متسلّحا بالدفع الفرنسي – الدولي، ومستفيدا من “ايجابية” القوى السياسية التي سمّته ولم تسمّه، والتي ظهرت معالمها بوضوح خلال الاستشارات النيابية “شكلا” و”مضمونا”، انطلق الرئيس المكلف سعد الحريري في مشوار الالف الميل نحو تشكيل الحكومة التي حدد صفاتها اكثر من مرة “تضم اختصاصيين غير حزبيين”، حتى انه وضع تصوّرا اوليا لها. وغداة اتصال اجراه مساء الجمعة برئيس مجلس النواب نبيه بري، زار قصر بعبدا مرتين خلال عطلة نهاية الاسبوع، واعلن بعد لقاء السبت : “لن أتكلم كثيرا. وقد عقدت جلسة طويلة مع فخامة الرئيس والجو إيجابي، وانا لن أرد على أي سؤال”. اما بعد لقاء امس الاحد فقد صدر عن بعبدا بيان جاء فيه ان الرئيسين عون والحريري تداولا في ملف تأليف الحكومة، وقد سجل تقدم في هذا المجال.
وقد جاء صدور بيان رسمي من اعلام رئاسة الجمهورية عن لقاء الامس قطعا لدابر الشائعات والمعلومات المدسوسة وترويج اجواء سلبية من قبل وسائل الاعلام المحسوبة على جهات سياسية معارضة لتكليف الحريري ولمهمته الانقاذية، وقد ذهب بعضها الى القول بأن الحريري سيلقى مصير السفير مصطفى اديب لجهة الفشل في تشكيل الحكومة وتحت عنوان ان القصر الجمهوري استبق اللقاء بين عون والحريري بتعميم معلومات “نافرة لافتة”، مثل انه “بات محسوما ان القوى السياسية ستسمي وزراءها، وان مبدأ المداورة سقط، وان الحصّة الشيعيّة شبه متّفق عليها ووزارة المال ستكون لبرّي وحقيبة الصّحة ستبقى مع “حزب الله” وان وزير الصحة سيكون اختصاصيّاً وليس حزبيّاً أي لا يمتلك بطاقة حزبيّة، وان الطاقة ستبقى مع التيار الوطني”، لافتة الى ان “حصة الدروز والسنة والشيعة في الحكومة، شبه محسومة، ويبقى التفاهم على حصة المسيحييين، وهذا ما سيحصل خلال اللقاء”.
لذلك أصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية يوم السبت، البيان الآتي: “بثت وسائل إعلامية معلومات حول الاجتماع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف الرئيس سعد الحريري الذي انعقد اليوم. يهم مكتب الأعلام أن يؤكد أن الاجتماع كان مغلقا بين الرئيسين ولم يصدر عن قصر بعبدا أي معلومات عنه، وبالتالي لا أساس من الصحة لما وزع من معلومات. فاقتضى التوضيح”.
الحجم والبرنامج
وبينما ستساعد محادثات عون – الحريري ، المراقبين، على تحديد المسار الذي ستسلكه عربة التأليف، وما اذا كان سيكون سهلا ام معقدا، اضافة الى المدة الى ستستغرقها العملية، تقول مصادر سياسية مراقبة ان أهم النقاط التي سيركّز عليها الحريري في اتصالاته كلّها، وأبرزها سيضمّه قريبا الى “الخليلين”، هي شكل الحكومة وحجمها، حيث يريدها “مصغّرة” فيما يفضّلها حزب الله والتيار الوطني الحر موسّعة، غير ان هذه المسألة لن تكون عائقا امام التشكيل. اما النقطة الثانية، فهي برنامج الحكومة، حيث سيسعى الحريري الى انتزاع موافقة متجددة من القوى السياسية على الالتزام بما تعهّدت به امام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الصنوبر. فالاصلاحات تعتبر اولوية وملزمة للفوز بالدعم الدولي. وهنا، سيدعو الحريري، القلقين من صندوق النقد وشروطه – وعلى رأسهم حزب الله – الى عدم رفع السقف واللاءات الى درجة تعوق التشكيل، بل سيحثّهم على حمل معارضتهم هذه الى مجلس النواب. فأي بند لا يروق للحزب، او لأي طرف آخر، يمكن ان يسقط في ساحة النجمة لاحقا.
استبعاد المسيحيين؟
في المواقف ، كانت عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي امس لافتة اذ دعا الرئيس المكلف الى تخطَّي شروط الفئات السياسية وشروطهم المضادة وتجنّب مستنقع المصالح والمحاصصة وشهيّة السياسيين والطائفيين والشعب منهم براء، وباحترام، إلتزم فقط بنود الميثاق والدستور ومستلزمات الإنقاذ وقاعدة التوازن في المداورة الشاملة.
ولكن المستغرب في العظة قول الراعي: لا تضع وراء ظهرك المسيحيّين، تذكّر ما كان يردّد المغفور له والدك: “البلد لا يمشي من دون المسيحيّين”. هذا انتباه فطن وحكيم، فالمسيحيّون لا يساومون على لبنان لأنّه وطنهم الوحيد والأوحد، وضحّوا كثيرًا في سبيل إيجاده وطنًا للجميع، مازالوا يضحّون”.
فهل يعقل ان يقال هذا الكلام للرئيس سعد الحريري ابن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهما اللذان حميا العيش المشترك الاسلامي المسيحي برموش العيون وبذلوا الغالي والرخيص من اجل لبنان بكل طوائفه ومكوناته.
الاوضاع ضاغطة
المصادر السياسية المتابعة ترى ان الاوضاع المعيشية والحياتية المتردّية ستفعل فعلها هذه المرة، وستضغط على القوى السياسية كلّها، لوضع الماء في نبيذها. فأزمة النفايات انفجرت مجددا في شوارع الضاحية الجنوبية ، فيما كورونا يتفشى. فقد حلّق عدّاد الاصابات بالوباء مسجّلا ارقاما قياسية جديدة، على وقع قرار مستشفيات كبرى وقف استقبال المرضى بسبب النقص في معداتها! أما الغلاء الفاحش في الاسعار، والنقص في المحروقات وفي المازوت على ابواب الشتاء، فيحتاجان ايضا معالجة ملحّة لا يمكن لاحد – مبدئيا – تحمّل وزر تأجيلها.. الا اذا كانت المصالح الخاصة والاقليمية لا تزال أقوى!
الدولار يتراجع
في الغضون، وفي عامل يفترض ان يحثّ الجميع على المضي قدما في التشكيل، واصل الدولار الأميركي تراجعه في السوق السوداء، والذي كان بدأ منذ أيّام. وبعد أن انخفض الدولار أمس، للمرة الأولى منذ فترة طويلة، الى ما دون السبعة آلاف ليرة، سجّل اليوم تراجعاً جديداً حيث وصل الى 6300 ليرة للمبيع و 6500 ليرة للشراء.