فعلت الفئة الحاكمة فعلتها بتأجيل الاستشارات النيابية دون أي مسوّغ أو مبرر أو سبب حقيقي. ثم اختفت تصريحات شخصياتها وهيئاتها، لتتلطى خلف تسريبات منسوبة لمصادر مختلفة، لكنها جميعها من مصدر معروف قابع في أحد أروقة التورية والتعمية والتحوير والتشويه، أما المضمون فاختلاقُ روايات واهية لا تمت للواقع بصلة، فيما البلاد تخسر أسبوعًا إضافيًا من الفرصة الأخيرة للإنقاذ التي تمثلها المبادرة الفرنسية، ويدفع المواطنون من لحمهم الحيّ ومعيشتهم ثمناً لكل هذا التعطيل.
لم تظهر في الساعات الماضية أي بوادر أو معطيات يمكن البناء عليها لمعرفة المسار الذي يمكن أن يسلكه موضوع التكليف، في ضوء السلبية التي أحدثها قرار رئيس الجمهورية ميشال عون تأجيل الاستشارات الى الخميس المقبل. ومع دلالات التأجيل عاد السؤال عما إذا كانت المبادرة الفرنسية لا زالت قابلة للتطبيق، وبالتالي هل سيستمر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في موقفه الداعم للبنان، أم أنه سيصل إلى وقت يسحب فيه يده من الملف ويخسر اللبنانيون بالتالي فرصة للخروج من أزمتهم.
وبانتظار جلاء الصورة في الأيام الفاصلة، أتت جولة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر على القيادات السياسية لوضعهم بصورة الجولة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
مصادر مواكبة للتطورات السياسية رأت في حديث مع “الأنباء” أن “المنظومة القابضة على القرار لا تزال تبحث عن طريقة لتحقيق مصالحها فقط، ولذلك هم لا يريدون رئيسا لحكومة كل لبنان، بل رئيسا مكبّل اليدين رهن الأوامر، ويأتي في آخر اهتماماتهم تطبيق المبادرة الفرنسية، لأنهم لم يسمحوا لسعد الحريري ولا لغيره تحقيق الإصلاحات، وخاصة في وزارة الطاقة حيث سينكشف التورط الكبير في نهب مالية الدولة وإغراق البلد بعجز مالي يصل الى حدود الستين مليار دولار في الطاقة فقط”.
وعن مسألة تأجيل الاستشارات، اعتبرت المصادر أن “المسؤولية الرسمية في ذلك تقع على رئيس الجمهورية، بصرف النظر إذا كان النائب جبران باسيل فعلا هو صاحب التوجه في التأجيل، لأن الجهة المعنية بأخذ القرار هي رئاسة الجمهورية”، ورأت المصادر أنه “في حال لم تتبدل أسباب التأجيل، فإن دوائر القصر لن تتردد على ما يبدو في تأجيل الإستشارات مرة جديدة”، نافية في الوقت نفسه احتمال وجود أي تنسيق من تحت الطاولة بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لعدم تسمية الحريري، فالخلاف بين الطرفين مستفحل لدرجة ان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لم يستطع عقد لقاء في بكركي يجمع رئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس التيار جبران باسيل.
مصادر بيت الوسط اعتبرت أن ما جرى “مخالفة دستورية فاضحة”، واتهمت “المحيطين بعون بالتذاكي على القانون والدستور من خلال العمل على خلق أعراف وبدع جديدة لا يتقبلها أي منطق”.
عضو كتلة المستقبل النائب نزيه نجم تحدث لجريدة “الأنباء” عن “الإستنسابية المعتمدة من قبل المقربين من رئيس الجمهورية في تقييمهم للأمور، فالرئيس حسان دياب لم يحصل على ثقة طائفته وعلى تأييد دار الفتوى، ورغم ذلك لم يؤجل عون الاستشارات النيابية ولم يتحدث يومها عن الميثاقية”، سائلا عما “إذا كانت الميثاقية تعني فقط المقربين من فريق العهد؟”.
وقال نجم: “بعد هذه الأزمة التي تضرب لبنان منذ سنوات لم يعد في لبنان مسلم ومسيحي بل هناك جائع وحرامي”. وأكد نجم أن “الحريري لن يعتذر لأن مصلحة لبنان واللبنانيين بالنسبة إليه فوق كل إعتبار، وهو لم يترشح ليعتذر خاصة بعد الإجماع عليه من قبل غالبية القوى السياسية:.
وعن أجواء لقاء كتلة المستقبل مع كتلة الوفاء للمقاومة، أشار نجم الى أنه كان جيدا، كاشفا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري إتصل بالحريري وتمنى عليه عدم التراجع والاعتذار عن ترشحه، وأن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط اتصل أيضا للغرض عينه ما يعني أن كل القيادات الوازنة داعمة للحريري.
مصادر عين التينة أكدت بدورها لـ”الأنباء” طلب الرئيس بري من الحريري عدم الاعتذار، مشددة على دعمها للرئيس الحريري وتمسكها بالمبادرة الفرنسية أكثر من أي وقت مضى، معربة عن إنزعاج الرئيس بري الشديد من تأجيل الاستشارات
موقف القوات اللبنانية عبرت عنه مصادرها لـ “الأنباء” فأعربت عن أسفها لتأجيل الاستشارات لأن لا أسباب موجبة للتأجيل. وقالت: “كنا نتمنى تشكيل حكومة مستقلين بأسرع وقت تأخذ على عاتقها تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لكن ما جرى أعاد الأمور الى المربع الأول”.
وفي المقلب الآخر رفضت مصادر “تكتل لبنان القوي” كل الإتهامات التي سيقت ضد رئيس التكتل جبران باسيل، ودعت من قالت إنهم “مزايدين” الى “الكف عن إتهام التكتل بالتعطيل”، وفق تعبيرها، معتبرة أن “التكتل هو من اكبر الكتل النيابية ويجب التعاطي معه من هذا المنطق”. وكررت المصادر موقف باسيل القائل “إما حكومة إختصاصيين من رئيسها الى آخر وزير فيها، وإما حكومة سياسية تتمثل فيها القوى السياسية كل بحسب حجمه”.
صحيا، أعربت مصادر طبية لـ “الأنباء” عن خشيتها من وصول الأمور الصحية الى أفق مسدود بغياب الرقابة وحس المسؤولية من قبل بعض القيمين على الشأن الصحي ومن قبل عدد كبير من الناس، مشيرة إلى انه “لو كان هناك رقابة لما اضطر وزير الصحة حمد حسن للذهاب بنفسه لمداهمة المستودعات التي تخزن الأدوية لتهريبها الى الخارج”.
وكشفت المصادر أن “العديد من المستشفيات الخاصة لا يزال يرفض استقبال مرضى كورونا”، معتبرة أن “هذا مؤشر خطير يجب معالجته بأسرع وقت ولو اقتضى الأمر اتخاذ إجراءات صارمة بحقها وفسخ العقود معها من قبل وزارة الصحة”.