حدثٌ جلل وعد به وزير الصحة حمد حسن اللبنانيين: اللقاح قبل نهاية العام! إعلانٌ سابقٌ لعصره وأوانه لا شك سيقف العالم “بدهشة” أمامه كما سبق أن أدهشته “إنجازات” حسان دياب. من راهن على تجارب لقاحات دول العالم المتقدم ومن ينتظر مصادقة منظمة الصحة العالمية عليها سيخيب رهانه وانتظاره، فاللبنانيون باتوا على مرمى حجر من اللقاح ولم يعد يفصل بينهم وبين أولى جرعاته سوى شهر أو شهرين “بالحد الأقصى” كما تعهد حسن. لكن عن أي لقاح يتحدث، وكيف ومن أين سيتأمن، فهذه مسألة أخرى، لها ما لها وعليها ما عليها من علامات الاستفهام التي طرحتها مصادر صحية عبر “نداء الوطن” معتبرةً أنّ لهذا الإعلان “أبعاداً سياسية أكثر منها طبية”، تندرج ضمن إطار سياسة “الاتجاه شرقاً” عبر الدفع نحو استعجال استقدام اللقاح الروسي إلى لبنان مقابل استبعاد اللقاح الأميركي.
في الشكل، اتكّل حسن في تصريحه على انضمام لبنان إلى مجموعة “كوفاكس” العالمية للقاحات كورونا، التي تضمن لأعضائها حصة من اللقاحات فور تأمينها مجاناً ضمن إطار برنامج مساعدة دول العالم الثالث على مكافحة الوباء، أما في الجوهر، فثمة “تهميش مقصود” لأهمية مصادقة هيئة الغذاء والدواء الأميركية “أف دي آي” على اللقاح المنوي استحضاره للبنانيين، خصوصاً في ظل ما كشفته المصادر عن معلومات تشير إلى مسارعة وزارة الصحة لدفع الأمور باتجاه التعاقد مع شركة اللقاحات الروسية بغية قطع الطريق على إمكانية استقدام اللقاح الأميركي الذي تنوي طرحه شركة “فايزر” (Pfizer) الأميركية، محذرةً في المقابل من خطورة التقليل من شرط “الأمان” المطلوب توافره في أي لقاح قبل اعتماده في لبنان، حيث يبقى الأهم في اعتماد اللقاح ليس فقط التحقق من نسبة فاعليته ضد كورونا بل أيضاً ضمان عدم وجود أي مضاعفات جانبية لاستخدامه على جسم المريض، علماً أنّ هناك حالات أخضعت للتجارب السريرية على نوع من أنواع اللقاحات بينت أنه استطاع مكافحة الوباء لكنّه أضرّ في المقابل بالنخاع الشوكي للمريض.
أما الأوساط المواكبة لحركة وزارة الصحة، فتنفي وجود أي خلفيات سياسية وراء تصريح حسن، مؤكدةً لـ”نداء الوطن” أن الوزارة تواصلت مع كافة الشركات المعنية بتصدير اللقاحات، سواءً كانت أميركية أو روسية أو صينية، لكنّ المسألة مرتبطة بالتوقيت أكثر من أي شيء آخر. وإذ لم تستبعد إمكانية استحضار اللقاح الروسي إلى لبنان، أوضحت في هذا المجال أنّ كل المؤشرات والمعطيات تفيد بأنّ كبريات الشركات الأميركية المتخصصة باتت جاهزة لطرح لقاحاتها في الأسواق إنما جرى تأخيرها عمداً لأسباب متصلة بالسباق الرئاسي الأميركي، وعليه فإنّ لبنان ليس عليه أن يبقى منتظراً لما بعد انتهاء الحظر الأميركي على إصدار اللقاحات في حال تأمن له اللقاح من روسيا أو الصين.
وعن الأسئلة المتصلة بعدم تقديم روسيا أو الصين لقاحاتهما للمصادقة عليها من جانب منظمة الصحة العالمية، فلم تعتبر الأوساط ذلك أمراً مرتبطاً بجودة هذه اللقاحات من عدمها إنما هي مسألة تخضع لاعتبارات الخشية الروسية والصينية من “سرقة” تركيبة اللقاح قبل اعتماده وطرحه في الأسواق العالمية.
حكومياً، تبدو قوى 8 آذار متلهفة لعودة اللواء عباس ابراهيم في سبيل تقصي أجواء “التعليمة” الأميركية إزاء المرحلة اللبنانية المقبلة، كما عكست أجواء أوساطها خلال الساعات الأخيرة، في حين ستكون لابراهيم محطة فرنسية أيضاً في طريقه إلى بيروت، بحيث عُلم أنه سيبيت ليلةً في باريس وقد يحمل خلالها رسائل ذات صلة بالملف الحكومي إلى المعنيين في السلطة ربطاً بموجبات تنفيذ المبادرة الفرنسية.
وبالانتظار، يبدي رئيس مجلس النواب نبيه بري تفاؤله بأن يعبر الملف هذا الأسبوع من ضفة التكليف إلى ضفة التأليف، استناداً إلى الرهان السائد على استنفاد رئيس الجمهورية ميشال عون قدرته على تسويف موعد الاستشارات النيابية الملزمة وإرجائها إلى ما بعد الخميس المقبل. غير أنّ مصادر مواكبة للمجريات الحكومية لا تزال تساوي بين كل الاحتمالات والرهانات، وتحاذر التعويل على أي احتمال أو رهان بشكل قاطع “طالما أنّ الموضوع بالنسبة لرئيس الجمهورية مرهون بإرضاء جبران باسيل”، مشددةً لـ”نداء الوطن” على أنه “إذا كان الاتجاه الغالب خلال الساعات الأخيرة هو نحو إجراء الاستشارات في موعدها وتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، فإنّ ذلك لا يمنع حصول أي تبديل في المعطيات والتوجهات في بعبدا كما حصل عشية موعد الاستشارات الخميس الفائت”. وأعربت عن قناعتها في الوقت عينه بأنّ “إجراء الاستشارات الخميس المقبل لن يعني بالضرورة تسهيل ولادة الحكومة إنما قد ينقل الكباش الحكومي بين بعبدا وبيت الوسط من التوقيع على مراسيم التكليف إلى التوقيع على مراسيم التأليف في حال لم تحصل ضغوط خارجية كبيرة تفرض ولادة الحكومة سريعاً”.
تزامناً، استرعى الانتباه في عظة قداس الأحد نزع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي “شماعة” الميثاقية عن عملية تبرير تعطيل الاستشارات النيابية الملزمة، متوجهاً إلى المسؤولين الذين “فقدوا الحياء واحترام الشعب والعالم” وإلى القيّمين على الدولة الذين “عطّلوا دورها ككيان دستوري”، بالقول: مَن منكم يملك ترف الوقت لكي تؤخِّروا الاستشارات النيابية وتأليف الحكومة؟ مَن منكم يملك صلاحية اللعب بالدستور والميثاق ووثيقة الطائف والنظام وحياة الوطن والشعب؟ إرفعوا أياديكم عن الحكومة وأفرجوا عنها”.