وحده عداد “كورونا” يواصل التقدم القياسي في لبنان مع تسجيل 1550 إصابة جديدة، وحالتي وفاة،وفيما تضاعفت الضغوط على اللبنانيين بفعل تعميم مصرف لبنان الجديد بتحديد سقف سحوباتهم المالية بالليرة اللبنانية، في ظل تفلت الاسعار، وتسيد مافيات الدواء، والمحروقات، والمواد الغذائية،غاب جميع “الساسة” عن “السمع” امس ،فالاتصالات السياسية لاعادة تحريك ملف تشكيل الحكومة “مجمدة”، وفيما نجح “الثنائي الشيعي” من “غسل يديه” من اتهامات التعطيل” التي طالته بعد سقوط تجربة مصطفى اديب، حاولت رئاسة الجمهورية تبرير تأجيل الاستشارات النيابية، بعدما باتت بعبدا المتهم الاول في اضاعة فرصة الخروج من المأزق الراهن، وبعدما “نام” الرئيس سعد الحريري على “حرير” الوعود الفرنسية، والاتفاقات الجانبية، وآخرها حصل بضغط فرنسي على النائب السابق وليد جنبلاط، لتجاوز الاعتراضات السعودية، اكتشف ان العودة الى السراي الحكومي ،دونها عقبات، واستفاق مجددا على “كابوس” جبران باسيل الذي حاول تجاوزه، فاصطدم “بفيتو” رئاسي واضح رسم من خلاله عون “خارطة طريق” من “بيت الوسط” الى رئاسة الحكومة، لا تكليف دون الوقوف على “خاطر” الكتل المسيحية،ولا مجال لتجاوز الميثاقية الحقيقية..
وفيما دخلت البلاد مرحلة “عض الاصابع” بين “بيت الوسط” وبعبدا “وميرنا الشالوحي” وكل طرف يراهن على حصول تنازلات من الطرف الاخر،بفعل الضغوط الدولية عموما، والفرنسية خصوصا،فيما تدور الشكوك حول امكانية تشكيل حكومة قبل الانتخابات الاميركية في 3 تشرين الثاني.. ومع عودة الامور الى “نقطة الصفر” حكوميا،كان لافتا غياب هذا الملف عن جولة مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد شينكر المهتم بترسيم الحدود البحرية، وسط علامات استفهام حول تأجيل زيارته الى القصر الجمهوري الى اليوم،ومساع لوضع الوزير جبران باسيل على جدول اعماله، في ظل معلومات عن استمرار الضغوط الاميركية لاستجرار مواقف اكثر تشددا من بعبدا “وميرنا الشالوحي” ضد حزب الله الذي يقف برأي رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو عائقا امام عقد اتفاق “سلام” مع لبنان، فيما كشف المعهد القومي الاسرائيلي عن رهانات اسرائيلية على دور اميركي- فرنسي -خليجي للضغط على لبنان اقتصاديا ومقايضة المساعدات باضعاف حزب الله..
“استياء” فرنسي
وفيما، حرصت بعبدا على تبرير اسباب التأجيل، برز استياء فرنسي واضح من الرئيس ميشال عون “المتهم” باسقاط الفرصة الثانية لنجاح المبادرة الفرنسية، وذلك وفقا لمسؤول فرنسي في الخارجية ابدى “سخط” بلاده مما حصل، وقد ترجم ذلك بعدم تواصل اي من المسؤولين الفرنسيين مع الرئاسة الاولى حتى الان، في تعبير واضح عن “البرودة” في التعامل مع القصر الجمهوري الذي حاول عبر الوزير سليم جريصاتي شرح الموقف عبر القنوات المعتادة لكن دون جدوى، حيث غاب الفرنسيون عن “السمع”، ما اضطر بعبدا الى تسريب معلومات عبر مصادر “مجهولة” لتبرير ما حصل، مع العلم ان التدخل الفرنسي قد نجح يوم الاثنين في تليين موقف النائب السابق وليد جنبلاط، الذي تراجع عن مواقفه الحادة اتجاه الحريري، بعدما وعده الفرنسيون بتسهيل الامور لدى السعوديين، فجاءت المفاجأة من بعبدا التي لم تنسق تأجيل الاستشارات مع باريس.
اين تمر الطريق الى “السراي”؟
وكان عون وقبل تأجيل الاستشارات إتصل بالحريري وابلغه قراره تاجيل الاستشارات بعد إمتناع كتلتا “الجمهورية القوية” “ولبنان القوي” عن تسميته،ووفقا لمصادر مطلعة رد الحريري بالتساؤل كيف مشيتم بحكومة حسان دياب من دون السنّة، لكن الرئيس لم يوضح موقفه،واصر على موقفه دون ان يبالي ايضا، باعتراض رئيس المجلس النيابي نبيه بري على التأجيل… وفي هذا السياق، تشير اوساط التيار الوطني الحر الى ان ما حصل امر طبيعي، ومتوقع، فهل ثمة من يعتقد ان الرئيس عون سيمنح توقيعه على “بياض” للحريري لتشكيل حكومة في نهاية عهده دون الاتفاق معه ومع تياره السياسي على كل القضايا المرتبطة بها؟ وهل من المنطقي ان يتواصل الحريري شخصيا مع كافة الكتل السياسية لنيل رضاها والتفاهم معها على حصصها الحكومية ويستثني الفريق السياسي الاقوى مسيحيا؟ وهنا تشير تلك الاوساط الى انالوفد النيابي “الازرق” كان “لذر الرماد” في “العيون” للقول ان الحريري ينسق مع الجميع، مع العلم ان ما حمله الى القيادات السياسية مجرد طروحات عامة للاصلاح وردت في المبادرة الفرنسية، فيما كانت الاتصالات الجدية تدور في “الكواليس” ويديرها الحريري بنفسه..فهل كان المطلوب السكوت عن هذه العملية الاقصائية، وتمرير “الطبخة” تحت وطأة الضغوط الخارجية؟ ووفقا لتلك الاوساط، “الرسالة” الرئاسية واضحة، لا يمكن تجاوز مكون وازن في البلد، وعلى الحريري ان يدرك ان “الطريق” الى السراي الحكومي لا تمر في بعبدا فقط، وانما في “ميرنا الشالوحي”، ودون حصول تفاهمات مسبقة لن تكون “الطريق معبدة” امامه،حتى لو حاول احياء التحالف “الرباعي” بنسخة جديدة.
الحريري لن يتراجع؟
في المقابل، لا يبدو ان الرئيس الحريري مستعجل على “احراق فرصته”، وهو يعمل على استثمار موجة الاستياء العارمة داخليا وخارجيا اتجاه رئيس الجمهورية المتهم بعرقلة تشكيل الحكومة، ولهذا تشير اوساط “بيت الوسط” الى انه اذا كان الهدف من تأجيل الاستشارات الضغط عليه ليتخذ موقفاً تصعيدياً ويعتذر عن عدم التأليف كما حصل مع مصطفى أديب، فهذا لن يحصل، والحريري مستمر في مبادرته، حتى الان، بعدما كشفت كل “الاقنعة”، وهو متمسك بالمبادرة الفرنسية لأنها الفرصة الوحيدة للانقاذ، ومن يريد عرقلتها عليه تحمل المسؤولية،فلا تنازلات، ولا عودة الى الماضي في العلاقة مع “التيار الوطني الحر، وهو لا يضع على جدول اعماله لقاء باسيل، والتأجيل لن يغيّر في الامر شيئا، والاستمرار بالتعطيل، سينعكس سلبا على البلاد وعلى المعطلين..ووفقا للمعلومات، فان الحريري لا يزال متمسكا برفض تشكيل حكومة تكنو-سياسية، ويرفض ان يفرض عليه احد تسمية الوزراء.
“تبريرات” بعبدا!
وقد سربت من بعبدا،تصريحات لمصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية اكدت ان الرئيس كان حريصا على ان لا يحصل تكليف دون التأليف، واكدت ان هناك 3 أمور يجب توضيحها: الأمر الأوّل أنّ قرار التأجيل لم يكن للتبرير بل كان لتحديد موعد. والثاني أنّه لا يتحكّم بموقف الرئيس أي سبب شخصي ولكن هناك مواضيع يجب أن تُدرَس قبل التكليف كي لا نكون أمام تكليف من دون تأليف وتأليف بدون ثقة.أما الأمر الثالث، فهو أنّ أي رئيس كتلة سواء كان من الكتلة الكبيرة الوازنة أو الكتل الصغيرة له الحق ان يبدي رأيه، لكن هذا الرأي منفصل عن إختصاص الرئيس ومسؤولياته مع الإشارة الى ان الرئيس تلقّى سلسلة اتصالات من عدد من رؤساء الكتل تمنوا عليه تأجيل الإستشارات.وهو امر لم تقر به الا كتلة النواب الارمن!
وقد استغربت مصادر بعبدا صدور بعض ردود الفعل قبل أن تعرف الأسباب الحقيقية للتأجيل، وقالت الأجدر كان بالذين اعترضوا أن يحلّلوا الوضع السياسي لمعرفة أسباب التأجيل لأن تحليل هذا الوضع يوفّر معطيات هي التي دفعت الرئيس إلى التأجيل لتوفير مناخات إيجابية للتأليف كي لا يتم أسر البلاد بين حكومة تصرف أعمال ورئيس مكلف لا يؤلف ، مشيرة الى أنّ الرئيس عون حريص على توفير أكبر عدد من التأييد النيابي للرئيس الذي سيكلّف التشكيل نظراً لأهمية ودقّة المهمات المطلوبة من الحكومة في المرحلة المقبلة والتي تتطلب توافقاً وطنياً عريضاً وليس تشرذماً مع الإشارة الى أنه من الأفضل أن يسمى الرئيس المكلف من قبل إجماع مناطقي!
وأضافت الرئيس أراد من خلال قراره أن يعطي فرصة إضافية للإتفاق مع الرئيس المكلف لإنقاذ المبادرة الفرنسية إنطلاقاً من دعم رئيس الجمهورية لهذه المبادرة، والتي يحتاج تنفيذها إلى أكبر عدد ممكن من المؤيدين خصوصاً بعد التعثر في المواقف حيال هذه المبادرة والتأجيل يمكن أن يعالج هذه المسألة.وخلصت تلك الاوساط الى القول” ان باسيل رئيس كتلة برلمانية كبي…ة لكنه لا يمكنه ان يملي اي شيء على الرئيس!
عون “والتيار” تحت الضغط !
في غضون ذلك، زار مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الذي شارك في الجولة الأولى من المفاوضات على ترسيم الحدود، رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جبنلاط الذي أولم على شرفه في كليمنصو،وجرى نقاش في الأوضاع وفي مجريات التفاوض ودور الولايات المتحدة كوسيط مسهّل في عملية الترسيم،ووفقا لاوساط سياسية بارزة، ترك عدم بدء الدبلوماسي الاميركي جولته من القصر الجمهوري في بعبدا علامات استفهام لدى الرئاسة الاولى التي تنتظر زيارته اليوم، فيما يبقى استبعاد رئيس التيـار الوطني الحر عن اجندته مصدر قلق جدي لدى “ميرنا الشالوحي” حيث ثمة محاولات جدية يبذلها اصدقاء مشتركون لتـرتيب لقاء بين الرجلين لتبديد الكثير من التــساؤلات لدى باسيل حيال البرودة الاميركية اتجاهه، وبحسب تلك المصادر، لا يزال الاميركيون يضعون الرئاسة الاولى ومعــها رئيس التيار الوطني الحر تحت الضغط لاستدراجهما الى مزيد من التنازلات في ملف العلاقة مع حزب الله، فوفقا لزوار السفارة الاميركية في بيروت بدأ العاملون على الملف اللبناني في واشنطن يلمسون نجــاحا مبدئيا، ولكنه غير كاف، في ايجاد “شرخ” في العلاقة بين حزب الله “والتيار”، وثمة ترقب لمسار هذه العلاقة “المترنحة” على وقع تنامي الخلافات التي تظهرت في ملف الترسيم، والموقف من “اسرائيل”، والحكومة، ووفقا لمسؤول اميركي ترغب الادارة في حصول “طـلاق” بين الجانبين، ولا يكفي التباين في المواقف، خـصوصا انه لم يلمسوا في واشنطن حتى الان، ان الوزير باســيل راغـب في الذهاب بعيدا في ذلك،وهم قرأوا على نحـو سلبي كلامه قبل يومين عندما تحـدى العـقوبات مـعلنا عدم اكتراثه بها، ولا تملك السفارة في عوكر جوابا حول احتمال تغيير شينكر لجدول اعماله، وهو لن يلتقي باسيل الا بعد الحصول على ضوء اخضر من الخارجية، وهو ما كان متعذرا حتى مساء الامس، بانتظار اي جديد في الساعات القليلة المقبلة.
رهانات اسرائيلية لاضعاف حزب الله؟
وفيما وصفت الخارجية الروسية موقف حزب الله من ملف “الترسيم” “بالمسؤول”، اقر رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو انه “لا سلام” مع لبنان طالما ان حــزب الله “يسيطر” على الدولة اللبنانية، وطالب نتانياهو في كلمة امام الكنيست الحكومة اللبنانية بمواصلة الاتــصالات لإنهاء قضية الحدود البحرية،وقال “بدأنا اتصالات مع لبنان للتفاوض حول الحدود المائــية لما له من دلالة اقتصادية.. أدعو حكومة لبنان إلى مواصـــلة هذه الاتصالات لإنهاء قضية الحدود المائية وربما في المستقبل يأتي يوم ليشكّل ذلك قاعدة نحو سلام حقيقي،وأضاف سنواصل مواجهة حزب الله، ومحادثات ترسيم الحدود قد تحدث تصدّعاً في سيطرة حزب الله على لبنان..
ويعكس كلام نتانياهو نتائج خلاصات معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي، الذي اشار الى ان احتمال حصــول تغيير استراتيجي للأفضل في العـلاقات مع لبنان ضئيل، لان حزب الله ما يزال يحافظ على مكانته ونفوذه، بالتحالف مع التيار الوطني الحر، بقيادة الرئيــس اللبناني ميشال عون.وكشف المعهد ان ما سيـمهد الطريق أمام مسار التقارب بين لبنان وإسرائيل، هو التفاهم مع فرنسا والولايات المتحدة، لوضع اللــبنانيين امام “معادلة”، المساعدة المالية والاقتصادية مقابل إيجاد حل للملفات الخلافية مع إسرائيل، وهذه المساعدة مشروطة بخطوات لاحتواء نفوذ حزب الله في لبنان.
وتكشف التوصيات عن دور أساسي للدول الخليجية، الحليفة لـ”إسرائيل”، حيث يفترض ان تعرض مساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية مقابل تغيير تدريجي في السياسة اللبنانية تجاه اسرائيل،وكذلك العلاقة مع حزب الله. وهذا يتطلب ايضا بحسب المعهد ضرورة تفعيل التواصل الاسرائيلي مع جهات لبنانية فاعلة غير حكومية لتعزيز مجالات التعاون مع الداخل اللبناني.