جهّز العدوّ الإسرائيلي أوراقه، وأسلحته، لبدء التفاوض مع لبنان، في الناقورة، اليوم، برعاية الأمم المتحدة. قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، وفي منزل كان سابقاً لأحد العملاء وصار في عهدة الكتيبة الإيطالية في اليونيفيل، ينطلق التفاوض غير المباشر، بحضور الوسيط الأميركي. والأخير، هو السلاح الأقوى في ترسانة العدوّ التفاوضية. وقبل الوصول إلى الناقورة، كان العدو قد وضع استراتيجيته، ودرس خططه، وبدأ إطلاق النيران التمهيدية. في البداية، فرض رفع مستوى الوفد المفاوض من تقني إلى سياسي. ثم بدأ الترويج لطبيعة المفاوضات، ونتائجها، ورؤيته لعراقيلها، مانحاً نفسه صفة مخلّص لبنان من أزمته الاقتصادية التي يريد “أعداء إسرائيل” لها أن تستمر.
في المقابل، يمضي لبنان إلى التفاوض بوفد منزوع الشرعيّة، دستورياً، وسياسياً، وتقنياً. رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أصدر بياناً أول من أمس رأى فيه أن قرار تأليف الوفد، من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مخالف للمادة 52 من الدستور، التي توجب الاتفاق مع رئيس الحكومة خلال التفاوض لعقد المعاهدات الدولية وإبرامها. وفيما تردّ مصادر الرئاسة بأن التفاوض بشأن الحدود لن يولّد معاهدة دولية، يصرّ رئيس الحكومة على موقفه. في مطلق الأحوال، نزع دياب الشرعيّة الدستورية عن الوفد. وسانده في موقفه أمس “الناطق باسم نادي رؤساء الحكومة السابقين”، فؤاد السنيورة، لجهة اتّهامه عون بمخالفة الدستور، “وتحديداً المواد 52 و54 و60”. كلام السنيورة استدعى رداً من رئاسة الجمهورية، التي أصدرت بياناً كررت فيه “أننا لسنا بصدد معاهدة دولية مع إسرائيل، تعني ما تعنيه على صعيد التطبيع والاعتراف”، وبالتالي، فإنّ تأليف وفد التفاوض لا تنطبق عليه المادة 52 من الدستور.
سياسياً، وبعد مفاوضات “سريّة” في الأيام الماضية، ومشاورات بين حزب الله والنائب جبران باسيل، مباشرة وبالواسطة، وبعد اتصال أجراه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعون، بقي الأخير وباسيل متمسكين بموقفهما. كان ثنائي حزب الله وحركة أمل يطالب بالحفاظ على الطبيعة التقنية للوفد اللبناني المفاوِض، وحصره بضباط الجيش، استناداً إلى تجارب التفاوض غير المباشر السابقة بين لبنان والعدوّ، منذ لجنة تفاهم نيسان عام 1996، وصولاً إلى اللجنة الثلاثية التي تجتمع دورياً منذ عام 2006، في الناقورة، وتضمّ الجيش اللبناني واليونيفيل وجيش الاحتلال. وحذّر الثنائي من رفع مستوى تمثيل لبنان في الوفد، كما من عدم الاعتراض على رفع العدو لمستوى تمثيله، إضافة إلى وجوب عدم منح العدوّ “صوراً تطبيعية”، كالتقاط صورة تذكارية تجمع الوفود. أما عون وباسيل، فأصرّا في المقابل على وجود مدنيّين في الوفد. تراجع عون عن إرسال المدير العام لرئاسة الجمهورية، أنطوان شقير، للمشاركة في الجلسة الافتتاحية، لكنه تمسّك بمشاركة الخبير نجيب مسيحي، وعضو هيئة إدارة قطاع النفط وسام شباط في الوفد. وبعد وصول المشاورات بين الجانبين إلى حائط مسدود، ليل أمس، أصدر حزب الله وحركة أمل بياناً فجر اليوم، طالبا فيه بإعادة النظر في تركيبة الوفد.
سياسياً، نُزِع غطاء الإجماع اللبناني عن التفاوض.
أما تقنياً، فمن غير المفهوم بعد سبب الإصرار على وجود المدنيّين في الوفد. موقف الخبير نجيب مسيحي مطابق لموقف العقيد مازن بصبوص. وسبق أن أعدّا معاً دراسة تفيد بأن حصة لبنان البحرية الجنوبية أكبر من تلك التي كان يطالب بها في السنوات الماضية، ما يعني أن وجود أحدهما كافٍ. أما شباط، فهو الذي لا داعي لوجوده، لا من قريب ولا بعيد، لأن التفاوض هو على ترسيم حدود لا على تقاسم ثروة من النفط أو الغاز. التبرير الوحيد هو إصرار باسيل على مشاركة شخص محسوب عليه مباشرة يمكّنه من ضمان باب للتواصل مع الأميركيين، من جهة؛ ومن جهة أخرى يؤمّن به “التوازن الطائفي في تركيبة الوفد، فيصبح مؤلفاً من مسلمَين ومسيحيَّين”!
وعشيّة المفاوضات، ترأس عون، في حضور وزيرة الدفاع زينة عكر وقائد الجيش العماد جوزيف عون، اجتماعاً للوفد المفاوض. وقال عون إن المفاوضات “يجب أن تنحصر في مسألة الترسيم، على أن تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من منطقة رأس الناقورة براً والممتدّ بحراً، استناداً إلى تقنيّة خط الوسط من دون احتساب أيّ تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة”.