قد تتمثل المفارقة الأكثر جدية علنا على الأقل في مسار تأليف الحكومة بإصرار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على التزام “موجبات” الكتمان والصمت حيال مجريات هذا المسار، الامر الذي جارته فيه بسرعة بعبدا وفرضت بدورها ايقاعا ثابتا تعلن عبره باقتضاب شديد حصيلة لقاءات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس الحريري، بالإضافة الى الوتيرة السريعة نسبيا للقاءات المتعاقبة بين الرئيسين بما يشي بمبدأ “السرعة من غير التسرع” الذي اعتمد في المشاورات. ذلك ان اللقاء “العملاني” الثالث الذي عقد عصر امس بين الرئيسين عون والحريري في قصر بعبدا بعيدا من الاعلام وبالاستناد الى المعلومات الرسمية، أبقى المشهد الحكومي في اطار التقدم والإيجابيات من دون إفصاح اطلاقا عن التفاصيل بحلوها ومرها وتسهيلاتها وتعقيداتها، الامر الذي يبقي عمليا مسار التأليف ضمن وتيرة نائية عن الصخب السياسي وربما تجنبا لهذا الصخب مع ان ذلك سيشكل مغامرة حساسة للغاية في ظل السهام التي بدأت تتطاير في اتجاه عملية التأليف وإدراجها على ألسنة قوى معارضة في اطار المحاصصات والصفقات السياسية المعهودة سابقا.
ومع ذلك غلب المناخ الإيجابي على اللقاء الجديد في القصر اذ افاد مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية في بيان مقتضب ان الرئيس عون عرض مع الرئيس الحريري “الوضع الحكومي في جو من التفاهم على ما تحقق حتى الآن من تقدم”.
وبدا لافتا في اللقاءات السياسية الرديفة للقاء بعبدا بروز حركة درزية على خط القصر من خلال لقاء علني لرئيس الجمهورية مع النائب طلال أرسلان وآخر غير معلن مع الوزير السابق وئام وهاب في حين رشحت معلومات من أوساطهما انهما يسعيان وراء مطالب استيزارية لئلا تبقى الحصة الدرزية محصورة بالحزب التقدمي الاشتراكي رغم ظل مقاطعة أرسلان استشارات تكليف الحريري ورفضه هذا التكليف.
اما المعطيات المتوافرة عن مسار التأليف في ظل اللقاء الأخير في قصر بعبدا والمشاورات الجارية في كواليس عملية تأليف الحكومة العتيدة فتشير الى توغل الاتصالات في تفاصيل توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف والفئات السياسية من دون طرح أي أسماء مقترحة بعد. ووفق هذه المعلومات يبدو ان ثمة موافقة جماعية توافرت للرئيس المكلف حول موضوع اعتماد المداورة في الحقائب مع الموافقة على الاستثناء الوحيد المتعلق بمنح حقيبة المال للشيعة “لمرة وحيدة” هذه المرة .
وتشير المعلومات انه في لقائهما الثالث بعد التكليف،اقترب الرئيس المكلّف سعد الحريري خطوة اضافية باتجاه رئيس الجمهورية بالموافقة مبدئياً على مطلبه بحكومة من عشرين وزيراً.
المعلومات القليلة تقاطعت ومن اكثر من مصدر على تفاؤل بالتقدم نحو الاتفاق على التشكيلة الحكومية توزيعاً وحقائب وحصصاً. ورغم التكتم، علم ان الرئيس الحريري قدم لرئيس الجمهورية مسودة حكومية تقوم على المداورة الشاملة في الحقائب السيادية باستثناء حقيبة المال التي بقيت مع الطائفة الشيعية وتحديداً مع حركة امل، وتعطى الخارجية للسنة، والداخلية للموارنة، وتبقى حقيبة الدفاع كما نيابة رئاسة الحكومة للارثوذكس.
كما اتفق على المداورة الشاملة في الحقائب الخدماتية الاساسية وابرزها الطاقة التي قد تعطى لأرمني بالتفاهم مع رئيس الجمهورية.
ويفترض ان يوافق “حزب الله” على التخلي عن وزارة الصحة، وعلم انه ورغم اصراره عليها، قد يقبل بدلاً منها اما بالتربية واما بالاتصالات. وقد تسحب الاشغال من المردة رغم اصراره عليها.
وعلم ايضاً ان اعادة توزيع هذه الحقائب ومن ضمنها وزارة التربية، ينتظر جولة اتصالات تردد ان الرئيس سعد الحريري سيقوم بها مع القوى السياسية .
ومع حكومة العشرين قد يعطى الدروز مقعدان، احدهما لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والاخر يمكن ان يعطى الى شخصية قريبة من كل من جنبلاط وطلال ارسلان الذي قصد رئيس الجمهورية للمطالبة بوزير درزي ثانٍ. كما كان هذا ايضاً مطلب رئيس حزب التوحيد وئام وهاب الذي غرد بعد زيارته بعبدا مبشراً بالأجواء الإيجابية وبأن الحكومة مسهلة. وتحدثت معلومات عن احتمال اسناد وزارة الخارجية الى السفير في برلين مصطفى اديب الذي اعتذر عن تأليف الحكومة قبل أسابيع.
وفيما اشيعت اجواء تفاؤلية عن ان الحكومة قد تبصر النور خلال عطلة نهاية الاسبوع الحالي او الاسبوع المقبل، اشارت مصادر مطلعة الى ان كل ترتيبات الحكومة قد تنجز سريعا على ان تأتي ولادتها بعد الانتخابات الاميركية.
واشارت هذه المصادر الى ان مسالة الاتفاق المسبق على برنامج الحكومة يتقدم على الاتفاق على حقائبها وتركيبتها، اذ ان على الحكومة الجديدة بكل مكوناتها الالتزام بتنفيذ ورقة صندوق النقد الدولي وشروطها القاسية وغير الشعبية، لجهة رفع الدعم عن السلع الاساسية، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة، وتحرير سعر صرف العملة، وتقليص حجم القطاع العام، وضبط الحدود ووقف التهرب الجمركي، وزيادة سعر صفيحة البنزين.
وبرزت تأكيدات متجددة لـ”تكتل لبنان القوي” برئاسة النائب جبران باسيل بالتزامه “الى اقصى الدرجات تسهيل ولادة الحكومة والتمسك بوحدة المعايير وعدالتها في اتجاه كل الكتل والمكونات”. واكد انه “ينتظر بإيجابية نتائج المشاورات الجارية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ليحدد كيفية التعاطي مع مسألة التشكيل مراهنا على نجاح المشاورات في احترام الميثاقية والدستور وتولي وزراء قادرين على تنفيذ البرنامج الإصلاحي بسرعة”.
التحقيق الجنائي
ولم يمنع الانشغال بمسار تأليف الحكومة بروز مشكلة تتصل بالتدقيق الجنائي اذ اثار رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان بعد اجتماع اللجنة امس موضوع التحقيق الجنائي الذي يجري في مصرف لبنان كاشفا ان كل المعلومات المتوافرة للجنة تدل على ان الشركة التي تم التعاقد معها) الفاريز ( طلبت عددا من الأسئلة والمعطيات ولم تتلق عليها أجوبة . وإذ حذر من محاذير هذا التطور دعا حكومة تصريف الاعمال او الحكومة الجديدة اذا شكلت قبل الثالث من تشرين الثاني موعد انتهاء العقد مع الشركة الى معالجة سريعة للموضوع “والا نكون ضربنا العملية الإصلاحية”. وتوجه الى وزير المال غازي وزني والرئيس المكلف سعد الحريري قائلا “انتم امام امتحان عسير اذا لم تعط الشركة ما تريد وستتحملون مسؤولية أنكم لا تريدون السير في الإصلاح وسأضع هذا الامر امام الرأي العام “.
الأعلى قياسيا وفاجعة بخعون!
في غضون ذلك تصاعد خطر الانتشار الوبائي لفيروس كورونا في المناطق اللبنانية كافة تقريبا ولا سيما في المدن الكبيرة بدءا ببيروت خصوصا وسط استفحال ألازمات المالية في القطاعات الاستشفائية والصحية والدوائية . واخطر ما سجل امس تحليق العدد الرسمي الصادر عن وزارة الصحة لحالات الإصابات بكورونا وتسجيله الرقم الأعلى قياسيا وتراكمياً في لبنان ليوم واحد منذ بدء انتشار الوباء في لبنان في شباط الماضي . واقترب عدد الإصابات من سقف الألفين مسجلا 1809 إصابات و11 حالة وفاة. وضجت منطقة الشمال مساء امس بصدمة وفاة أربعة أشخاص من عائلة واحدة في بلدة بخعون بداء كورونا حيث توفي بسام الصمد الفرد الرابع في عائلته بعد وفاة والده ووالدته وشقيقه تباعا ولا يزال شقيقه وشقيقته يعالجان في المستشفى الحكومي في طرابلس جراء إصابتهما أيضا بكورونا .