في الوقت الذي حقق المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم نتائج مهمة في زيارته الى واشنطن حيث من المقرر ان ينتقل منها الى باريس للقاء المسؤولين الفرنسيين، وفي الوقت الذي احيا اللبنانيون ذكرى مرور سنة على انتفاضة 17 تشرين، استمر فريق الريس ميشال عون وصهره جبران باسيل في وضع العصي في دواليب المبادرة الانقاذية التي اطلقها الرئيس سعد الحريري لتعويم المبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة اختصاصيين.
الراعي وعودة
فقد روجت مصادر سياسية يقال انها مقربة من بعبدا معلومات عن احتمال تأجيل الاستشارات النيابية مرة ثانية ، خصوصا بعد صدور موقف بالغ السلبية من المبادرة الفرنسية اطلقه التيار الوطني الحر برفض تسمية الحريري لرئاسة الحكومة ، واثارة المزيد من الغبار تحت شعار الميثاقية . وهذا السلوك حدا بالبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي للغمز من قناة عون عبر اطلاق موقف حاد من الذين يملكون ترف الوقت لتأخير الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة؟ معتبرا ان المسؤولين السياسيين فقدوا الحياء واحترام الشعب والعالم، والقيمون على الدولة عطلوا دورها ككيان دستوري في خدمة الشعب والمجتمع.
وقال: إرفعوا أياديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها. فأنتم مسؤولون عن جرم رمي البلاد في حالة الشلل الكامل، إضافة إلى ما يفعل وباء كورونا.
بدوره سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده لماذا كل هذا التردد والتأجيل في تشكيل حكومة تنقذ الوطن الجريح والشعب الكسيح؟
بومبيو
وبالتزامن مع احياء ذكرى 17 تشرين برزت سلسلة مواقف دولية داعية الى الاصلاح والى تغيير النهج فوجه وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو رسالة للمسؤولين اللبنانيين فغرد قائلا: “منذ عام من اليوم، بدأ اللبنانيون بالنزول إلى الشوارع للمطالب بالإصلاحات، وبتحسين الحكم، ووضع حد للفساد المستشري الذي خنق إمكانات لبنان الهائلة. تبقى رسالتهم واضحة ولا يمكن إنكارها، فالعمل كالمعتاد غير مقبول”.
فرنسا
جدّدت فرنسا دعوتها للمسؤولين اللبنانيين إلى التوافق لتشكيل حكومة، واعتبرت أنه حان وقت “اختيار النهوض بدل الشلل والفوضى”. واوضحت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن “تشكيل حكومة مَهمّة قادرة على تطبيق الإصلاحات الضرورية لا يزال مؤجلا، رغم الالتزامات التي أعادت مجمل القوى السياسية اللبنانية تأكيدها”. وأضافت “تعود لهؤلاء، ولهم وحدهم، مسؤولية الانسداد المطول الذي يمنع أي استجابة للانتظارات التي عبّر عنها اللبنانيون”، وشددت على أن باريس “مستعدة لمساعدة لبنان في الإصلاحات الكفيلة لوحدها بتعبئة المجتمع الدولي”.
بريطانيا
اما السفير البريطاني في لبنان كريس رامبلينغ، فغرد عن ثورة 17 تشرين، مؤكدا أن: “على لبنان أن يجد طريقه للعودة إلى الاستقرار والازدهار. الكل يعرف ما يجب أن يحدث، والمجتمع الدولي يبقى متحداً حول وجوب القادة أن يحققوا إنجازات حيث فشلوا حتى الآن. إن الإصلاحات العاجلة و حكومة جديدة فعّالة، مع وضع المصلحة الشخصية والمجتمعية جانباً، أصبحت أكثر أهمية الآن، هناك سبب للأمل. هناك الآن نقاش مفتوح حول حجم التغييرات الضرورية، والقضايا التي لطالما كانت من المحرمات. هناك أشخاص طيبون في أجزاء من الإدارة، وهم بحاجة إلى الدعم. أغلبية الشعب اللبناني تدفعه القيم الحميدة. فليس من دون معنى أن يسود الطابع السلمي الحراك وأن يتم دفع الأفراد بدرّاجاتهم خارج الحشود. فقد تشهد وحتى أنها شهدت بلدان أخرى كمّاً أكبر من العنف.”
ولفت الى انه: “اليوم نحن ندعم مجالات جديدة مثل الصحة بينما نضاعف دعمنا في مجالات عدة مثل الأمن والتعليم والإنسانية”.
سلبية التيار
اما التيار الوطني الحر فأكد مجلسه السياسي تمسّكه بالمبادرة الفرنسية وبتشكيل حكومة مهمّة يكون رئيسها ووزراؤها من أهل الإختصاص وتكون إصلاحية منتجة وفاعلة برئيسها ووزرائها وبرنامجها، على أن تدعمها الكتل النيابية. وأجمع خلال اجتماعه الدوري الكترونيا برئاسة رئيسه النائب جبران باسيل على “عدم تسمية دولة الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة بإعتباره ليس صاحب إختصاص مع تأكيد الإحترام لشخصه ولموقعه التمثيلي والسياسي. ورفض المجلس السياسي “تسخيف الخلاف حول هذه النقطة بتصويره خلافًا شخصيًا يمكن حلّه بلقاء أو بإتصال هاتفي، كما تحوير موقف التيار في الإعلام والسياسة من خلال حملة ممنهجة تصوّر موقفه وكأنه متوقف على إتصال سياسي لم يطلبه التيار أصلاً بل جاء التداول فيه نتيجة حملة إتصالات قام بها تيار المستقبل ورئيسه ونتيجة فبركات سياسية إعلامية صار التسويق لها. وأكد المجلس أن قرار رئيس الجمهورية بتأجيل الإستشارات أمرٌ يعود له، “لكنه في مطلق الأحوال لن يُغيّر في موقف التيار، وفي الوقت نفسه يؤكد التيار الوطني الحر تمسكه بإستمرار الحوار مع تيار المستقبل وهو سيعمل على تطويره تنفيذًا للبرنامج الإصلاحي تبعًا لما تم الإتفاق عليه في خلال زيارة وفد المستقبل للمقر المركزي للتيار قبل أيام”.
احتفالات 17 تشرين
متحدية جائحة كورونا وتداعياتها المنهكة، والجدران الامنية المنصوبة امامها، استعادت ساحة الشهداء حلة ثورة 17 تشرين لإحياء الذكرى السنوية الاولى لانطلاقتها. الوفود من مختلف المناطق انهت استعداداتها توجّهت بكثافة للمشاركة في الاحتفال المركزي. من ساحة صور ومن تعلبايا وبعلبك وطرابلس وقرى جبل لبنان وكل البلدات انطلقت المواكب للمشاركة في الاحتفال الرسمي حيث تضاء شعلة الثورة. كما عمّت الاحتفالات والمسيرات مختلف المناطق. وفي ساحة الشهداء احتفلت مجموعات من الحراك بعد الظهر بالمناسبة، وسط الاغاني والاناشيد الثورية ورفع الإعلام اللبنانية ويافطات ترفض السلطة القائمة وسياسة الفساد والمحاصصة والمحاور وتطالب بانتخابات نيابية مبكرة وقانون عادل ونظام منبثق من ارادة الشعب، وألقيت كلمات لعدد من منظمي الاحتفال، شددوا فيها على “استكمال الثورة حتى تحقيق كافة المطالب وهي تأمين العدالة الاجتماعية، استعادة الاموال المنهوبة، محاسبة الفاسدين، إلغاء النظام الطائفي وانتخابات نيابية مبكرة. ثم قلد المنظمون “وسام الثورة” للعديد من المحتجين وأهالي الشهداء والجرحى والمعتقلين.
الراعي ينتقد تأخير الإستشارات إرفعوا أيديكم عن الحكومة
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في بكركي، وألقى عظة مما قال فيها: مرت سنة كاملة على انطلاق الثورة الشعبية، من أجل التغيير في ذهنية السياسيين، ودور المجتمع وأداء مؤسسات الدولة. لكننا نرى بألم وإدانة المنظومة السياسية تتجاهل عمدا وإهمالا وازدراء مطالب المتظاهرين وشعبنا: فلا تهزها ثورة، ولا تفجير مرفأ، ولا تدمير عاصمة، ولا انهيار اقتصاديا، ولا تدهور ماليا، ولا وباء، ولا جوع، ولا فقر، ولا بطالة، ولا موت أبرياء. فلا تؤلف حكومة، ولا تحترم مبادرات صديقة، ولا تجري إصلاحات، ولا تفاوض جديا مع المؤسسات المالية الدولية. لقد فقد الشعب الثقة بالجماعة السياسية والدولة، والمسؤولون السياسيون من جهتهم فقدوا الحياء واحترام الشعب والعالم، والقيمون على الدولة عطلوا دورها ككيان دستوري في خدمة الشعب والمجتمع.
لا أحد بريء من دم لبنان النازف. المسؤولية جماعية والحساب جماعي. من منكم، أيها المسؤولون والسياسيون، يملك ترف الوقت لكي تؤخروا الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة؟ من منكم يملك صلاحية اللعب بالدستور والميثاق ووثيقة الطائف والنظام وحياة الوطن والشعب؟ إرفعوا أياديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها. فأنتم مسؤولون عن جرم رمي البلاد في حالة الشلل الكامل، إضافة إلى ما يفعل وباء كورونا.
في الذكرى السنوية لإنطلاقة الثورة، نحن نعتبر أنها نجحت في إحداث تحول في الشخصية اللبنانية، وفي إعادة النبض إلى الشعب، وفي تزخيم طاقاته النضالية من أجل بناء دولة حرة، وطنية، قوية وعصرية. نجحت الثورة في توحيد جيل لبناني متعدد الانتماءات الدينية والثقافية والحزبية، فاندمج وجدانيا حول أولويات الحياة. ونجحت الثورة أيضا في تعزيز المفهوم السلمي للتغيير. منذ يومها الأول، رحبنا بهذه الثورة البهية، وأيدنا شبابها وشاباتها، ودعونا الدولة، بأجهزتها الأمنية والعسكرية، إلى احتضانها وحمايتها، وشجبنا التعرض للمتظاهرين الذين هم أبناؤنا ومستقبل لبنان. لكننا في المقابل نددنا بشدة بالمتسللين الذين اعتدوا على الأملاك الخاصة والعامة وعلى المؤسسات، وشوهوا وجه الثورة الحضاري. وإذ لا نزال نتطلع إلى الثورة بأمل، نريدها ثورة متجددة، ثورة أخلاقية مستقلة وغير تابعة لأحد في الداخل والخارج. نريدها ثورة موحدة وموحدة تحدد أهدافها اللبنانية بجرأة ووضوح. نريدها ثورة تحمل برنامجا اجتماعيا ووطنيا بناء، فلا يختلف الثوار على مطالبهم في الساحات وينزلقون في حلقات العنف. نريدها ثورة تطل بقيادة جديدة متفاهمة مع بعضها البعض، تمثل الشعب وتحاور الدولة والمجتمع الدولي. فلا ثورة من دون أهداف وبرنامج وقيادة. إنها لجريمة أن يخسر لبنان ثورته الرائعة. هذه فرصة لبنان لكي يغير من خلال الديمقراطية والتراث والقيم. فهلموا يا شباب لبنان وشاباته، إلى التغيير. أنتم مستقبل لبنان وعنكم قال صديقكم البابا يوحنا بولس الثاني انتم قوة لبنان التجددية، ونحن معكم.
عودة: دولتنا مائتة ومميتة في آن مازالت الحصص أهمّ من مصيرِ لبنان
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة قداس الاحد في كاتدرائية مار جاورجيوس في وسط بيروت، وألقى عظة مما قال فيها: منذ عام، فرحْنا واليوم نفرح ببدء تشكل الوعي الوطني الصادق الذي يرفض التبعية والإستزلام، ويفضح الفساد وسوء الحكم والإدارة، وينشد الدولة العادلة، دولة القانون والمؤسسات. لكن هذا الفرح يتلاشى مع عودة الروح الطائفية والقبلية والحزبية. لقدْ أثبتنا أننا لا نزال شعبا يحتاج الكثير من الوعي والحرية. هل فوتْنا فرصة صنع التغيير؟
ألا تثبت المماطلة في اتخاذ القرارات المهمة أن دولتنا مائتة ومميتة في آن؟ لم كل هذا التردد والتأجيل في تشكيل حكومة تنقذ الوطن الجريح والشعب الكسيح؟ لم كل تلك الإجراءات الخانقة والعراقيل الواهية؟ لم لا نطبق الدستور وننفذ بنوده دون اجتهاد أو تحريف؟ هل بسبب عبادة الأنا؟
ما زال اللبنانيون يصفقون للزعماء الذين يهدرون مستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويضيعون الفرصة تلو الأخرى لإنقاذ البلد، ولا يهتمون للوقت الذي يمر، ويجر وراءه ما تبقى من أمل في انتشال البلد من الحضيض، متمسكين بمماحكاتهم التافهة ومطالبهم العقيمة. ما زال عدد الوزارات وأسماء الوزراء والحصص أهم من مصير لبنان واللبنانيين. يهتمون بأمور كثيرة والحاجة إلى أمر واحد: إنقاذ البلد والتكاتف والعمل الجدي من أجل ذلك.
عودوا إلى ضمائركم يا أيها المسؤولون.