كتبت صحيفة الديار تقول: “لبنان الى زوال وعلى شفا الانهيار ما لم تتغير المقاربة وتعتمد اصلاحات عاجلة”، هذا ما قاله منذ شهر مضى وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان في احدى مداخلاته عن الحالة في لبنان. في الحقيقة، لبنان “الدولة” ينهار، الأدوية مقطوعة في الصيدليات، المواطنون يتوسلون علبة دواء من هنا وهنالك، يقفون في الصف لساعات للحصول على جزءٍ يسير من الدواء يكفيهم لأيام. في البنزين والمازوت، حدث ولا حرج، الطوابير أمام محطات الوقود لا تعد ولا تحصى، بينما اللبنانيون مقبلون على فصل الشتاء والطلب على المحروقات سوف يزداد. أما المواد الغذائية والمهددة كباقي المواد المذكورة آنفاً برفع دعم مصرف لبنان عنها جزئياً أو بشكل كامل في مرحلة لاحقة، فهي أصلاً مقننة وأسعارها تفوق بأضعاف قدرة اللبنانيين الشرائية الضعيفة بعد تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، أضف الى ذلك تعميم مصرف لبنان الأخير الذي وضع سقفا للسحوبات الشهرية بالليرة اللبنانية من المصارف، ما ادى الى تحويل الأقتصاد أكثر فأكثر الى اقتصاد ” الكاش”.
كل هذا يحصل والناس تسأل أين الدولة وأين حكومة تصريف الأعمال مما يحصل؟. رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب يكتفي منذ أيام بتحذير مصرف لبنان من رفع الدعم، بينما كان عليه أن يقف في السابق مدافعاً عن خطة حكومته للتعافي الإقتصادي بدل أن يتراجع عنها هو ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبعض الوزراء تحت ضغط لوبي المصارف وتحالف رجال الأعمال مع بعض النواب، اضافة الى الأبواق الاعلامية التي كانت تهاجم بكل الوسائل المتاحة الخطة التي كانت ستعيد للإقتصاد عافيته وللبنانيين أموالهم. اليوم تتباكى السلطة السياسية على السلطة المالية طالبة منها تمديد الدعم ولو جزئياً بينما كان بيدها تغيير موازين القوى لو “شدت ركابها” يوم كانت المعركة “بتحرز”. يوم استقال مدير عام المالية العامة آلان بيفاني، سُأل ماذا ينتظر اللبنانيين بعد أن أفشلت الخطة الإقتصادية وتراجعت الحكومة عنها، آنذاك قال بالفم الملآن أن الشعب اللبناني هو من سيدفع الثمن بافقاره وحرمانه من أبسط حقوقه، وها نحن وصلنا الى ما حذر منه بيفاني.
مافيات الأدوية والأغذية …وغياب الدولة
بالعودة الى الأزمة المستفحلة، الناس تسأل أين الأجهزة الأمنية والرقابية من استيلاء المافيات على مخزون الأدوية ومنعها عن المصابين بالأمراض المستعصية؟ لماذا تسمح الأجهزة الأمنية والرقابية لوكلاء الأدوية وللصيدليات بتخزين الدواء وبيعه في السوق السوداء بالدولار الأميركي أو تهريبه للخارج بغية مضاعفة الأرباح؟ هل توزع الأرباح من هذه التجارة السوداء سواسية على المسؤولين الأمنيين والرقابيين في المناطق والأقضية والمحافظات كي يمتنعوا عن مداهمة المخازن والصيدليات؟ بالأمس شاهدنا وزير الصحة حمد حسن يداهم بعض الصيدليات والمخازن في البقاع الأوسط، ويكشف المستور عن كميات هائلة من الأدوية المفقودة في السوق، ولكن كم بوسع هذا الوزير الآدمي والنشيط والاستثنائي أن يفعل وحيداً؟
السؤال نفسه يطرح على المحروقات التي تلاقي المصير ذاته من تخزين وبيع في السوق السوداء وتهريب عبر الحدود، أما الأزمة الأخطر والتي بدأت تقض مضاجع اللبنانيين مرتبطة بالمواد الغذائية التي تخطى حد الغلاء فيها كل المقاييس نتيجة الأزمة الإقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان اذ أصبحت قيمة الدولار ما يقارب 8 آلاف ليرة ، ووصلت نسبة التضخم إلى ما يزيد عن 430%، ليضيف خبر اقتراب رفع الدعم جزئياً عن بعض المواد وكلياً عن بعضها الآخر دافعا للتجار بتخزينها وتقنين التوزيع على المحلات التجارية من “سوبرماركات” وغيرها علهم يجنون أرباحا طائلة منها بعد رفع الدعم. اضافة الى كل ما ذكرناه، حل تعميم مصرف لبنان الأخير بتحديد السحوبات بالليرة اللبنانية بسقفٍ معين كالصاعقة على سوق المواد الغذائية (وغيرها من الأسواق) ليدفع بأصحاب المحلات والمراكز التموينية الى البدء برفض البطاقات الإئتمانية (المصرفية) والشيكات وقبول العملة النقدية فقط أي “الكاش” كشرط لبيع البضائع، كون الموزع أو الوكيل لا يقبل الا بال “كاش” لتسليم البضائع. بالمحصلة، سيؤدّي الأمر إلى خفض القدرة الشرائيّة لدى المواطن اللبناني وبالتالي خفض المبيعات وفي المدى القريب الى أزمة طعام و”بطون” خاوية في البلاد.
الملف الحكومي … وبيان “التيار”
على الصعيد الحكومي، برز أمس رفض التيار الوطني الحر “الرسمي” لتسمية الرئيس سعد الحريري بالاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا الخميس المقبل لتأليف الحكومة المقبلة، على قاعدة أن الحريري ليس اختصاصياً كي يترأس حكومة اختصاصيين، ويأتي هذا الموقف بعد أن كان رفض الحريري مشاركة النائب جبران باسيل شخصياً في الحكومة بما أن الحكومة سوف تتألف من اختصاصيين. وفي هذا السياق، علق المكتب الاعلامي للحريري في اتصالٍ مع الديار، ان من حق النائب باسيل رفض تسمية الحريري وأن موقفه كان معلوما منذ البداية، أما عن الخطوات اللاحقة التي سيعتمدها الحريري، فأكد المكتب الاعلامي أن الحريري يلتزم سياسة “الصمت المفيد”.
من جهته، اعتبر النائب السابق مصطفى علوش أن الحريري قد لا يمانع ان يعرض عليه من قبل الأحزاب التي سوف تسميه في حال التكليف، أسماء اختصاصيين للتوزير غير أن هذا الملف يبحث بعد التكليف وليس قبله.
بالمقابل، اعتبرت مصادر قصر بعبدا أن الرئيس عون لا يفرض على التيار الذي يدعمه أي “الوطني الحر” تسمية أي مرشح لرئاسة الحكومة، غير أنها رجحت أن التمثيل الوزاري الذي سيحظى به الرئيس عون في الوزارة في حال تكليف الحريري، سوف يعوض عن غياب التمثيل الوزاري للتيار الوطني الحر.
ولكن هل يسير عون بحكومة لا يتمثل فيها التيار الوطني الحر؟
على الارجح لن يسير رئيس الجمهورية العماد عون وهو علي مسافة سنتين من انتهاء ولايته الرئاسية بحكومة لا يتمثل فيها التيار الوطني الحر.
وبما ان الدستور يقول بأن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف هما شريكان في تأليف الحكومة فطبعا سيكون هذا الموضوع مدار بحث بين الرئيس عون والرئيس الحريري لايجاد مخرج لتمثيل اكبر تكتل نيابي في مجلس النواب. كما انه لا يغيب عن البال ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتابع مع خلية الازمة الفرنسية المختصة بوضع لبنان مسألة تأليف الحكومة وبازالة العقبات من امام تكليف الرئيس سعد الحريري، وقد حصل هذا السنياريو بين الوزير وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري من خلال اتصالات هاتفية اجراها الرئيس الفرنسي ماكرون مع كل من جنبلاط والحريري، وعلى اثر ذلك حصل اتصال مباشر بين الحريري وجنبلاط وتم الاعلان عن حلحلة موقف جنبلاط تجاه ترشيح الرئيس سعد الحريري وان لقاء سيحصل بين “الزعيمين” في الساعات ال48 او 72 القادمة.
هذا السيناريو سوف ينطبق ربما على الوزير جبران باسيل والرئيس سعد الحريري كون الحريري الذي قال انه لن يتفاوض على التأليف قبل تكليفه سوف يستقبل جنبلاط قبل يوم الخميس وبالتالي اصبح واردا جدا لا بل منطقيا ان تحصل مبادرة فرنسية تجمع الحريري بباسيل. والرئيس عون سوف يواكب مبادرة الرئيس ماكرون ويقوم باتصالات مع الرئيس الحريري ومع الوزير جبران باسيل لاتمام المناخ الكامل لتكليف الحريري وبعدها تأليف الحكومة.
ماذا عن موقف حزب الله؟
تؤكد مصادر حزب الله أنها تسعى دائماً أن تحصل أي حكومة على توافق سياسي عريض يسهل عملها، خصوصاً في حالة الحكومة العتيدة التي ينتظرها ملفات دسمة وأزمة اقتصادية حادة للمعالجة. وعن تمثيل “الوطني الحر”، تؤكد المصادر أن الحزب يحبذ ويسعى دائماً لأن يتمثل حلفاؤه ويشاركوا في أي حكومة، وتضيف المصادر أن الحزب حريص أن يكون صوت “التيار” مسموعا لدى الرئيس الحريري غير أن في حالة “الوطني الحر” القرار جاء من رئيسه بعدم التسمية والمشاركة وهذا أمر يعود له. ولدى السؤال عن وساطة يقوم او قد يقوم بها الحزب بين الحريري وباسيل، اجابت المصادر بالنفي، غير أنها لم تستبعد ان يقوم الجانب الفرنسي بدور الوسيط وتقريب وجهات النظر بين الطرفين مع بداية الأسبوع القادم.
“الثورة” أضاءت شمعتها الأولى في محيط مرفأ بيروت
على صعيد آخر، وفي الذكرى السنوية الأولى لثورة 17 تشرين، انطلقت مسيرات من مختلف المناطق اللبنانية تأكيدا على ان الثورة مستمرة ولم تنطفئ.
ومنذ الساعة الثالثة، تواصل توافد الحافلات التي تقل الوفود الشعبية من مختلف المناطق (من الشمال وحتى الجنوب) الى ساحة الشهداء، رافعين الإعلام اللبنانية واللافتات ومكبرات الصوت، على وقع الأغاني والأناشيد الوطنية في ذكرى 17 تشرين. وأكد عدد من المشاركين أن هذا التحرك هو استكمال لما بدأ في 17 تشرين الأول 2019، وأن التحركات مستمرة حتى “تحقيق المطالب المشروعة وإعادة النهوض بالوطن من جديد، وصولا إلى دولة المواطنة وإلغاء دولة الطائفية والمحاصصة، وضرورة تشكيل حكومة ثورية لديها صلاحيات استثنائية تشريعية لرد المال المنهوب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة”.
وفي وسط بيروت، أقدم شبان من المتجمعين برمي الحجارة والمفرقعات النارية بإتجاه القوى الامنية في محيط بلدية بيروت. وعملت القوى الأمنية على ملاحقة بعض المشاغبين.
في حين، نجحت القوى الأمنية في إخلاء شارع البلدية من المحتجين، بالتزامن مع رمي الحجارة والمفرقعات النارية بإتجاه القوى الأمنية.
الى ذلك، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، عبر “تويتر”: “تداولت بعض وسائل الاعلام خبرا حول استخدام عناصر قوى الأمن للغاز المسيل للدموع باتجاه المتظاهرين امام مصرف لبنان في الحمرا.
يهم هذه المديرية العامة أن توضح أن هذا الخبر عارِ عن الصحة، انما تم القاء المفرقعات النارية من قبل بعض المتظاهرين”.
المسيرات التي انطلقت صباح أمس وصلت إلى محيط مرفأ بيروت، حيث أضاء المشاركون شعلة الثورة أمام تمثال المغترب عند السادسة وسبع دقائق، أي توقيت انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي. ورفع المتظاهرون المحتشدون في المكان مشاعل مضاءة، مرددين النشيد الوطني..
وكان المتظاهرون احتشدوا أمام الشعلة مقابل مؤسسة كهرباء لبنان، رافعين لافتات تطالب بمحاسبة من كان مسببا للانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، ووجهوا التحية إلى أرواح الشهداء، وسط إجراءات للجيش وقوى الأمن الداخلي، وتحويل السير إلى شوارع الصيفي الداخلية.
وكانت كلمات للمناسبة من منظمي الاحتفال، شددت على “مواصلة الثورة واستمرارها بقوة اكبر حتى اسقاط المنظومة الحاكمة واستعادة الاموال المنهوبة”.