مع ان اللبنانيين اعتادوا منذ اشهر ظاهرة تزاحم التطورات والاستحقاقات والأزمات في بلدهم، يبدو التزامن الحاصل بين تطورات مصيرية مفصلية في الساعات المقبلة كظاهرة نادرة ربما لا تكون فصولها جارية بالمصادفة. ذلك ان هذا اليوم بالذات سيدخل في رزنامة المواعيد التاريخية محطة تفاوضية غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بما يعنيه ذلك من دلالات وتداعيات وانعكاسات على لبنان، ولو ان المعطيات الموضوعية والسوابق التفاوضية تحتم ترقب مدة طويلة من المفاوضات ومراسا صعبا وشاقا من التعقيدات في الجولات التفاوضية. وللمصادفة أيضا فان هذا اليوم أيضا يفترض ان يشهد حسما لجهة تقرير مصير المحاولة المتقدمة التي بادر اليها الرئيس سعد الحريري منذ طرح الاستفتاء السياسي الواسع على مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كأساس لتشكيل الحكومة الجديدة التي اعلن انه مرشح طبيعي لترؤسها. ولعل المصادفة أيضا وضعت في موازاة هذين التطورين البالغي الأهمية تحركا اجتماعيا احتجاجيا ينذر بتحول البلاد كرة ثلج ثائرة عشية احياء الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 بعد أيام قليلة بعدما انفضح المشهد الكارثي في البلاد بين مواطنين يعانون أسوأ ما عرفه وعاشه شعب في العالم من الفواجع والازمات والانهيارات المتعاقبة الكارثية فيما طبقته السياسية عادت تلهو بمطالبها التافهة ومحاصصاتها الفاسدة واتجاهاتها البائسة على رغم كل الاهوال التي تضرب البلاد. هذا الانكشاف السياسي المخيف برز بكل فضائحه سواء في الانقسامات التي برزت في الساعات الأخيرة بين الحكم والحكومة المستقيلة نفسها حول المفاوضات التي اثارت نزاع صلاحيات بين بعبدا و”سرايا حسان دياب” او بين بعبدا وحليفها “حزب الله ” نفسه في موضوع تركيبة الوفد المفاوض. اما الفضيحة الأخرى الأكبر والاسوأ فهي ما أبرزته الطبقة السياسية في شأن الاستحقاق الحكومي من سقوط متجدد في حفرة المصالح الخاصة والمطالب الفئوية وتصفيات الحسابات الضيقة الأفق وكأن البلد لا يعاني السقوط النهائي في أسوأ واخطر وأكبر انهياراته ما لم تتشكل حكومة انقاذية في اسرع وقت تنقذه أولا من هذه السياسات المدمرة.
مفاوضات الناقورة
اذا تتجه الأنظار اليوم الى مقر قيادة قوة “اليونيفيل” في الناقورة الذي يستضيف حدث انطلاق المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة ومشاركة الولايات المتحدة كوسيط مسهل للمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية علما ان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر سيحضر هذه الجلسة كما سيبقى يوما إضافيا في بيروت لاجراء بعض اللقاءات السياسية. وفيما عقد اجتماعان تحضيريان في قصر بعبدا عشية الجولة الأولى من مفاوضات الناقورة احدهما بين رئيس الجمهورية ميشال عون وممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش والآخر للوفد المفاوض بحضور وزيرة الدفاع زينة عكر وقائد الجيش العماد جوزف عون خصص للتوجيهات التي قدمها الرئيس عون للوفد المفاوض، برزت معلومات عن تصاعد استياء “حزب الله” من تطعيم الوفد المفاوض العسكري التقني بعضوين مدنيين بما اعتبره الحزب التفافا على الاتفاق الإطار للمفاوضات وبانه نتيجة تدخل أميركي خدمة لإسرائيل. وعلمت “النهار” ان الثنائي “امل” و”حزب الله ” كانا على تواصل امس مع رئاسة الجمهورية وعبرا عن عدم ارتياحهما لضم مدنيين الى الوفد بعدما صرفا النظر عن اصدار بيان علني في هذا الصدد.
اما الجانب السلبي الاخر الذي برز عشية افتتاح المفاوضات فبدا عبر تفاقم الخلاف حول الصلاحيات التفاوضية بين رئاسة الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الذي كان اتهم بعبدا بمخالفة الدستور. وردت رئاسة الجمهورية على دياب امس من دون ان تسميه لافتة الى ان رئيس الجمهورية لم يتول الى حينه عقد أي معاهدة دولية او ابرامها لكي يصار الى الاتفاق في شانها مع رئيس الحكومة وإذ ذكرت بانها الجهة المختصة الوحيدة بتولي التفاوض اعتبرت “كل كلام آخر كلاما تحريفيا للدستور الهدف منه اما التضليل او اضعاف الموقف اللبناني في اللحظة الخاطئة”.
الحريري ام ..المجهول ؟
اما في ملف الاستحقاق الحكومي فيمكن القول ان الساعات المقبلة ستتسم بأهمية حاسمة لجهة رسم خريطة الاتجاهات حيال إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة وفق المبادرة الفرنسية والتوافقات الداخلية على تنفيذ آليات وضعها الحريري واطلع عليها المسؤولين والقوى السياسية او فشل المبادرة التي اطلقها وتولاها بنفسه. واستنادا الى نتائج اليوم الأول من جولة وفد “كتلة المستقبل” الذي ضم النواب بهية الحريري وسمير الجسر وهادي حبيش بالإضافة الى مواقف سياسية أساسية اطلقت، يبدو ميزان الاحتمالات السلبية والإيجابية حياله في نقطة وسطية يصعب معها الجزم بما سيقرره الحريري في نهاية اليوم الثاني من جولة الوفد المستقبلي اليوم. ذلك انه في خانة الإيجابيات سجل موقف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية المؤيد بقوة لتولي الحريري رئاسة الحكومة الجديدة كما سجل استعداد إيجابي لدى كتلة نواب الطاشناق لمصلحة الحريري. وبرزت اتصالات ووساطات بين المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي لتبريد التوتر الذي ساد علاقتهما عقب الحديث الأخير لرئيس التقدمي وليد جنبلاط بما يمكن معه إعادة احياء قنوات التشاور بينهما. وستتجه الأنظار اليوم الى موقف “حزب الله” الذي سيلتقيه وفد “المستقبل ” بعد الظهر بعد ان يلتقي قيادة “التيار الوطني الحر” قبل الظهر. ولكن النائب جبران باسيل ارسل موقفا سلبيا قاطعا من تحرك الحريري عشية موعد لقاء ميرنا الشالوحي مع وفد المستقبل . في اول تحرك علني له بعد شفائه من إصابته بكورونا حمل باسيل في كلمته في ذكرى 13 تشرين الأول على الحريري فقال “ليس على علمنا ان الرئيس ماكرون عين ناظرا او مشرفا عاما على مبادرته ليقوم بفحص الكتل النيابية ومدى التزامها مبادرته. وفي كل الأحوال من يريد ترؤس حكومة اختصاصيين يجب ان يكون هو الاختصاصي الأول او يزيح لاختصاصي ومن يريد ترؤس حكومة سياسيين حقه ان يفكر بذلك اذا كان هو السياسي الأول. ومن يريد ان يخلط بين الاثنين يجب ان يعرف كيف يعمل الخلطة ولكن بلا تذاك وعراضات إعلامية “.
وبعد لقاء وفد المستقبل مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في معراب مساء، أعلنت النائبة الحريري ان جعجع اكد تأييده المبادرة الفرنسية والإصلاحات ونفت ان تكون زيارة الوفد لاستباق الاستشارات او لبحث التكليف. وعن موقف باسيل قالت غدا (اليوم) نجتمع به .
وفيما ترددت معلومات عن احتمال إرجاء الاستشارات النيابية الملزمة المقررة غدا الى موعد لاحق في حال تبين ان ثمة حاجة الى مزيد من الاتصالات والمشاورات، أفادت معلومات قريبة من بيت الوسط ان الحريري ليس في وارد عقد مزيد من اللقاءات ولن ينتظر الى ما بعد الخميس ولن يقبل ان يكون تحركه سببا لإرجاء الاستشارات بما يعني انه سيحسم موقفه في الساعات المقبلة بناء على نتائج التحرك لانه وضع خريطة طريقة واضحة لا تحتاج الى وقت إضافي لبت المواقف منها. وتحدثت مصادر سياسية مطلعة عن نقطتين أساسيتين يفترض بتهما خلال الساعات المقبلة وهما الموقف النهائي للرئيس الحريري من اشتراط الثنائي الشيعي تسمية وزرائه في الحكومة الجديدة وكذلك موقف الرئيس عون المتحفظ عن ترؤس الحريري حكومة اختصاصيين وفي حال بتهما إيجابا سيكلف الحريري غدا على رغم كل المواقف السياسية الأخرى الرافضة لتكليفه .
موجة الإضرابات
وسط كل هذا الاحتدام السياسي كان المشهد الاجتماعي والصحي يسجل تطورات بالغة الخطورة خصوصا في ظل تصاعد المخاوف من تراجع الخدمات الاستشفائية التي تترجم في ارتفاع اعداد الوفيات بإصابات كورونا في شكل مقلق كما في ارتفاع اعداد الإصابات ناهيك عن ازمة فقدان الكثير من الأدوية التي دفعت القطاع الصيدلي الى تنفيذ اضراب عام امس شمل كل المناطق احتجاجا على تحكم كارتيلات شركات الأدوية بالسوق . كما ان موجة إضرابات واعتصامات واسعة ستنفذ اليوم بدعوة من الاتحاد العمالي العام ونقابات المصالح المستقلة وقطاعات عدة تحت اسم ” يوم الغضب والرفض التحذيري ” ضمن برنامج اعتصامات ومسيرات سيارة في مختلف المناطق .