحياً لتغطية التشكيلة التي يعتزم تأليفها، وهو ما يجري العمل على تداركه عبر “فتوى” دستورية – سياسية، ترتكز على أنّ هذه الميثاقية يؤمنها توقيع رئيس الجمهورية على التشكيلة باعتباره شريكاً دستورياً في تأليفها، فضلاً عن كونه هو من سيتولى تسمية الوزراء المحسوبين على الحصة المسيحية في تركيبتها.
الرئيسية / صحف ومقالات / نداء الوطن : إرجاء الاستشارات النيابية لمزيد من الاستشارات السياسية؟ التكليف: “اليوم” لناظره قريب!