كما كان متوقعاً، كُلّف سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، بطريقٍ معبدة الى السراي هندسها المحنّك نبيه بري وسهَّلها “حزب الله” شريكه في “الثنائي”.
هكذا انتزع الحريري التكليف أمس رغماً عن رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، محققاً هدف التعادل في مرمى بعبدا بعدما حاولت رسالة عون “الاستثنائية” أول من أمس، وضعه في موقع المتّهم المسؤول عن “التركة الثقيلة” والإتيان به هزيلاً الى حلبة التأليف. وتمكّن الحريري من اجتياز “قطوع” التكليف ببركة الرئيس بري وتوزيع للأدوار قادته أوركسترا “حزب الله”، وصل الى درجة الاستعانة بأصوات نواب مسيحيين في كتلة القومي السوري، أحد رموز نظام بشار الأسد في لبنان على أساس انّ “الضرورات تبيح المحظورات”.
وزخرت الاستشارات بمفاجآت تسمية للحريري أبرزها، إضافة الى “القومي”، تأييد النائب نهاد المشنوق، وممثل “الأحباش” عدنان طرابلسي، والنائب جان طالوزيان الذي انفك عن كتلة “الجمهورية القوية”، وجهاد الصمد الذي سمّى الحريري بعدما حسم معاناته “بين العقل والضمير”. وانتهت عند رقم 65 مؤيداً للحريري في مقابل 53 لم يسمّوا أحداً وغائبين.
ولعلّ أبرز ما ظهر من يوم الاستشارات القصير تفاؤلٌ عبَّر عنه بري، وتعهدٌ أطلقه الحريري بأنّه سيشكّل “حكومة اختصاصيين غير حزبيين في وقت سريع”، وتحذير من باسيل للرئيس المكلف بعدم تكرار حكومات زمن الوصاية، أي تلك التي اعتمدت على تحالفٍ سني شيعي مع وليد جنبلاط وتهميش للمسيحيين.
حسابات الاستشارات انتهت بانتهاء يومها، لتبدأ مرحلة جديدة وتفتح صفحة جديدة بين أهل المنظومة السياسية نفسها، تسمح لهم بتحاصص “نوعيّ” عبر حَمَلة الشهادات المموّهين او المجهولين بعدما كان يؤتى بسقط المتاع. لكن العين الماكرونية ساهرةٌ هذه المرة ولن تسمح مبدئياً بأن يتم توزير الفاسدين والسارقين أو عقد الصفقات ونهب ما تبقى من أموال اللبنانيين، وواشنطن كرّرت على لسان مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر ان لا عودة لـ business as usual في لبنان، وأنّ واجب الحكومة الجديدة التزام محاربة الفساد والاصلاح ومحاسبة مرتكبي الجرائم نزولاً عند طلب الشعب اللبناني، مؤكداً بأن سيف العقوبات سيبقى مصلتاً على “حزب الله” والمتهمين بالفساد، ولا علاقة للأمر بمفاوضات الترسيم البحري.
ولا تبدو مهمّة الحريري في تأليف الحكومة سهلة بل قد تتحول الى جولات من الملاكمة، إذ تعترضه عقبات كثيرة أهمها الخلافات والتباينات المتعدّدة مع الرئيس عون والرئيس الظلّ باسيل، خصوصاً أنّ عون لم يمرر عملية التكليف المطالب بها دولياً إلا ليصعّب التأليف على الحريري، كمن يتربّص لخصمه مستدرجاً إياه الى حلبته، فضلاً عن صعوبة تذليل الشروط التي يضعها الثنائي الشيعي وواجب “رد جميل” التكليف، إن لجهة تسمية الوزراء الشيعة أو لجهة التأكيد على عدم اتخاذ أي قرار يتعلق بالملفات الساخنة من دون الحصول على رضى “حزب الله”.
ويبدأ الحريري بعد ظهر اليوم استشاراته مع الكتل النيابية منفتحاً على “سير ذاتية” تعرض عليه وتنطبق عليها مواصفات الاختصاصيين “الأبرياء” من ارتكابات من سيقترحهم. وسيخوض، حسب مصادره، معركة التأليف بثقة وواقعية، خصوصاً انه بعدما عقد اتفاقه مع الشيعة وجنبلاط بات مستعداً لاعطاء جائزة ترضية لرئيس الجمهورية، تتمثل بقبول تسميته المسيحيين مع حفظ حصة حليفه ومرشحه للرئاسة سليمان فرنجية. فهل يقبل عون وباسيل بهذا القدر الضئيل من النفوذ في التشكيل أم يخوضان آخر معارك العهد لإثبات الوجود والحجم والحفاظ على آمال التوريث؟
الرئيسية / صحف ومقالات / نداء الوطن: الحريري مكلّفاً بالنصف + 5 ويتعهّد بحكومة اختصاصيين التأليف: محاصصة “نوعية” أم حفلة ملاكمة؟