سنة على انتفاضة 17 تشرين. هذه الانتفاضة أسست لبناء وطن حقيقي لجميع ابنائه لا دولة من ورق يتحكم بها زعماء الفساد والمحاصصة. انتفاضة 17 تشرين هي انقلاب ابيض على الزعماء الذين كان الشعب يتعاطى معهم على انهم انصاف آلهة، في حين بعد 17 تشرين اهتزت عروش هؤلاء الزعماء الفاسدين الفاقدين الضمير والاخلاق والمبادئ الوطنية. صحيح ان انتفاضة 17 تشرين تعيش اليوم في “مرحلة انتظار” الى ما ستؤول اليه المبادرة الفرنسية التي يعتبرها الثوار فرصة ذهبية تساعدهم في بلوغ اهدافهم، انما ذلك لا يعني ان الانتفاضة دفنت او انتهت بل تنبض ايمانا وحماسة لمستقبل افضل للبنان.
وبموازاة ذلك، بات المشهد اللبناني واضحاً وهو ان هذه الطبقة السياسية هي بلاء لبنان ولا يمكن لاي تغيير حقيقي ان يتحقق ما دامت هذه السلطة السياسية تتحكم بزمام الامور. فلا النقمة الشعبية على السلطة، ولا الجوع والفقر والموت الذي يعيشه المواطن اللبناني، دفع هذه الطبقة السياسية الى مراجعة ذاتية، بل على العكس اظهرت المزيد من الفجور السياسي والانحدار الوطني. ذلك ان اللبناني يعاني من ازمة رغيف وادوية وطبابة وبطالة وفقر، ورغم ذلك لا يأبه الافرقاء السياسيون في الحكم بمعاناة الشعب بل يستمرون في المناكفات السياسية والخلافات الضيقة. وباختصار، لا امل من هذه الطبقة السياسية المترهلة، خاصة ان لبنان مقبل بعد شهر ونصف على ازمة كبيرة، وهي رفع الدعم عن المواد الاساسية. فهل سنشهد هذه المرة ثورة لا انتفاضة فقط على السلطة السياسية التي آن الاوان لتغييرها؟
الحريري وباسيل يتصلبان بموقفهما
الى ذلك، وبين “الخميسين” انتظار ليتصاعد الدخان الابيض، وان يكون هناك “التواصل” المنتظر بين “بيت الوسط” و”ميرنا الشالوحي”. مر يومان من دون ان يتصاعد الا الدخان الاسود اذ ان كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يتصلب في موقفه. وفي هذا السياق، قالت مصادر بارزة في 8 اذار لـ “الديار” انه سجل دخول جهات فرنسية رفيعة المستوى على خط الوساطة وتذليل العقبات من دون ان ترشح معلومات اضافية عن نجاح المسعى او فشله او متى سيعقد اللقاء؟
لماذا دفع باسيل باتجاه تأجيل الاستشارات النيابية؟
عن التأجيل للاستشارات النيابية، قالت مصادر مطلعة للديار ان رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل شعر بوجود نوع من تحالف رباعي من الممكن ان ينشأ ضده يضم الثنائي الشيعي والمستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. وسبب شعور باسيل اتى بعد حصول تباين في الموقف بين الوطني الحر وحزب الله حول تركيبة الوفد اللبناني، فاعتبر باسيل ان المقاومة قد تتقاطع مع حركة امل ضد تياره. انما اتضح لاحقا للوزير جبران باسيل ان التباين حول وجود مدنيين في الوفد اللبناني لن يتطور الى خلاف بين الطرفين، كما ان حزب الله اثبت انه خارج اي تحالف يقام ضد العهد.
وعليه، وبعد وضوح المشهد امامه، تقول هذه المصادر ان باسيل يتخوف من نشوء تحالف ثلاثي المستقبل – أمل – الاشتراكي، وبالتالي يعتبر ان هذا التحالف الثلاثي يقوم بالتهيئة للمرحلة المقبلة ليكون ممسكا بمفاصل الحكومة اولا وان يبدأ للتحضير للانتخابات الرئاسية. ويدرك رئيس التيار الوطني الحر ان هذا الثلاثي اساسا كان داعما للوزير السابق سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية، كما يخشى باسيل في ظل خلافه مع الحريري ان تكون الحكومة المقبلة برئاسة الاخير محطة لمحاصرته بدلا من ان تكون محطة لاراحة العهد. واضافت المصادر المطلعة ان توجس باسيل ان يعمل التحالف الثلاثي على عرقلة العهد في سنتيه الاخيرتين من تحقيق ما يجب تحقيقه، خاصة ان الوطني الحر يدخل الحكومة المرتقبة في ظل تناقض كبير مع الاشتراكي وحركة أمل وتيار المستقبل وفي ظل فتور مع حزب الله.
وتعقيبا على هذه الاجواء المذكورة، رأت المصادر المطلعة ان الوزير جبران باسيل يتحمل مسؤولية اساسية عما وصلت اليه الامور مع باقي الاحزاب نتيجة سياسته المتقلبة. وعلى هذا الاساس، ذهب رئيس التيار الوطني الحر باتجاه تأجيل الاستشارات النيابية ليبعث برسالة الى سعد الحريري مفادها انه لا يمكنه ان يأتي رئيسا مكلفا دون ان يتشاور ويتعاون مع جبران باسيل. واضافت المصادر المطلعة ان الرئيس عون أيد فكرة تأجيل الاستشارات النيابية ليقول ايضا لسعد الحريري إنه لا يمكن ان يأتي رئيسا مكلفا ويؤلف حكومة تكون على خصومة مع العهد. وهذا التأجيل ان دل على شيء، فهو يدل على ان العهد والتيار الوطني الحر سيتشددان اكثر من الثنائي الشيعي في تسمية وزرائهم في الحكومة المقبلة، كما ليوضح للحريري ان مدخل التأليف هو بعبدا وليس عين التينة ولا كليمنصو. وترجح المصادر المطلعة للديار انه في حال لم يحصل لقاء بين باسيل والحريري، فان الرئيس عون سيؤجل مرة جديدة الاستشارات النيابية.
الادارة الاميركية تحقق نجاحا بانطلاق مفاوضات ترسيم الحدود
في غضون ذلك، قالت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى للديار ان بقاء مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد شنكر في بيروت رغم انتهاء اول اجتماع لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية ولقاءه برئيس الجمهورية ومعظم المسؤولين اللبنانيين تندرج في سياق التأكيد الايجابي للمسار التفاوضي واستكمال ترسيم الحدود البحرية حيث تعتبر الادارة الاميركية انها حققت نجاحا بمجرد انطلاق المفاوضات. كما اشارت هذه المصادر الى ان شينكر خلال لقاءاته شدد على ان اي حكومة ستتشكل في المدى القريب او البعيد يجب ان تكون حكومة اصلاحية حقيقية.
مصادر مقربة من حزب الله : علاقة المقاومة مع الرئيس عون راسخة وثابتة
من جانبها، اكدت مصادر مقربة من حزب الله للديار ان علاقة المقاومة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون راسخة وثابتة مشيرة الى ان حزب الله له ملء الثقة بوطنية عون وحرصه على حصول لبنان على موارده الطبيعية. واشارت هذه المصادر الى ان اتصالات ومشاورات حصلت بين حزب الله والرئيس عون حول وجود مدنيين في الوفد اللبناني المفاوض، وعندما بقي التباين في هذا الموضوع اصدر الثنائي الشيعي البيان تعبيرا عن وجهة نظره.
وعلى صعيد الملف الحكومي، وصفت مصادر مقربة من حزب الله قول بعض النواب في التيار الوطني الحر ان هناك اتفاقاً بين سعد الحريري ووليد جنبلاط والثنائي الشيعي في الحصة الوزارية على حساب المسيحيين بالغباء السياسي داعية التيار الوطني الحر ان يحل مشاكله اولا مع الاحزاب المسيحية، كما ذكرت بدفاع امين عام حزب الله عن صلاحيات رئيس الجمهورية بعد خطاب ماكرون. وفي هذا السياق، اشارت هذه المصادر الى كلام سماحة السيد حسن نصرالله عندما توجه للرئيس الفرنسي في كلمته يوم 29 ايلول الماضي حيث قال : “أهم صلاحية لرئيس الجمهورية هي المشاركة بتشكيل الحكومة كانت ستسقط” لافتا الى انه “على الفرنسيين أن ينتبهوا أن أهم صلاحية لرئيس الجمهورية كانت ستُصادر”. بمعنى آخر، ان هذه الصلاحية هي من بين الصلاحيات القليلة التي لم ينتزعها اتفاق الطائف من رئيس الجمهورية.
وفي السياق ذاته، اعتبرت المصادر المقربة من حزب الله ان تعليق النائب زياد اسود في مقابلة تلفيزيونية “عايشين بقنينة” غير مقبول. ويذكر ان اسود اعتبر ان الوفد اللبناني اذا تفاوض بشكل مباشر او غير مباشر مع العدو الاسرائيلي يصب في خانة الشكليات ومضيفا “عايشين بقنينة”.
واضافت المصادر المقربة من حزب الله ان هناك اصواتاً شاذة تتكلم في مواضيع جوهرية آملة ان يتم تصحيح هذا الكلام من القيادة في التيار الوطني الحر، اي من خلال الوزير جبران باسيل.
النائب عطالله : على الحريري ان يتعامل مع المسيحيين كما يتعامل مع الشيعة والدروز
من جهته، أوضح النائب في كتلة لبنان القوي جورج عطالله ان الرئيس سعد الحريري يسمي وزراء السنة، وبطبيعة الحال الطائفة السنية حصلت على حقها، كما اعطى الثنائي الشيعي ما يريد، وكذلك الامر مع الدروز حيث حل الخلاف مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بتلبية مطالب الاخير. ولكن لا يتعامل الحريري بالطريقة نفسها مع المسيحيين وفقا للنائب عطالله، وهذا امر لا يقبله التيار الوطني الحر.
وتابع النائب جورج عطالله ان الثنائي الشيعي اصدر بياناً جاء فيه “ما لم نعطه لمصطفى اديب، لن نعطيه لأي احد اخر”. انما اليوم نرى ان الاتصالات اصبحت ايجابية بين الحريري والثنائي الشيعي، وهذا يدل على ان الحريري وافق على شروط الثنائي. واضاف ان الامر نفسه حصل مع جنبلاط، اذ ان الاخير رفض استقبال وفد المستقبل، الى جانب قيام الحريري بانتقاد جنبلاط بشكل لاذع في مقابلته التلفيزيونية. اما اليوم فتحسنت العلاقة بين جنبلاط والحريري الذي تجاوب الاخير مع مطالب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي. اما الطائفة السنية، فسعد الحريري يمثلها وهو يسمي وزراء السنة.
وهنا لفت النائب عطالله الى ان سعد الحريري يذهب باتجاه صيغة تستند الى ارضاء الدروز والشيعة والسنة دون اخذ بعين الاعتبار مطالب الكتل المسيحية. وعلى هذا الاساس، دعا عطالله الحريري الى التعامل مع القوى المسيحية على غرار تعامله مع الثنائي الشيعي والدروز والسنة.
وكشف النائب في كتلة لبنان القوي ان هناك حلين لا ثالث لهما لتشكيل حكومة في لبنان. الحل الاول يقضي بتشكيل حكومة اختصاصيين على ان يكون الرئيس المكلف ايضا اختصاصياً، كما كانت الحال مع مصطفى اديب. وفي هذه الحال ننسحب من الصورة وينطبق هذا الامر على باقي القوى السياسية ونترك للرئيس المكلف غير السياسي ان يشكل الحكومة. وللتذكير قال النائب جورج عطالله ان التيار الوطني الحر اعترض على ما فعله الثنائي الشيعي مع الرئيس المكلف مصطفى اديب.
اما الحل الثاني فهو التوجه الى تشكيل حكومة تكنوسياسية تضم معظمها وزراء اختصاصيين وتكون مطعمة بسياسيين، وفي هذه الحال التيار الوطني الحر لن يعترض اذا كان رئيس الحكومة سياسياً او اختصاصياً.
القوات اللبنانية : تأجيل الاستشارات النيابية لا علاقة له بالميثاقية
وحول تبرير البعض بأن التأجيل حصل لان الميثاقية كانت غائبة في الاستشارات النيابية، قالت مصادر القوات اللبنانية للديار ان تأجيل الاستشارات لا علاقة له بالميثاقية لا من قريب ولا من بعيد واي تذرع في هذا الامر فهو في غير مكانه. واشارت المصادر الى ان بيان رئاسة الجمهورية لم يتطرق الى الميثاقية، بل عزا التأجيل الى تمني بعض الكتل النيابية ذلك دون ان يسميها. وتابعت مصادر القوات اللبنانية ان الميثاقية تعني اكثرية نيابية سياسية داخل بيئة طائفية معينة تقاطعت على هدف سياسي وذهبت باتجاه مقاطعته او تاييده بخلفية مذهبية.
وفي هذا السياق، اوضحت المصادر ان موقف القوات اللبنانية من عدم تسمية الرئيس سعد الحريري ليس نابعا من موقف طائفي، فالقوات تعتبر ان تيار المستقبل هو صديق لها وانه الفريق الاقرب للقوات. وأضافت ان اختيار القوات اللبنانية عدم تسمية احد هو موقف من الطبقة السياسية، والتقاطع مع التيار الوطني الحر غير منسق، وكل طرف له اسبابه.
التقدمي الاشتراكي : التأخير في الاستشارات النيابية تكريس للازمة بدلا من حلها
بدوره، قال امين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ضافر ناصر للديار ان اي تأخير في الاستشارات النيابية يعني مزيداً من استهلاك للوقت غير المفيد، اضافة الى ان التأخير هو خطأ سياسي لانه يؤدي الى تأخير تنفيذ المبادرة الفرنسية وتشكيل الحكومة وتطبيق الاصلاحات، وبالتالي يشكل التأخير في الاستشارات النيابية مساهمة اضافية في تكريس الازمة بدلا من حلها.
واعتبر ناصر ان تأجيل الاستشارات النيابية واتهام الحريري بتجاوز المكون المسيحي هو امر غير صحيح، ذلك ان الحريري ارسل وفد المستقبل الى القوات اللبنانية وايضا الى التيار الوطني الحر، مشيرا الى ان ادخال الوطني الحر الطائفية في الملف الحكومي كمن يغطي السماوات بالقبوات. وبمعنى آخر، ان السبب الحقيقي والرئيسي لتأجيل الاستشارات النيابية الى الخميس المقبل الواقع في 22 تشرين الاول هو سعي الوزير جبران باسيل الى استعادة معادلة باسيل – الحريري في ادارة الحكومة وفقا لامين سر الحزب التقدمي الاشتراكي.
ولفت ناصر في هذا الاطار الى الانزعاج الفرنسي من تأجيل الاستشارات معتبرا ان هذا الانزعاج ان دل على شيء فهو ان نهج التعطيل لاسباب شخصية لم يعد مقبولا خارجيا ايضا.
وساطة “حزب الله” بين العشائر
على صعيد اخر، وفي معلومات خاصة لـ “الديار” عقد لقاء مصالحة بين عشيرتي شمص وجعفر برعاية وحضور الوكيل الشرعي العام للإمام الخامنئي في لبنان الشيخ محمد يزبك والشيخ شوقي زعيتر وممثلين عن العشائر والعشيرتين و”لجنة المصالحة العشائرية” المؤلفة من وجهاء العشائر. وقد اتفق الحاضرون على حصر المشكلة في تسليم المطلوبين، ولا سيما قتلة محمد شمص على خلفية قتل اخوته من آل شمص المدعو عيسى جعفر قبل سنتين.
وتم الاتفاق على الاحتكام الى تسليم المطلوبين الى القضاء. وأكد المجتمعون دعم الجيش والتمسك بالدولة ومنع اي فرصة للعدو الاسرائيلي والتكفيريين والطابور الخامس للعبث في البقاع وبث الفتنة بين العشائر والمقاومة وأهل البقاع عامة سنة وشيعة.