دخل رئيس الحكومة سعد الحريري الى السراي الحكومي مكلفا لا مؤلفا،عشية ذكرى سقوطه في الشارع، بنقص ميثاقي مسيحي وضبابية دولية واقليمية حول حدود دعمه، وبعيدا عن تفاؤل رئيس مجلس النواب نبيه بري بتقارب بين التيارين “الازرق” و”البرتقالي”، لم يتبلغ احد في بيروت بعد بمعطيات خارجية وخصوصا اميركية تفيد بحصول تغيير دراماتيكي اتجاه الساحة اللبنانية سمحت بعودة الرئيس سعد الحريري الى الحياة السياسية من خلال تكليفه تشكيل الحكومة العتيدة، وعلى وقع حملة “مشبوهة” ضد المدير العام للامن العام في واشنطن، كررت الادارة الاميركية عبر مساعد وزير الخارجية ديفيد شينكر لازمة الاصلاح، ومكافحة الفساد، دون ان ينسى التوعد بفرض المزيد من العقوبات على حزب الله وحلفائه في لبنان، في المقابل فان الاجواء في موسكو لا تزال حذرة ازاء امكانية نجاح الرئيس المكلف في التاليف، كما اكدت اوساط دبلوماسية “للديار”، التي اكدت ان الضغوط الفرنسية غير كافية وحدها لتفكيك “الالغام”، بغياب الدعم السعودي – الاميركي، ولذلك فان “مغامرة” الحريري الشخصية للعودة الى الحياة السياسية، محفوفة بمخاطر الفشل، وهو لن ينجح في العودة الى السراي الحكومي، الا عبر تقديم تنازلات جوهرية لفريق رئيس الجمهورية وحزب الله اللذين لن يقبلا بالانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية، ما سيؤدي حكما الى رفض غربي للتعامل معه في مشروعه “الانقاذي” الذي كان مبررا لعودته على راس الحكومة الجديدة، وهذا ما يجعل خياراته ضيقة وشديدة الصعوبة، وستكون الساعات المقبلة حاسمة لبلورة تصور واضح حول المسار الذي ستاخذه عملية التاليف، فاما ان يعود الى التسوية الرئاسية “بشروط” الميثاقية، او يذهب الى الاعتذار، او يحجز في “جيبه” ورقة التكليف لاستنزاف عهد الرئيس ميشال عون الذي يلعب الوقت ضده.
خيارات الحريري؟
وبعدما انتهت نتائج التكليف المشوبة بضعف تمثيلي، ونقص ميثاقي مسيحي، بعد ساعات على تحميل رئيس الجمهورية ميشال عون النواب مسؤولية تسمية الحريري الذي نال 65صوتا، سجل اطلاق رصاص ابتهاجا في طرابلس وبيروت، وغاب “الشارع” عن الاعتراض على التكليف، لكن اللافت كان انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء وترواح بين 7250 و7150 ليرة.تبدأ اليوم رحلة التاليف عبر ممر الاستشارات غير الملزمة في مجلس النواب، وما لم يقدم الرئيس المكلف التنازلات فمن المتوقع أن يواجه نفس الصعوبات التي رافقت مصطفى اديب الذي انتهت تجربته بالفشل، واليوم على الحريري ان يجيب على اسئلة جوهرية اهمها : ماذا يعني بحكومة اختصاصيين غير حزبية وما هي قاعدة توزيع الحقائب طائفيا وسياسيا؟ هل سيقبل بان يكون حزب الله شريكاً علنيا فيها بصورة مباشرة أم بواسطة خبراء محسوبين عليه؟ هل سيصر كرئيس للحكومة على اختيار وتعيين الوزراء كما يريد أم سيكون خاضعاً لإملاءات القوى السياسية وخصوصا التيار الوطني الحر بعدما قدم وعوده “للثنائي الشيعي” والحزب التقدمي الاشتراكي؟
“هوامش” ضيقة
وفي هذا السياق، يبدو هامش الحريري ضيقا، وخياراته ليست كثيرة، وهو لا يمكنه الاتكال على الضغوط الفرنسية والاميركية، لفرض تشكيله على حزب الله الذي يصر على معرفة مسبقة ببرنامج عمل الحكومة وتسمية وزرائه بالشراكة مع حركة امل، وسينطلق التفاوض الجدي مع “الثنائي” بعد انتهاء الاستشارات غير الملزمة في ساحة النجمة اليوم، حيث لم تحسم بعد مسالتي تسمية الوزراء الشيعة وجدول الاعمال الاقتصادي للحكومة.. كما لا يمكن للحريري فرض شروطه على العهد وتياره السياسي، وليس امامه الا العودة الى التسويات من خلال التفاوض على الحصة المسيحية مع التيار الوطني الحر المتسلح بتوقيع الرئيس، وغير ذلك يعني اننا سنكون امام مراوحة قاتلة لن تؤدي حكما الى اعتذاره، لان ثمة من يعتقد في “بيت الوسط” ان الحريري بات اليوم “ضيفاً ثقيلا” في بعبدا وبات اكثر قوى سياسيا لانه يملك “مفتاح تعطيل” العهد فيما تبقى من مدة رئاسية حيث يمكن للحريري ان يضع “التكليف” في جيبه ويعطل تكليف اي رئيس آخر بالحكومة، وهو يعتقد ان الوقت لا يعمل لصالح رئيس الجمهورية المستنزف بعامل الوقت.
في المقابل، ترى اوساط سياسية معنية بالملف ان التاليف لن يحصل حكما قبل نتائج الانتخابات الاميركية، وبعده سيكون لكل حادث حديث، فاذا نجح ترامب سيكون الحريري اكثر تشددا، واذا فاز بايدن، سنكون امام تسوية حتمية بسقوف واقعية تتناسب مع التوقعات بعودة الادارة الاميركية للجلوس على “الطاولة” مع ايران.
تفاؤل بري والحريري!
وفي وقت اشاع رئيس مجلس النواب نبيه بري اجواء تفاؤلية من قصر بعبدا متحدثا عن تقارب بين الرئيسين عون والحريري، وبين “التيارين”،اكدت اوساط سياسية مطلعة ان بري سيفعل تحركه لايجاد قواسم مشتركة بين الطرفين تؤدي الى تسوية حكومية ترضي الطرفين، من جهته رد الرئيس المكلف سعد الحريري عند سؤاله عن ايجابيته امس بالقول إنها البداية واذا كانت مصلحة البلاد تتطلب تفاهما مع الجميع فمن المفترض تغليب مصلحة البلد، وعن امكانية لقاء الحريري مع النائب جيران باسيل خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة والتي سيلتقى خلالها رؤساء الكتل النيابية اليوم، اكتفى بالصمت دون ان يجيب على السؤال.. في المقابل، لم يحسم باسيل أمره أيضا، وتجري مساع حثيثة لترتيب هذا اللقاء..
وبعيد تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة ولدى مغادرته القصر الجمهوري، ادلى الرئيس المكلف سعد الحريري بتصريح مقتضب، جدد فيه التأكيد ان الحكومة ستكون من اختصاصيين غير حزبيين واعدا بتشكيل الحكومة بسرعة، لأن الوقت داهم، والفرصة امام بلدنا هي الوحيدة والاخيرة. واجرى الحريري اتصالات هاتفية برؤساء الحكومة السابقين سليم الحص، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، تمام سلام وحسّان دياب، وبحسب بيان صادر عن مكتبه الاعلامي، توافق معهم على الاكتفاء بالتشاور الهاتفي استثنائيا لدواع امنية، وتمنوا له التوفيق في مهامه لتشكيل حكومة لوقف الانهيار واعادة اعمار ما دمّره انفجار مرفأ بيروت.
“سوريالية” الاستشارات!
وكانت الاستشارات قد انتهت بمشهد “سوريالي” اختلطت فيه الحسابات داخل الكتل النيابية،وافضت الاستشارات تكليف الرئيس سعد الحريري بـ65 صوتاً نيابياً من أصل 120 نائباً يشكّلون العدد الحالي لأعضاء مجلس النواب بعد استقالة 8 نواب، وإمتنع 53 نائباً عن التسمية وغاب النائبان طلال أرسلان وميشال المر فيما رفض اللقاء التشاوري تسمية الحريري خالف النائب عدنان طرابلسي راي التكتل ووجه عبر كتاب مكتوب تفويض بتسمية الحريري، وكذلك فعل النائب جهاد الصمد الذي كان قد خرج مؤخرا من “التشاوري” ولذلك جرى بداية إحتساب الأصوات على أساس 64، وخالف نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي رأي رئيس حزبهم ومنحوا أصواتهم الثلاثة إلى الحريري، كما خرج النائب جان طالوزيان عن “سرب” تكتل الجمهورية القوية، مسميا الحريري، وكان لافتا ايضا حضور النائب نهاد المشنوق وتسميته للحريري في ظل الفراق السياسي والشخصي بينهما، فيما “خرق” النائب ايلي الفرزلي تكتل لبنان القوي، وكذلك فعل تكتل الارمن.
باسيل “والوصاية” السورية؟
وفي مؤشر على موقف “التيار” أعلن النائب جبران باسيل من بعبدا ان موقف تكتل “لبنان القوي” هو مع حكومة إصلاح من اختصاصيين برئيسها ووزرائها وبرنامجها. وقال ان هذا الموقف سياسي ولا خلفيات شخصية له وحصل تحوير لموقفنا في الإعلام وكأنه مرتبط بلقاء أو اتصال وهذا الأمر لم نطرحه أبداً، وأضاف لم نتحدث أبداّ عن الميثاقية بالتكليف ومن قام بذلك هو الحريري نفسه عندما رفض أن يُكلف سابقاً من دون دعم الكتل المسيحية الوازنة. وختم بعد تكليف الحريري بتنا أمام حكومة تكنو سياسية وهنا يجب مراعاة الميثاقية، ملاحظاً أن هذا التكليف مشوب بضعف ونقص تمثيلي يتمثل بهزالة الأرقام وغياب الدعم من المكوّنات المسيحية الكبرى، ومن يحاول التغاضي عنه يحاول إعادتنا إلى الوصاية السورية وهذا لن يحصل.. وفي موقف داعم لحليفه “البرتقالي” في مفاوضات التاليف علل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عدم تسمية احد لرئاسة الحكومة بالاسهام في إبقاء مناخ إيجابي يوسّع سبل التفاهم المطلوب.
واشنطن مستمرة بالعقوبات
في سياق متصل بالموقف الاميركي من التطورات الحكومية اكد دبلوماسي أميركي كبير أنه “يجب أن تلتزم حكومة لبنان الجديدة بالإصلاح وإنهاء الفساد، فيما اعلن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر ان بلاده ستستمر في فرض العقوبات ضد حزب الله وحلفائه كما ضد من ينخرط في الفساد وإساءة إستخدام السلطة. وتابع شينكر: الولايات المتحدة قالت أنه هناك مبادئ مهمة مثل الإصلاح والشفافية ومكافحة الفساد وأيا كانت الحكومة التي ستتولى الأمر في لبنان فإذا أردات أن تخرج البلاد من الأزمة ينبغي الوفاء لكل هذه المتطلبات من أجل الحصول على المساعدات الدولية وإعادة لبنان إلى المسار الصحي..وقال “زرت لبنان مؤخرا وركزت على أهمية الإصلاحات وكررنا التأكيد على فكرة أن العمل كالمعتاد غير مقبول”.