حدثان سيتصدران المشهد السياسي هذا الأسبوع: المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل التي تبدأ الأربعاء في جولتها الأولى وتستقطب اهتماماً ديبلوماسياً غربياً ومتابعة إعلامية محلية ودولية، والاستشارات النيابية الملزمة للتكليف الحكومي التي حُدّد الخميس المقبل موعدها من دون ان يعرف مصيرها بعد، قبل ان يستكشف الرئيس سعد الحريري مواقف الكتل النيابية من تكليفه.
ومن خلال هذين الحدثين تستعيد الحياة السياسية زخمها وحيويتها، لكنّ الفارق بينهما انّ مفاوضات الترسيم تنطلق الأربعاء في جولات تمتد لفترة طويلة، فيما التكليف قد يتم الخميس ويفتح الباب أمام التأليف، وقد لا يتم، لأنّ الأمر يتوقف على الاتصالات التي سيجريها الحريري، ويبدأها رسميّاً من بعبدا اليوم بلقاء مع الرئيس ميشال عون، ثم من عين التينة بلقاء مع رئيس مجس النواب نبيه بري.
تَتبّعت مختلف الاوساط السياسية داخلياً أمس التحضيرا ت الجارية لاستشارات التكليف الملزمة التي سيجريها عون الخميس المقبل لاختيار من سيكلّف تأليف الحكومة الجديدة، في وقت لم يظهر بعد وجود أي مرشّح منافس للحريري الذي اعلن نفسه «مرشحاً طبيعياً» للموقع الثالث في هرم السلطة.
وبَدا من المشاورات التي بدأها الحريري منذ اعلان ترشيحه الخميس الماضي، والتي كان منها اللقاء الذي جمعه مساء امس مع رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، انّ التركيز هو البحث في التأليف وإنجازه بعناوينه الاساسية قبل انجاز التكليف، لينصرف بعده الرئيس المكلف الى انجاز التأليف بسهولة ويُسر. وتحدث البعض عن احتمال تأجيل الاستشارات اياماً في حال لم تنجز التوافقات التي يعمل عليها لتأمين ولادة حكومية سريعة.
مشاورات الحريري
وقالت مصادر قريبة من الحريري لـ«الجمهورية» انه يجري مشاورات ذات شقين: داخلي، ويشمل رؤساء الحكومات السابقين وكتلة «المستقبل» النيابية وقيادة تيار المستقبل. وخارجي، سيبدأ اليوم باللقاءين اللذين سيعقدهما مع رئيسي الجمهورية الحادية عشرة قبل الظهر في قصر بعبدا ومع رئيس مجلس النواب في السادسة مساء في عين التينة، وستشمل الكتل النيابية.
وفي معلومات «الجمهورية» انّ اتصال الحريري بعون كان لدقائق، وطلب منه موعداً للقائه اليوم، مُبلغاً ايّاه انّ «لديه مبادرة محددة ينوي استطلاع رأيه فيها من اجل تحريك ملف تشكيل الحكومة التي تحتاجها البلاد اليوم قبل الغد». فحدّد له رئيس الجمهورية على الفور موعداً عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم.
وأوضحت هذه المصادر انّ الحريري يريد من خلال هذه المشاورات ان يتأكد ما اذا كان الذين يستشيرهم ما زالوا ملتزمين المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ليتم وضعها على طاولة البحث والتنفيذ وفق آليّتها السياسية لجهة تأليف حكومة اختصاصيين، وآلّيتها الاصلاحية المتعلقة بالاصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار المالي والاقتصادي.
ورأت المصادر انه لم يعد امام لبنان فرصة للخروج من أزمته إلا هذه المبادرة، وقالت انّ لقاء الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين مساء امس يندرج في اطار مشاوراته الداخلية، مشيرة الى انّ نادي رؤساء الحكومة السابقين سحبَ من التداول اقتراح الرئيس نجيب ميقاتي تأليف حكومة تكنو ـ سياسية من 20 وزيراً، منهم وزراء دولة سياسيين والبقية وزراء ذوي اختصاص، وانّ البحث سيتركز على تأليف حكومة وفق ما تقتضي به المبادرة الفرنسية.
وعُلم انّ «الثنائي الشيعي» سيسمّي الحريري، وانّ «التيار الوطني الحر» ليس بعيداً عن هذا الترشيح خلافاً لِما يُشاع من انه يعارضه، لكنّ التيار يناقش ويهمّه البرنامج الاصلاحي وان يحصل الاتفاق على مجمل المسائل، حتى ولو اضطرّ الامر الى تأجيل الاستشارات بضعة ايام حتى إنجاز تفاهم يقضي الى تسهيل انجاز الاستحقاق الحكومي برمّته.
النسخة الاصلية
وعشيّة زيارة الحريري لبري اليوم لتسويق ترشيحه لرئاسة الحكومة، أكدت مصادر الثنائي الشيعي لـ«الجمهورية» التمسّك بالنسخة الأصلية والوحيدة للمبادرة الفرنسية، من دون أي إضافات او اجتهادات تُبَدّل جوهرها، مشيرة الى ضرورة تنفيذ الإصلاحات المتوافَق عليها ضمن تلك المبادرة. ومن المتوقع ان يكون اللقاء بين بري والحريري، بعد انقطاع، فرصة لمصارحة سياسية متبادلة في شأن الشروط المطلوب توافرها لتكليف الحريري، وقواعد تشكيل الحكومة المقبلة.
وبينما توجد تباينات واضحة في مقاربة هذا الملف بين رئيس تيار «المستقبل» من جهة والثنائي و«التيار الوطني الحر» من جهة أخرى، لفتت اوساط مواكبة الى انّ القوى السياسية قد تكون مضطرة في نهاية المطاف إلى خفض سقوفها بعض الشيء، لأنها تعرف جيداً ان الوضع الداخلي، على كل المستويات، لم يعد يتحمّل التفريط بمزيد من الفرص.
«القوات»
الى ذلك، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ تكتل «الجمهورية القوية» سيلتئِم ظهر الأربعاء لتحديد الموقف من استشارات يوم الخميس، وفي الأثناء يرصد التكتل مواقف الكتل من هذا الاستحقاق ويُجري رئيسه الدكتور سمير جعجع التشاور اللازم، وسيضع التكتل في الصورة السياسية الكاملة لاتصالاته تمهيداً لاتخاذ الموقف المناسب.
وأكدت المصادر تمسّك «القوات» بتأليف حكومة من الاختصاصيين المستقلين تماماً عن كل القوى السياسية، وهذا الموقف أبلغَه جعجع للرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك انطلاقاً من اقتناع «القوات» الراسخ باستحالة الخروج من الأزمة المالية سوى من خلال حكومة استثنائية ومستقلة تماماً، وخلاف ذلك يعني انّ مصير اي حكومة سيكون الفشل، على غرار الحكومة المستقيلة. وأعادت المصادر التأكيد انّ القرار النهائي من هذا الاستحقاق يصدر الأربعاء.
مفاوضات الترسيم
على صعيد المفاوضات لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل، توقعت مراجع تواكِب التحضيرات الجارية للجلسة الاولى من هذه المفاوضات المقررة بعد غد الاربعاء أن يعلن رسمياً اليوم عن تشكيل الوفد الرسمي اللبناني الى هذه المفاوضات بصيغة لم تتّضِح بعد، في انتظار انتهاء المشاورات الجارية للبَت بالإجراءات الواجب اتخاذها.
وفي المعلومات المتبادلة في الأروقة الرسمية انّ بيان مديرية التوجيه في قيادة الجيش، الذي صدر السبت الماضي، قد يكون كافياً للاعلان عن الوفد لمجرّد الكشف عن الإجتماع الأول الذي عقدته اللجنة العسكرية ـ التقنية الثلاثية برئاسة قائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه في اليرزة «إنفاذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون». ولكن البيان لم يُشر الى اسماء الوفد، واكتفى بالإشارة الى مهمته فوصَفهَا بـ«المكلف ملف التفاوض لترسيم الحدود». وحدّد البيان الخطوط العريضة للمهمة بما قاله حرفيّاً: «أعطى قائد الجيش التوجيهات الاساسية لانطلاق عملية التفاوض بهدف ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برّاً، والممتد بحراً تِبعاً لتقنية خط الوسط، من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة. استناداً الى دراسة أعدتها قيادة الجيش وفقاً للقوانين الدولية».
آلية تشكيل الوفد
الى هذه المعطيات، هناك من يقول انه من الضروري ان يُصار الى الإعلان رسمياً عن الوفد بـ«مذكرة خدمة» يصدرها قائد الجيش اليوم، يعلن فيها الأسماء الثلاثة العميد الطيّار بسام ياسين رئيساً، والعقيد البحري مازن بصبوص عضواً، بالإضافة الى الخبير في القانون الدولي نجيب مسيحي الذي يعمل مع المديرية العامة للشؤون الجغرافية في قيادة الجيش في كلّ ما يتعلق بالخرائط الخاصة التي حدّدت موقف لبنان وتحديده للخط الفاصل بين المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية والإسرائيلية.
وعن مصير الأعضاء المُتبقّين المقرر ضَمّهم الى الوفد، يمكن ان تقول مذكرة قائد الجيش «تستعين اللجنة بمَن تراه مناسباً»، فينضَمّ اليهم عضو هيئة قطاع النفط المهندس وسام شباط، من دون الجزم من الآن بإمكان ان ينضم اليهم السفير هادي الهاشم من وزارة الخارجية الذي بقي حتى ليل امس مَدار بحث ونقاش من دون قرار نهائي. على ان يكون الباب مفتوحاً في المستقبل لِيضمّ الى الوفد اي خبير او اي مسؤول تستدعي المفاوضات حضوره فيها.
شينكر في بيروت
وقبل 72 ساعة على موعد انعقاد الجلسة الأولى لمفاوضات الترسيم بين لبنان واسرائيل في الناقورة، قالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ راعي اللقاء، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى دايفيد شينكر، سيصل الى بيروت في الساعات المقبلة ومعه فريق عمله استعداداً للمشاركة في لقاء الناقورة.
ولم تشأ المصادر الإشارة الى برنامج زيارة إذا وصَلَ شينكر قبل 48 ساعة على موعد الجلسة الأولى، وعما إذا كان سيلتقي أياً من المسؤولين اللبنانيين قبل اللقاء. ولفتت الى انّ السفارة الأميركية في بيروت لم تطلب بعد، وحتى ساعة متأخرة من ليل امس، اي موعد لشينكر مع اي مسؤول رسمي وعلى اي مستوى.
الراعي
وفي المواقف، نَبّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الاحد الى انّ «قلقنا يتعاظَم إذا تَعثّر تكليف شخصية لرئاسة الحكومة الجديدة، وخصوصاً إذا تعثّر تأليف حكومة إنقاذية، غير سياسية، وتكنوقراطية، تتمكن من المباشرة بالإصلاحات في البنى والقطاعات، وفقاً لتوصيات مؤتمر CEDRE (نيسان 2018)» وقال: «إنّ ضمان نجاح التأليف هو عَزم الجميع على تَجنّب التسويف، ووضع الشروط، وافتعال العقد غير الدستورية وغير الميثاقية، من أجل قضم الدولة وإبقاء مصير لبنان مرهوناً بنزاعات المنطقة واستحقاقاتها التي لا تنتهي. وهذه مشكلة وطنية خطيرة عندنا، لا حد لها إلا باعتماد نظام الحياد الناشط الذي يعيد للبنان هويته، ومكانته، ودوره الحضاري في سبيل السلام والإستقرار في الداخل وفي المنطقة». وقال: «لن تكون عندنا حكومة يثق بها الشعب والأسرة الدولية، إذا لم يَتعالَ الجميع عن كل ما هو مكاسب ظرفية، سياسية كانت أم مادية، وعن المحاصصة».
ورأى «اننا نحتاج إلى دولة قوية وحكومة قادرة على إجراء مفاوضات ترسيم الحدود بين دولتي لبنان وإسرائيل. أهمية هذه المفاوضات في أن تؤدي إلى اتفاق يعزّز سلطة الدولة اللبنانية المركزية، التي من شأنها أن تسيطر على حدودها الدولية المثبتة في خط هدنة سنة 1949 أساساً، وعلى ثروات النفط والغاز، وتسهر على عدم محاصصتها وتوزيعها وتبديدها. بل تكون في عهدة الدولة لِتفي ديونها، وتطلق عجلة النهوض الإقتصادي والمالي والمعيشي».
عودة
بدوره، قال ميتروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة: «في بلدنا لدينا خبراء في تطويع النواميس، أي القوانين، كل بحسب رغبته ومصلحته ومنفعة جيبه وحزبه وتياره، متجاهلاً دماء الشهداء وصراخ أهل هذا البلد الحبيب القابع تحت الركام والفقر واليأس». وقال: «حتى متى تُستباح النواميس وتنقض؟ وتقدم المصلحة الشخصية حتى لو أدى ذلك إلى موت الأخ». واضاف: «نحن في حاجة إلى مسؤولين ذوي ضمير حي، لا يرتاحون، طالما هناك مواطن واحد يئن، كما عليهم أن يكونوا القدوة في احترام الدستور والقوانين».
كورونا
وعلى صعيد وباء كورونا، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي حول مستجدات فيروس كورونا أمس «تسجيل 1010 إصابات جديدة (1010 محلية ولا حالات وافدة)، ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات الى 53568». كما أشارت الى تسجيل 4 وفيات جديدة.
وأعلنت وزارة الداخلية اللبنانية فرض تدابير عزل على 169 قرية وبلدة، بينها العشرات التي كانت قد أقفلت تماماً لـ8 أيام، لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد مع تسجيل معدلات قياسية خلال الأسابيع الماضية.
وقررت الوزارة أيضاً إقفال الحانات والملاهي والمراقص الليلية في كل انحاء البلاد «حتى إشعار آخر»، مع تعذّر فرض اغلاق عام شامل في ضوء الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعيشها لبنان.
وكانت الوزارة قد فرضت في الرابع من الشهر الحالي الإغلاق الكامل لمدة 8 أيام على 111 قرية وبلدة.
ومع ارتفاع عدد الإصابات، أعلنت وزارة الداخلية الأحد الإقفال الكامل على 169 قرية وبلدة، بينها نحو 80 منطقة مُدِّد فيها الإغلاق.
وستُقفل هذه المناطق كلياً اعتباراً من اليوم ولمدة أسبوع. ويتعيّن على سكان البلدات والقرى المشمولة بالقرار «التزام منازلهم»، مع توقف العمل في المؤسسات العامة والخاصة وإلغاء المناسبات الاجتماعية والدينية، باستثناء المؤسسات الصحية والصيدليات والأفران ومحلات بيع المواد الغذائية.
وحذّر وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن من اقتراب لبنان من السيناريو الأوروبي، معتبراً أنّ «النجاح في القرار الجريء في إقفال عدد من البلدات هو الفرصة الأخيرة».
ذكرى الشهداء
من جهة ثانية أقيم في باريس أمس احتفال إحياء لذكرى شهداء انفجار مرفأ بيروت، وذلك بدعوة من جمعية الدعم الوطني والدولي للمنقذين SENIS، حيث وضع سفير لبنان لدى فرنسا رامي عدوان الورود على ضريح الجندي المجهول تحت قوس النصر، تكريماً «لذكرى الشهداء اللبنانيين وشجاعة من يضحّون بأنفسهم لمساعدة الآخرين وإنقاذهم».
ودَوّن عدوان على الضريح الآتي: «تخليداً لذكرى جميع الشهداء وتحية لجهود المسعفين، إلى من يبذل نفسه في خدمة أخيه الإنسان».