من البارحة الى الخميس المقبل الموعد المرحل للاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الشخصية التي ستكلف تشكيل الحكومة الجديدة ايهما سيسبق الآخر : عداد الكوارث والأزمات والانهيارات والمشكلات المتناسلة على مدار الساعات وليس الأيام فقط، ام عداد احتساب المكاسب والنقاط السياسية والساقطة والتافهة والموغلة في كشف أسوأ صورة انزلق اليها لبنان منذ ان صار دولة وجمهورية ونظاما ودستورا؟
لا يمكن عشية الذكرى الأولى لاندلاع احدى ابرز حركات الانتفاضات الاجتماعية العابرة للطوائف والمناطق والطبقات والفئات، منادية منذ 17 تشرين الأول 2019 وحتى الساعة والى “ما بعد بعد” حسابات الطبقة السياسية برمتها، بتغيير جذري للطبقة الفاسدة الا التوقف عند عداد الكوارث، وتجاهل، بل وإسقاط كل محاولات الإلهاء السياسية التي يراد لها احتقار مآسي اللبنانيين كمثل ما حصل قبل 48 ساعة في ارجاء استحقاق التكليف الذي أياً تكن المبررات لارجائه، فهي لا تكتسب أي صدقية امام حاجة لبنان واللبنانيين لاي ثانية يمكن ان تشكل سانحة لفرصة انقاذية. لذا من حق اللبنانيين الرازحين تحت وطأة هذا القدر المؤلم، وكذلك اللبنانيين الذين لا تزال انتفاضة 17 تشرين الأول تشكل لهم النبراس البديل من عهد وسلطة وطبقة سياسية بلغ لبنان في ظل إدارتهم ما لم يبلغه في تاريخه من انهيارات ان نقدم باسمهم للسلطة عينات من سيناريو الكوارث الصاعدة يوميا بين موعد مرجأ وموعد موعود للاستشارات في أسبوع واحد. في عداد يوميات اللبنانيين مأثرة جديدة من مآثر “السلبطة” على أموالهم وودائعهم في المصارف، ستتجلى يوميا بتناقص احتيالي للسقوف المالية بالليرة كأنه لم تكفهم الضربة القاضية على ودائعهم وحجزها وتبديدها وفقدان جنى الاعمار من جراء الإجراءات الظالمة. وفي سيناريو يوميات اللبنانيين حتى الخميس وما بعده الى ما شاء القدر، تصاعد مرعب في الإصابات بوباء كورونا المنتشر افقيا وعموديا في مختلف المحافظات والأقضية والبلدات والقرى اللبنانية، وكان آخر ارقام الرعب القياسية التي سجلها أمس 1550 حالة إصابة فيما سجلت حالتا وفاة. وبمواكبة هذا الانتشار الوبائي المخيف تتصاعد روايات الحزن والخوف والقلق عن مصابين لم تعد مستشفيات لبنان قادرة على استقبالهم واستيعابهم ومعالجتهم حتى ان هناك الكثير مما يروى عن وفاة مصابين ليسوا في حالات حرجة وتتدهور أحوالهم حتى الوفاة بفعل انتظار أسرة تضمهم. ولعلكم لم تسمعوا بعد عن فقدان الأدوية للأمراض المزمنة وامراض القلب والضغط وسائر المشتقات بفضل مافيات المتاجرة بحياة الانسان. في سيناريو الأيام السبعة بين موعدين عودة ارتفاع متجددة في أسعار الدولار “السوقي” بعدما كان انخفض بشكل ملحوظ على وقع التوقعات الإيجابية التي تحدثت عن تشكيل حكومة اختصاصيين انقاذية. انها عينات فقط لن نزيد عليها ما يمكن ان تسجله عدادات الهجرة وإقفال مؤسسات وتسريح عمال وموظفين فقط لانارة بصيرة من يتمهلون في حسابات السياسة وكل ذلك عشية ذكرى انتفاضة 17 تشرين.
جمود الإرجاء
بالعودة الى المشهد السياسي ضربت البلاد امس عاصفة جفاف سياسي غداة قرار ارجاء الاستشارات النيابية الى الخميس المقبل، وبدت المحركات السياسية كأنها أخمدت دفعة واحدة في انتظار بلورة الخطوة التالية لجهة إعادة تصويب مسار التكليف الذي كان قد حسم بشكل واضح لمصلحة الرئيس سعد الحريري لو أجريت الاستشارات في موعدها. ويبدو ان جزءا أساسيا من الواقع السياسي الحكومي قد شغل اللقاءات التي يجريها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الموجود في بيروت منذ أيام بعدما رأس وفد بلاده الى الجولة الافتتاحية لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في الناقورة. ومع ان شينكر اختار الابتعاد عن الاعلام في زيارته الراهنة، فان جولته على المسؤولين والسياسين تكتسب دلالات. وعلم انه يركز على استعجال تأليف حكومة تلتزم الإصلاحات بالكامل من دون ان يعطي أي معالم محددة لمصلحة أي شخص. وهو التقى امس الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وسيزور اليوم قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون . كما يتوقع ان يلتقي الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
بعبدا تبرر
وعممت امس مطالعة دفاعية وتبريرية لقرار ارجاء الاستشارات على لسان مصادر مطلعة على موقف الرئيس عون أفادت بان قرار التأجيل لم يكن للتبرير بل لتحديد موعد جديد للاستشارات ولذلك لم يكن هناك شروحات وان لا وجود لأي سبب شخصي يتحكم بمواقف الرئيس عون لكن هناك مواضيع يجب ان تدرس قبل التكليف كي لا نكون امام تكليف دون تأليف وتأليف دون ثقة.
وقالت المصادر المطلعة على اجواء بعبدا ان “اي رئيس كتلة سواء كان من الكتل الكبيرة الوازنة او الكتل الصغيرة له الحق ان يبدي رأيه لكن هذا الرأي منفصل عن اختصاص الرئيس ومسؤولياته مع الاشارة الى ان الرئيس عون تلقى اتصالات من رؤساء كتل تمنّوا عليه تأجيل الاستشارات وكان الاجدر بالذين اعترضوا ان يحللوا الوضع السياسي ليعرفوا اسباب التأجيل لأسبوع لأن تحليل هذا الوضع يوفر معطيات هي التي دفعت الرئيس عون الى تأجيل الاستشارات لتوفير مناخات ايجابية للتأليف كي لا يتمّ أسر البلاد بين حكومة تصرّف اعمالاً ورئيساً مكلّفاً لا يؤلّف”.
وأضافت أن “الرئيس عون حريص على توفير اكبر قدر ممكن من التأييد النيابي للشخصية التي ستكلف تشكيل الحكومة نظرا لأهمية ودقة المهمات المطلوبة من الحكومة في المرحلة المقبلة والتي تتطلب توافقا وطنيا عريضا وليس تشرذما، مع الاشارة الى الحرص على تسمية الرئيس المكلف باجماع وطني ومناطقي مع إشارة المصادر هنا الى منطقة جبل لبنان موحية بانها كأنها خارج هذا الاجماع. واعتبرت ان الرئيس عون “أراد من خلال قراره ان يعطي فرصة اضافية للاتفاق مع الرئيس المكلف لانقاذ المبادرة الفرنسية انطلاقا من دعم رئيس الجمهورية لهذه المبادرة والتي يحتاج تنفيذها الى اكبر عدد ممكن من المؤيدين خصوصا انه كان هناك تعثر في المواقف حيال هذه المبادرة والتأجيل يمكن ان يعالج هذه المسألة.
وحرص الرئيس عون من خلال هذه الخطوة على تأمين اجواء تسهّل عملية التأليف لاحقاً وبالتالي تأمين حصول الحكومة العتيدة على الثقة المرجوة لأن امام هذه الحكومة برنامجا للاصلاحات يجب ان يتم التوافق حوله وحول آلية تنفيذه حتى تكون خطة الحكومة وبرنامجها واضحين في هذا الاطار”.
وقالت ان الاسبوع الفاصل عن موعد الاستشارات سيتخلله مشاورات “وكل غاية الرئيس عون توفير المناخات الايجابية لتشكيل الحكومة وكل ما قيل غير ذلك لا اساس له من الصحة.”
ولفتت الى ان النائب جبران باسيل رئيس كتلة نيابية وهي الاكبر لكنه كأي كتلة اخرى لا يحق له ان يملي شيئا على رئيس الجمهورية. وشددت على ان “لا فيتو على الرئيس سعد الحريري ورئيس الجمهورية يلتزم بنتيجة الاستشارات”.