كل الاحتمالات واردة والخيارات كلها مفتوحة”، عبارة تختصر ضبابية المشهد الحكومي وسيناريواته المتأرجحة بين أكثر من اتجاه، عكستها مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن” رافضةً استبعاد أي احتمال أو خيار في ترقّب ما ستحمله الأيام الفاصلة عن خميس الاستشارات المقبل، بما في ذلك إمكانية أن يعمد رئيس الجمهورية ميشال عون إلى “تمديد الموعد الممدّد” أسبوعاً إضافياً في حال لم يُشبع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل رغباته الشخصية والوزارية، ليكون حينها الرئيس سعد الحريري بين خيارين، إما أن يبقى “رئيساً مكلفاً مع وقف التنفيذ” بانتظار إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليفه دستورياً، أو أن ينفض يده من عملية التكليف والتأليف برمتها ويترك للعهد العوني وحده تحمّل مسؤولية إجهاض المبادرة الفرنسية وقيادة دفّة البلاد نحو “جهنّم” الموعودة.
وبالانتظار، يتواصل الكباش المكتوم بين “تبريد” بيت الوسط و”تصعيد” ميرنا الشالوحي، حيث آثر الحريري الاعتصام بحبل “الصمت المليء بالأجوبة” مقابل نَفَس تصعيدي متصاعد وأجواء غليان بدت طاغية على أداء باسيل وتسريباته الإعلامية خلال الساعات الأخيرة، إلى درجة بلغ معها مستوى محاولة تجييش الفرنسيين وتحريضهم على الحريري باعتبار تكليفه هو بمثابة “خروج عن المبادرة الفرنسية”.
أما فرنسا التي نددت أمس الأول على لسان مصادر الإليزيه لـ”نداء الوطن” بقرار إرجاء الاستشارات النيابية ورأت فيه “مزيداً من التعطيل والعرقلة”، فجددت أمس الإعراب عن هذا التنديد من خلال وزارة خارجيتها، محملةً القوى السياسية اللبنانية مسؤولية “التعطيل الممدد الذي يمنع الاستجابة لتطلعات الشعب اللبناني”. وأوضحت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية أنه “في وقت تشهد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تفاقماً جراء نتائج انفجار 4 آب التي أثّرت بقساوة على اللبنانيين، فإنّ تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الاصلاحات الضرورية يستمر في التأخّر رغم الالتزامات التي قدمتها القوى السياسية اللبنانية بمجملها”، مؤكدةً استمرار فرنسا في إبداء استعدادها “لمواكبة لبنان على طريق الاصلاحات التي وحدها تتيح تعبئة الأسرة الدولية” لمساعدة اللبنانيين، ومشددةً على أنه يعود للمسوؤلين اللبنانيين أنفسهم المفاضلة بين اختيار “النهوض أو الشلل والفوضى”.
في الغضون، تكافح دوائر قصر بعبدا على مدار الساعة لتلميع صورة عون في أعين العواصم الدولية ومحاولة التعمية على دوره في تعطيل الاستحقاقات الدستورية والإصلاحات البنيوية، المطلوبة من المجتمع الدولي. فهي إذ سارعت إلى تجنيبه رداً مباشراً من الإليزيه على تسريب شائعة اتصاله بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي هدفت إلى الإيحاء بأن قرار تأجيل الاستشارات أتى بالتنسيق مع فرنسا، لتستدرك مصادر بعبدا وتبادر بنفسها إلى نفي حصول هذا الاتصال، لم تفلح هذه “الخزعبلات” الإعلامية مع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر المعروف بأسلوبه “الفج” في مقاربة الملفات، بحيث لم يتردد في إحراج عون من خلال الرد على محاولة تحريف كلامه عن “سيف الشفافية” المعلّق في مكتب رئيس الجمهورية في البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لقصر بعبدا.
فبعدما نسب بيان القصر الجمهوري كلاماً للمبعوث الأميركي يوحي وكأنه ينوّه “بالدور الايجابي الذي يلعبه الرئيس عون في قيادة مسيرة مكافحة الفساد وتغيير النهج الذي كان سائداً في السابق”، تداركت السفارة الأميركية في بيروت هذا التحوير في الحقائق وصوبّت الموضوع منعاً لتأويل شينكر ما لم يقله عبر تحميل كلامه إشادة مدعاة بأداء عون كما جاء في بيان بعبدا، فأوضحت السفارة في بيان صادر عن المتحدث باسمها كايسي بونفيلد أنّ مساعد وزير الخارجية الأميركية إنما “حثّ الرئيس عون على استعمال سيف الشفافية (بشكل مجازي) وتغيير نهج الحكم” في معرض تلميحه إلى “القول المحفور على السيف المعلّق في مكتب رئيس الجمهورية والذي كُتب عليه: الشفافية هي السيف الذي يقضي على الفساد”.