هل الشعب اللبناني على موعد ركوب سفينة الخلاص من الوضع الاقتصادي والمالي المتأزم؟ ام ان الشعب اللبناني سيظل يتخبط في هذه الازمة المستفحلة التي تكاد تطيح بوجود الدولة اذا لم يتفق السياسيون في ما بينهم؟
بداية ، وفي وقت ينعقد الاجتماع الثاني بين الوفد اللبناني المفاوض ووفد العدو الاسرائيلي في رأس الناقورة برعاية ممثل امين عام الامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش وبوساطة السفير الاميركي جون ديروشيه الذي طلب تاجيل الجلسة من الاثنين الى اليوم لوصول بعض المعدات التقنية التي يحتاجها، وتسمح له بإتمام المهمة المكلف بها”، تؤكد اوساط سياسية بارزة لـ”الديار” ان بعد اعتراض “حزب الله” و”حركة امل” على مشاركة مدنيين في لجنة التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود وتسجيله بشكل واضح في بيان الفجر الشهير رفضاً ، سيكون الوفد اللبناني هو نفسه اليوم من دون اي تعديل ولتنتهي الامور عند هذا الحد على غرار المثال : ” قلت كلمتي ومشيت”.
وكان الجيش اللبناني اصدر بياناً امس شدد فيه على على ضرورة انسحاب العدو الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة، ومنها: المناطق المتاخمة لشمال الخط الأزرق، مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من منطقة الغجر وبقعة “B1” المحتلة. وجدد تأكيد ضرورة إدراج البقعة “B1 ” المحتلة في التقارير والقرارات الأممية القادمة أسوة بباقي المناطق المحتلة المذكورة. كما دان الوفد اللبناني المفاوض الحرائق المستمرة والمفتعلة من قبل العدو الإسرائيلي على الحدود.
اضف الى ذلك، طالب الوفد اللبناني عبر اليونيفيل تسلمه خرائط التحصينات التي كان العدو الإسرائيلي قد أقامها إبان الاحتلال، وقد عثر الجيش اللبناني واليونيفيل على إحداها بتاريخ 24/4/2020 في خراج بلدة الغجر”.
من جانبه، قال قائد اليونيفيل في لبنان ديل كول: “لدينا فرصة فريدة لإحراز تقدم كبير في القضايا الخلافية على طول الخط الأزرق” مضيفا: “أود أن أدعوكم إلى المضي الى أبعد مما حققناه وإكمال العمل على النقاط العالقة على النحو الذي شجّع عليه قرار مجلس الأمن الدولي 2539″.
بموازاة ذلك، تكثفت وتتكثف اللقاءات والمشاورات لتشكيل الحكومة المرتقبة باسرع وقت نظرا للحالة الاقتصادية السيئة التي يشهدها لبنان.
وانطلاقا من ذلك، يدخل لبنان اليوم مرحلة مصيرية من تاريخه وهي مرحلة كالغربال ستكشف من هي الاحزاب والشخصيات التي ستضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار لتسهيل الحكومة وبين تلك الغارقة في مصالحها الخاصة وتريد ابقاء لبنان في الفوضى للمحافظة على نفوذها. بيد ان الدولة تقترب من الانهيار الشامل بخطوات متسارعة ومن هذا المنطلق تعتبر اوساط سياسية ان الجهة التي ترفع سقف شروطها وتضع عقبات عدة تمنع وتؤخر ولادة الحكومة فهي حتما ساقطة وطنيا وامام الرأي العام اللبناني.
وفي هذا المجال، يخوض سعد الحريري تحت المظلة الفرنسية مسار تأليف الحكومة التي قد تولد قريبا ويشدد على مبدأ المداورة في الحقيبات الوزارية باستثناء المالية حيث كشفت مصادر ديبلوماسية للديار بوجود توصية فرنسية على ادخال الاصلاحات في الوزارات جميعها وتحديدا في الخدماتية. وأتى لقاء الرئيس سعد الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليؤكد على المزيد من التقدم والتفاهم على نقاط عدة وعلى تركيبة الحكومة وفقا لمصادر مقربة من قصر بعبدا. وعلمت الديار ان الحكومة ستتشكل من 20 وزيراً.
من ناحيتها، شددت اوساط سياسية للديار ان الاهم من كل ذلك هو اختيار وزراء متجانسين ومتضامنين وزاريا ليشكلوا فريق عمل قادر على تنفيذ الورقة الاقتصادية دون حدوث سجالات سياسية تشل العمل الحكومي على غرار تجارب سابقة. ومن يعترض على مسار تشكيل رئيس الوزراء فعليه ان يشكل معارضة في المجلس النيابي وليس في مجلس الوزراء فلا يمكن ان يكون هناك فريق يعترض على نسبة كبيرة من طروحات الحريري ويدخل الحكومة. ذلك ان الامور عندما تكون واضحة ويكون لكل فريق موقف سياسي شفاف وليس غامضا يصبح ايضا عمل الحكومة واضحاً واهدافها معلومة وعلى هذا الاساس يتم محاسبتها في حال فشلت في تطبيق برنامجها. هذا الكلام لا يعني ان تبادل الاراء بحرية امر خطأ حول مسائل اساسية في الحكومة بل على العكس التشاور اساسي ولكن دون الوصول الى صراع سياسي في الحكومة الواحدة.
بدورها، قالت اوساط واسعة الاطلاع في 8 آذار لـ”الديار” ان الامور الحكومية ايجابية انما كشفت ان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل متمسك بـ”الطاقة” و”حزب الله” متمسك بـ”الصحة” كما يصر النائب طلال ارسلان على تسمية احد الوزيرين الدرزيين. من جانبه، يصر الحريري على المداورة الشاملة باستثناء ”المالية” التي تم تثبيتها للطائفة الشيعية خلال المفاوضات ابان محاولة تشكيل حكومة مصطفى اديب.
بكركي : “ارحموا لبنان…ارحموا شعبه”
في غضون ذلك، رفعت بكركي الصوت عاليا رافضة تشكيل حكومة محاصصة بل اخصائيين مستقلين وقالت للديار بان اليوم هناك بدع جديدة في مسار تشكيل الحكومة باتت اقرب الى انحراف في السلوك السياسي لكل الكتل السياسية. واعتبر المسؤول الإعلامي في البطريركية المارونية وليد غياض ان التوجه السائد هو في تشكيل حكومة مصغرة عن المجلس النيابي وهنا نتساءل كيف ستحكم هذه الحكومة؟وكيف سيتمكن المجلس النيابي من محاسبة الحكومة اذا كانت الكتل في البرلمان ممثلة في مجلس الوزراء؟
وتابع غياض ان لا شك ان الحكومة المرتقبة يجب ان تحصل على موافقة سياسية من كل التيارات ولكن من دون شروط خاصة وليس من منطلق تنفيذ حساباتهم ومآرابهم . واضاف ان الشعب اللبناني لم يعد يحتمل عبء هذه الازمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة وتوجه للمسؤولين باسم البطريركية المارونية بالقول: “ارحموا لبنان …ارحموا شعبه.” وهنا، رأى غياض ان بعض الافرقاء السياسين الذين مات ضميرهم لا يكترثون لكلامنا او بالاحرى لا “يهزهم” كلام غبطة البطريرك الراعي الحريص على البلد وشعبه.
وفي السياق ذاته، قال مسؤول الإعلامي في البطريركية المارونية وليد غياض انه للاسف هناك زعماء يطالبون بكل ثقة وبشكل مفضوح بحقائب وزارية خدماتية من اجل تسخير هذه الوزارات لشعبيتهم في الانتخابات المقبلة في وقت ان الدستور والقانون يفرض على جميع الوزراء معاملة اللبنانيين بمساواة دون تمييز طائفي او مذهبي او سياسي. وحذر غياض ان الوزارات ليست مؤسسات خاصة مضيفا: ”فليتسابق الزعماء السياسيون على العمل الصحيح وعلى خدمة الوطن ويغييروا عاداتهم المبنية على خدمة جماعتهم لكسب شعبية اكبر ولتعزيز نفوذهم اكثر في السلطة”.
القوات اللبنانية: لا حلول وسط بتركيبة الحكومة عندما يقارب لبنان الانهيار
من جهتها، قالت مصادر القوات اللبنانية ان رؤية القوات للخروج من الازمة القائمة هي ابتعاد القوى السياسية عن تسمية وزرائها في الحكومة المرتقبة. وانطلقت من هذا المبدأ على خلفية ما حصل في السنوات الاخيرة حيث ان طريقة تشكيل حكومات مصغرة عن المجلس النيابي لم تؤد الى النتيجة المطلوبة لا بل اوصلت لبنان الى الانهيار. اما حول منح الكتل النيابية الثقة للحكومة يجب ان يحصل بالتوافق بين القوى السياسية على قاعدة ان لبنان يمر بأزمة مالية غير مسبوقة بتاريخه تستدعي من كل القوى السياسية ابتكار طرق ووسائل لمعالجة الوضع الاقتصادي الخطير.
من هنا، شددت المصادر القواتية ان الاساس اليوم هو كيفية معالجة الازمة وقد ظهر ان القوى السياسية التي تتآلف وتتشارك في الحكومة الواحدة غير قادرة على اخراج لبنان من ازمته او بالاحرى هي مسؤولة عن وصول البلاد الى هذا الدرك الخطير على المستوى الاقتصادي والمالي والمعيشي.
وانطلاق من ذلك، جددت القوات موقفها بضرورة تشكيل حكومة من اخصائيين مستقلين غير مرتبطين بالقوى السياسية لكي يصبح قرار الوزراء بأيديهم وليس بأيدي القوى السياسية. ولذلك ووفقا للمؤشرات غير المطمئنة في تشكيل الحكومة، على الارجح ستكون الحكومة المرتقبة مشابهة لحكومة حسان دياب لان المحاصصة تمنع الاصلاح. وفي هذا المجال، اوضحت مصادر القوات اللبنانية انها لن تستبق نتيجة تركيبة الحكومة بما انها لم تتشكل بعد ولكن عند تشكيلها سيعطي لقاء الجمهورية القوية موقفه بناء على تركيبة الحكومة ليقرر منح او حجب الثقة عنها. ودعت القوات الى الاستفادة من المبادرة الفرنسية الذهبية التي هي الفرصة الاخيرة ولكن في الوقت ذاته على المسؤولين اللبنانيين ان يبادروا الى انتقاء اسلوب جديد لحكومة استثنائية.
وبالنسبة للقوات اللبنانية، ان لا حلول وسط في مسار تشكيل الحكومة خاصة في ازمة اقتصادية ولذلك لا يمكن ان يكون تشكيل الحكومة مبني على حل وسطي حيث تسمي القوى السياسية وزراءها والرئيس سعد الحريري يختارها ويتشارك مع رئيس الجمهورية.
موقف تكتل لبنان القوي
اكد تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل على اولوية تشكيل الحكومة سريعا ملتزما الى اقصى الحدود تسهيل تأليفها ومتمسكا بوحدة المعايير تجاه كل الكتل والمكونات. اضف الى ذلك، ناقش التكتل مجموعة اقتراحات قوانين قام ويقوم باعدادها وقد تقدم بمعظمها الى المجلس النيابي ويتابع مسار اقرارها ابرزها: تعديل الدستور لناحية تحديد المهل الزمنية لرئيس الجمهورية باجراء الاستشارات النيابية الملزمة ولرئيس الحكومة المكلف بتأليف الحكومة.
وابدى التكتل اصراره على اجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان كمنطلق لعملية الاصلاح ومكافحة الفساد.
موقف التقدمي الاشتراكي
اعرب امين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر عن خشيته من عودة الاداء السابق في الحكومة المقبلة خاصة عندما تدخل الاحزاب بالذهنية ذاتها فمن المحتمل ان تقع الحكومة المرتقبة ضحية التجاذبات السياسية وعليه تفشل في عملها.
وتابع ناصر ان الوزير وليد جنبلاط عندما طرح حصوله على وزارة الصحة لتحقيق تمثيل وازن للطائفة الدرزية.
واوضح ان مقاربة التقدمي الاشتراكي للحكومة برئاسة سعد الحريري تستند على ثلاثة ركائز:
اولا ، نرفض مشاركة حزبية من قبلنا في الحكومة.
ثانيا نتمسك باختيار شخصية درزية كفوءة .
وثالثا ,سمى التقدمي الاشتراكي سعد الحريري ليكون الرئيس المكلف بعدما اتضح ان الافق مسدود وتبين ان الحريري هو الخيار الوحيد لاحياء المبادرة الفرنسية.
ولفت امين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ان اختيار اسماء اخصائيين من الطائفة الدرزية امر محسوم ولكن هل يجب ان يكون هذا الاخصائي يشكل استفزازا لوليد جنبلاط؟ وعليه، يشدد الحزب التقدمي الاشتراكي اختيار وزراء اخصائيين ولكن دون اي كيدية تجاه اي فريق او حزب في الجبل.
هل فعلا انحصر دور ماكرون في لبنان؟
الى ذلك,قالت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى للديار ان من يعتقد انه سيحصل تراجع كبير في الدور الفرنسي في لبنان جراء ازمات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون داخليا في بلاده، فهو مخطئ ولا يتسم بقراءة سياسية عميقة. وفي هذا الصدد، اضافت هذه المصادر ان فرنسا لديها مشاكل داخلية تتقدم حينا وتتراجع حينا اخر ولكن فرنسا دولة كبرى وبالتالي دورها الخارجي ايضا جزء من دورها الاساسي. وتابعت هذ المصادر الديبلوماسية انه عادة اي ادارة سياسية غالبا ما تعتبر من خلال ادوارها الخارجية انها قادرة على التغطية على النكسات الداخلية. وعلى هذا الاساس، اذا نجح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في مبادرته في لبنان وتمكن من مواجهة تركيا وتمددها يستطيع ان يحقق نقاط قوة لمصلحته على المستوى الفرنسي. وبالتالي لا تعارض بين مواجهة المشاكل الداخلية وبين الحاجة الى دور خارجي بالنسبة لماكرون.
ورأت المصادر الديبلوماسية انه من الواضح ان فرنسا انكفأت بعض الشيء بعد اجهاض مبادرتها بعد اعتذار الرئيس المكلف مصطفى اديب لانها لا تريد تكرار تجربة اخرى فاشلة باعتبار ان وضعها لا يسمح بذلك. واكدت ان فرنسا ذهبت اكثر باتجاه ان يكون توقيت عملها متكاملاً مع التوقيت الاميركي من اجل عدم افشال مبادرتها مرة اخرى لبنانيا.
لكن ستبقى العين الفرنسية مركزة على الشرق الاوسط ولبنان تحديدا الذي تعتبره المساحة الوحيدة عمليا البحر الابيض المتوسط من ضمن المسؤولية الفرنسية. وعلى غرار الدور والنفوذ الكبير الذي تتمتع به روسيا في سوريا ، تطمح فرنسا لان تلعب دورا مماثلا في لبنان وان تصبح ضابط ايقاع في الدولة اللبنانية على غرار ما يفعله الروس في سوريا. من هنا تطمح فرنسا على ان يكون لبنان قاعدة انطلاق لها في المنطقة.
هل انخفاض الدولار مستدام ام ظرفي؟
قال الخبير الاقتصادي سامي نادر للديار ان الدولار انخفض بطريقة غير مستدامة لانه غير مرفق باصلاحات وحتى اللحظة لم يتدفق الدولار من الخارج الى السوق اللبنانية. من هنا اعتبر نادر ان انخفاض الدولار يعود لاسباب ظرفية ابرزها تحديد مصرف لبنان سقف السحوبات بالليرة اللبنانية وبالتالي لم يعد لدى الناس كمية من العملة اللبنانية لشراء الدولار وعليه خف الطلب. ولذلك أكد ان سعر الدولار يصبح ثابتا يوم تدخل المساعدات المالية من مؤتمر سيدر او من خلال اصلاحات صندوق النقد الدولي.
ولفت الخبير الاقتصادي الى ان الدولار صحيح انه انخفض ولكنه غير متوفر الا عند قلة من الصرافين .وتابع ان المواطن اللبناني يذهب عند الصراف لشراء الدولار ولكن الصراف لا يعطيه دولار. كما اشار نادر ان لبنان ينزف بحدود مليار دولار شهريا وكمية الدولار التي تخرج من لبنان اكثر بكثير من الدولار الذي يدخل السوق اللبنانية او فعليا لا تدفق للدولار الى لبنان .