سقطت كل حجج تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة مجدداً، فهي واقعة ومحسومة النتائج بتكليف المرشح “بلا جميلة حدا”، الرئيس سعد الحريري اليوم لتشكيل الحكومة، إذ لم يكن أمام رئيس الجمهورية ميشال عون سوى أن يطل على اللبنانيين، خالعاً رداء “العهد القوي” وزعيم المسيحيين المشرقيين والحاكم الأول طوال 4 سنوات والشريك في الحكم لأكثر من عقد، مرتدياً ثوب “الجنرال” العائد من المنفى، متفاجئاً بحال لبنان ومتسائلاً: أين نحن؟”.
في العلن كلمة تنصّل فيها عون من المسؤوليات كلّها، في مطالعة تشبه “خطاب نهاية العهد”، أما في الباطن ففتح للأبواب على مصراعيها نحو أزمة حكم، مكرّساً مرة جديدة ارتباط الموقع بمصالح “الوطني الحر”، إذ كاد أن ينطقها من خارج النص الرسمي: “لا تسموا الحريري” محملاً اياه وزر ثلاثين عاماً أدت الى الانهيار، وتلك طبعاً محاولة لإضعاف حجم التكليف وقيمته… قال “كلمته ولن يمشي”، ملوّحاً باستخدام صلاحية عدم التوقيع على التشكيلة الحكومية.
الرئيس عون شدد على انه سيتحمل مسؤولياته “في التكليف والتأليف وفي كلّ موقف وموقع دستوري، وبوجه كلّ من يمنع عن شعبنا الإصلاح وبناء الدولة”، متسائلاً: “هل سيلتزم من يقع عليه وزر التكليف والتأليف بمعالجة مكامن الفساد واطلاق ورشة الاصلاح؟”. ودعا رئيس الجمهورية النواب الى “تحمل مسؤولياتهم في الرقابة والمحاسبة البرلمانية باسم الشعب الذي تمثلون، وأنتم اليوم مدعوون باسم المصلحة اللبنانية العليا لتحكيم ضميركم الوطني وحس المسؤولية لديكم تجاه شعبكم ووطنكم”.
في هذا الوقت، كانت ماكينة “بيت الوسط” تستعد ليوم التكليف ولقاء الحريري – عون وخطاب ما بعد التكليف، فضلاً عن تفكيكها ألغام “التسمية” ومحاولة منع اصابة التكليف بهزال لا يتجاوز نصف عدد النواب الحاليين. وكان لافتاً اضطرار الحريري للاتصال مساء برئيس الكتلة القومية السورية النيابية النائب أسعد حردان للحصول على تأييد كتلته في الاستشارات، فيما أبقت حارة حريك على صمتها، وكسرته بما تسرّب عنها من معلومات تفيد بعدم اتجاه كتلة “الوفاء للمقاومة” إلى تسمية الحريري، مع الحفاظ على “ايجابية في التأليف”، علماً أنّ الحزب “القومي السوري” أصدر في وقتٍ لاحق بياناً يؤكد فيه عدم تسميته أيّ مرشح. ويبدو أن “حزب الله” أبقى حبل التواصل مشدوداً مع “الوطني الحر”، مظهراً تعاطفه مع باسيل، إذ أوردت قناة “المنار” في مقدمة نشرة أخبارها وتعليقاً على الاتصال بحردان: “اتصالٌ مهمٌ لضمانِ مهمةِ التكليف، ولو أتبعَه باتصالٍ آخرَ لسهَّلَ على نفسِه مُهمةَ التكليفِ والتأليف، وعلى البلادِ مشقةَ المناكفاتِ والتفسيراتِ الدستوريةِ والميثاقيةِ التي هي بغنىً عنها لو تطلعَ بجدٍ الى ما فيهِ صلاحُ العبادِ وإصلاحُ البلاد”.
ولم تقتصر ردود الفعل على خطاب عون على المستوى المحلي فحسب، فباريس التي تابعت مرحلة التكليف، انتقلت في بطاقاتها الحمراء الى مرحلة التأليف، إذ حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان مجدداً الطبقة السياسية من تأخّر عملية التشكيل، قائلاً: “كلّما تأخّر تشكيل الحكومة اللبنانية غرق المركب أكثر”.
وقال مصدر فرنسي رفيع متابع للملف اللبناني لـ”نداء الوطن” انّ “فرنسا ستستمرّ في الضغط على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل الحكومة القادرة على تنفيذ الاصلاحات، وإن باريس لن تتخلّى عن الضغط وتتراجع عن مبادرتها لإنقاذ لبنان، والحلّ الوحيد هو أن تشكّل الحكومة وتتوقف العرقلات والمماطلة لأن لبنان لم يعد يحتمل ذلك”، مذكراً بأنّه “لا يمكن حشد الأسرة الدولية لمساعدة لبنان إلا بعد تشكيل حكومةٍ تظهر جديّتها أولاً وفوراً في إنجاز الاصلاحات”. وشدّدت على أنه “في حال تم تكليف سعد الحريري وتمكن من تشكيل حكومة لتقوم بمهمة الإصلاحات فهذا مرحب به”. ورأى ان “العراقيل والخلافات الداخلية بين المسؤولين السياسيين تزيد البلد تدهوراً ومعاناة وتزداد معها آلام الشعب اللبناني وعلى المسؤولين عدم العرقلة من اجل عدم ضياع الوقت والتمكن من إنقاذ لبنان، وفرنسا لن توقف الضغط بهذا الاتجاه من أجل الشعب اللبناني”.