خلال يومين لم تتوقف الحملة التي تقودها قنوات التلفزة وكبار المعلقين في كيان الاحتلال على قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، والحديث عن صدمة في الأوساط المعنيّة بملف ترسيم الحدود من الخرائط التي حملها الوفد العسكري اللبناني، ويلتقي المعلقون ايهود يعاري في القناة 12 والعنوان الذي وضعته القناة 24، لبنان يطالب بالعودة لحدود 1923، كما يلتقي مع المعلق شمعون آران في قناة مكان على اعتبار الموقف اللبناني القوي قطع الطريق على التفاوض على تقاسم مساحة الـ 860 كلم مربع التي جاء الوفد “الإسرائيلي للمفاوضة حول تقاسمها، بطرح تصوّر للمناطق الاقتصادية يمنح لبنان مساحة إضافية بـ1200 كلم مربع، ومع ما قاله الباحث مردخاي كيدار عن مأزق قانوني للوفد “الإسرائيلي” المفاوض في رفض حدود 1923، والدعوة لوضع ردود تقنية من نوع استحالة فصل الحقول النفطية في قاع البحار بحدود خطيّة مرسومة.
الإجماع على توصيف الوفد العسكري اللبناني ومن ورائه قائد الجيش بالخصم الصعب والعنيد جسّده يعاري بقوله، “بدلاً من أن يظهر الوفد اللبناني متواضعاً وضعيفاً بعد كل الأزمات التي عصفت وتعصف بلبنان”، بحسب قول يعاري، إلا أن هذا الوفد وخصوصاً الممثل العسكري يظهر في المفاوضات مسنود الظهر ومفتول العضلات وقد جاء بمطالب جديدة مفاجئة”.
الملف التفاوضي وما أثير حوله من غبار سياسي وإعلامي، كان مقرراً أن يتناوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته أمس، وقد أرجأ موقفه لإطلالة قريبة لاحقة، مركّزاً على الأزمة التي تعصف بعلاقة العالم الإسلامي بأوروبا من بوابة الرسوم المسيئة للرسول، وملف الإرهاب في أوروبا، مؤكداً إدانة الأعمال الإرهابيّة التي تستهدف أوروبا، رافضاً مصطلحات الإرهاب الإسلامي والفاشية الإسلامية، داعياً الرئيس الفرنسي للخروج من اللغة المزدوجة في التعامل مع الإرهاب ومع حرية التعبير، حيث يمنع نوع من حرية التعبير باسم معاداة السامية، ويباح التطاول على رمز مقدّس لمئات الملايين من المسلمين باسم هذه الحرية، وحيث بالتوازي يتم الحديث عن حرب على الجماعات الإرهابية في أوروبا واستعداد دائم للعمل مع هذه الجماعات الإرهابية ودعمها خارج أوروبا لخدمة السياسات الاستعمارية كحال الحرب على سورية، داعياً لحوار عقلاني وتعاون عملي لمنع تجذر ثقافة الكراهية والعنف.
في الشأن الحكومي أكد السيد نصرالله استعداد حزب الله لتسهيل مهمة تشكيل الحكومة، ناقلاً إيجابيات مقبولة ترافق المسار الحكومي، بينما بات شبه مؤكد بعد لقاء أول أمس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، أن التأليف لن يُبصر النور قبل الأسبوع المقبل، كما أكدت مصادر مواكبة للملف الحكومي، وقالت المصادر إن النقاش عاد للبحث بعدد الوزراء بين 18 و20 لحل العقدة الدرزية، وأن فكرة المداورة نفسها التي تم التفاهم على اعتمادها بمعزل عن وزارة المال عادت مناقشتها مجدداً، مع ترجيح السير بحكومة الـ 20 وتولي رئيس الجمهورية البتّ باعتماد الوزراء المسيحيين بعد اقتراحات الرئيس المكلف المنطلقة من محاكاة لمطالب الكتل ومراعاة معايير الاختصاصيين، وحقه بتسمية وزير مسيحي، مقابل تسمية رئيس الجمهورية لوزير مسلم هو الوزير الدرزي الثاني، وترك أمر تثبيت الوزراء المسلمين لرئيس الحكومة، والاكتفاء بتوزيع متوازن متفق عليه للحقائب على الطوائف من دون تحويل المداورة الى عقدة إضافية لعرقلة التشكيل.
نصرالله: فرنسا تتحمّل المسؤولية
اعتبر الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أنه لا يجوز للسلطات الفرنسية أو غيرها أن تحمّل مسؤولية جريمة ارتكبها شخص محدد لدين هذا الشخص أو لأتباع هذا الدين، معبراً في الوقت نفسه عن الإدانة الشديدة لحادثة مدينة نيس الفرنسية التي يرفضها الإسلام أيضاً، ودعا السلطات الفرنسية لعدم السماح باستمرار هذا العدوان وهذا الانتهاك وهذه السخرية.
وخلال كلمة متلفزة في ذكرى ولادة رسول الله محمد وحفيده الإمام الصادق وأسبوع الوحدة الإسلامية، أشار السيد نصرالله إلى الفكر التكفيري الإرهابي الذي تبنّى القتل لمجرد الاختلاف الفكري في منطقتنا حمته الدول الغربية، داعياً الغرب أن يبحث أولاً عن مسؤوليته بشأن الجماعات التكفيرية.
وأشار إلى أن الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية دعمت وموّلت الجماعات التكفيرية في سورية والعراق، مؤكداً أن لا علاقة للرسول والأمة الإسلامية بجرائم الجماعات التكفيرية، كما رأى أنه ينبغي على الأميركيين والأوروبيين أن يعيدوا النظر بسلوكهم باستخدام الارهابيين كأدوات في المشاريع السياسية والحروب.
ولفت إلى أن استخدام هذا النوع كأدوات يجب أن يتوقف، وإلاّ «سوف تشاركون في دفع أثمان هذه الأخطاء»، لافتاً إلى أن الأزمة بدأت عندما نشرت المجلة الفرنسية المشؤومة الرسوم المسيئة للرسول. كما أشار إلى أن السلطات الفرنسية بدل معالجتها الموضوع دخلت في حرب من هذا النوع وعاندت بالإكمال بالرسوم الساخرة.
اعتبر أن حرية التعبير في فرنسا وأوروبا ليست مطلقة بل مقيدة باعتبارات أمنية وسياسية، مضيفاً «عندما يمسّ أي شيء بإسرائيل تقف حرية التعبير في فرنسا والأمثلة كثيرة»، وسأل «لماذا تقف حرية التعبير عند معاداة السامية؟ وتوجّه للسلطات الفرنسية بالقول «يجب أن تفكروا بمعالجة هذا الخطأ الكبير الذي تمّ ارتكابه ويجب أن تعودوا الى الأساس وهذا ليس خضوعاً للإرهاب»، مضيفاً «لا تسمحوا باستمرار هذا العدوان وهذا الانتهاك وهذه السخرية»، وتابع قائلاً «الإساءة لكرامات أنبيائنا أمر لا يقبل به أي مسلم في العالم».
وكان محيط السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر في بيروت شهد، تظاهرات ووقفات احتجاجية على الرسوم المسيئة للنبي في فرنسا. وحضر المئات من طرابلس وبيروت وصيدا وتجمعوا في محيط السفارة الفرنسيّة بعد صلاة الجمعة، حيث ندّدوا بالدولة الفرنسية والسلطات الفرنسية المتساهلة مع المسّ بالرسول، وأعلنوا أن مَن يتضامن مع باريس لا يمثّلهم. وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة، وتخلل التظاهرة تضارب واشتباكات بين المحتجين والقوى الامنية التي تعرّضت لإطلاق الحجارة من المحتجين، قبل أن تتمكن القوى الامنية من احتواء التظاهرة واعادة الأمور الى طبيعتها.
وفيما أعلن السيد نصرالله عن إطلالة له في الحادي عشر من الشهر المقبل بذكرى يوم شهيد حزب الله، للحديث عن موضوعات إضافية، تطرق إلى الشأن الحكومي بشكل مقتضب مشيراً الى أنه «لا يمكن الاستمرار في حكومة تصريف الأعمال»، قائلاً «معطياتنا تقول إن أجواء تأليف الحكومة جيدة ومقبولة»، مؤكداً أننا «سنتعاون وسنسهل تأليف الحكومة»، معتبراً أن «الوقت الآن ليس للمناكفات في الداخل اللبناني».
النقاش مستمرّ حول توزيع الحقائب
ولم تصل مشاورات ربع الساعة الأخير بين الرئيس ميشال عون وسعد الحريري والكتل النيابية الى خواتيم نهائية، فالتفاوض مستمر للتوصل الى توزيع بعض الحقائب بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف إلى جانب بروز عقدة مستجدّة للتمثيل الدرزي.
وبحسب المعلومات فإن إعلان الحكومة اقترب وبات مسألة أيام معدودة، مشيرة الى أن توزيع الحقائب قد حُسم وتنتظر توزيعها على المذاهب تمهيداً لإسقاط الأسماء. ولفتت المعلومات الى أن الحقائب السيادية ستوزع وفقاً للآتي: الدفاع والداخلية من حصة رئيس الجمهورية، الخارجية للحريري، أما حقيبة المال فحُسمت لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، فيما يجري النقاش على الحقائب الأساسية كالاتصالات والأشغال والطاقة. فيما لم يزر الحريري بعبدا كما كان متوقعاً أمس، فيما لفتت المعلومات الى أن الحريري زار بعبدا والتقى عون أمس بعيداً عن الإعلام وتداولا بمسألة توزيع الحقائب.
وأشارت مصادر عين التينة لـ»البناء» الى أن «الأجواء الإيجابية مازالت على حالها حتى الساعة وإذا ارتفعت وتيرة اتصالات الرئيس المكلف مع الكتل النيابية، فسيضع تصوراً للحكومة شكلاً ومضموناً خلال مهلة نهاية الاسبوع ولا تتعدّى الأسبوع الأول من الشهر المقبل»، لافتة الى أن «حركة مشاورات واتصالات سريعة لا بدّ منها لتذليل بعض العقبات وتدوير الزوايا سواء في العدد الذي يبدو أصبح عشرينياً والآن النقاش يدور حول المداورة وكيفية توزيع الحقائب على الطوائف والكتل النيابية».
العقدة الدرزية المستجدة
إلا أن العقدة الدرزية المستجدة قد تؤخر ولادة الحكومة، بحسب المعلومات في ظل اتهام الحزب الديمقراطي والوزير السابق وئام هاب لرئيس الاشتراكي وليد جنبلاط بنصب مكيدة من خلال إقناع الرئيس الحريري بصيغة الـ 18 وزيراً التي تحصر التمثيل الدرزي بجنبلاط.
وأكدت أوساط الحزب الديموقراطي لـ»البناء» أن النائب طلال أرسلان والحزب الديموقراطي والقيادات الدرزية الوطنية متمسكون بحصول الطائفة الدرزية على مقعدين وحقيبتين إسوة بالطوائف الأخرى ولا يجوز اختصار التمثيل الدرزي بحقيبة واحدة ما ينتقص من تمثيل الطائفة الدرزية ودورها التأسيسي للبنان»، مذكرة بأنه منذ الطائف حتى الآن تمثل الطائفة الدرزية بوزيرين أو ثلاثة ولا يجوز اختصار التمثيل بحزب واحد ما سيؤدي الى تكريس الاحادية التي سقطت منذ وقت طويل وفي كل الطوائف». متسائلة: لماذا يجري توزيع الحقائب على جميع الأحزاب داخل الطوائف إلا بين أحزاب الطائفة الدرزية؟ لا سيما أن هناك تمثيلاً شعبياً وسياسياً ووطنياً وازناً في الواقع الدرزي خارج عن جنبلاط». ولفتت مصادر الديموقراطي الى أن التمثيل لا يُقاس بالعددية ولا بتسمية رئيس الحكومة من عدمه، مشيرة الى أن التيار الوطني الحر لم يسمِ الحريري في الاستشارات فهل يجوز إقصاؤه عن التمثيل الحكومي؟». وأكدت الأوساط أن «حلفاءنا يدعمون موقفنا وحقنا في التمثيل كما أن رئيس الجمهورية متفهم لمطلبنا ويسعى لحكومة عشرينية ولأوسع تمثيل شعبي».
في المقابل أبدت مصادر الحزب الاشتراكي استغرابها لاتهام الديموقراطي بمكائد وكمائن فيما ليس وليد جنبلاط من يشكل الحكومة بل الرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ولفتت لـ»البناء» الى أن العقدة ليست عندنا بل عند الآخرين الذين يطلقون الشعارات والاتهامات»، مضيفة أن الاتهام بأننا أقنعنا الحريري بصيغة الـ 18 وزيراً غير صحيح، فالحريري نفسه كان متمسكاً بصيغة الـ 14 وزيراً ولم نعرف بعد الصيغة الحكومية الأخيرة لنبني على الشيء مقتضاه».
ولفت عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله الى ضرورة وضع معايير واحدة للوزراء الذين يجب أن يكونوا إصلاحيين، مشدداً على أن هذا الأمر يجب أن يكون فوق المحاصصة. وقال عبد الله: «لسنا على اطلاع على تفاصيل التأليف لكن إن كان هناك في محيط الرئيس ميشال عون مَن يحاول ابتزاز جنبلاط والاشتراكي فنحن بغنى عن هذه المسألة». وأمل ان يُسحب ما يقال عن شرخ درزي – درزي من التداول والتسريبات الإعلاميّة التي صدرت نعرف مصدرها ومن وراءها».
عطالله: حصة التيار لم تحسم
على صعيد التيار الوطني الحر، أكّد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب جورج عطالله على الجو الايجابي في الملف الحكومي قائلاً: «منذ اليوم الاول قلنا إن هذه الحكومة ستحصل منا على كل تسهيل ولسنا متمسكين بأي شيء». واوضح أن «حصة التيار لم يتمّ حسمها حتى الآن، وكل التسريبات لا يُعوّل عليها، الأمور الأكيدة هي في إطار التفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف».
وواصلت الأجواء الحكومية الإيجابية السائدة تأثيرها على أسواق الصرف، حيث سجل سعر صرف الدولار مساء أمس تراجعاً في السوق السوداء بشكل طفيف جداً، إذ سجّل 6750 ليرة لبنانية للشراء مقابل 6820 ليرة للمبيع.
عون والسفيرة الأميركية
الى ذلك، تابع رئيس الجمهورية مسار المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والتي تتواصل في مقر قيادة «اليونيفل» في الناقورة وذلك خلال لقائه في قصر بعبدا سفيرة الولايات المحتدة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، حيث عرض معها العلاقات اللبنانية – الأميركية وسبل تطويرها، إضافة الى الاوضاع العامة والتطورات الاخيرة. كما استقبل عون المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش واطلع منه على تفاصيل جولتي مفاوضات الترسيم اللتين عقدتا يومي الاربعاء والخميس الفائتين في الناقورة، والأجواء الإيجابية التي تسود المفاوضات على الرغم من وجود وجهات نظر مختلفة هي موضع التفاوض الذي سيستأنف الشهر المقبل.
وأكدت السفارة الأميركية في بيان أنه «بناء على التقدم المحرز خلال اجتماع 14 تشرين الأول الحالي، اجتمع ممثلون عن الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية يومي 28 و29 منه بوساطة من الولايات المتحدة وباستضافة مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش. تأمل الولايات المتحدة ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان أن تفضي هذه المفاوضات إلى الحل الذي طال انتظاره. وقد أعرب الطرفان عن التزامهما متابعة المفاوضات الشهر المقبل».
لجنة متابعة كورونا
على صعيد آخر، عقدت لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا اجتماعاً في السراي الحكومي وأصدرت توصيات بالطلب من نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة تخصيص 10 في المئة من الاسرة العادية و20 في المئة من أسرة العناية الفائقة لمرضى كورونا. وفي حال التخلف عن ذلك، أعلنت اللجنة أنه سيُصار إلى تطبيق التدابير التالية: الطلب من وزارة الداخلية والبلديات منع التجوّل بين الساعة التاسعة مساءً والخامسة فجراً على كافة الاراضي اللبنانية. منع الحفلات الخاصة والعامة والمناسبات الاجتماعية على أنواعها في المطاعم والصالات. تفعيل خطة الإقفال «heat map” في المناطق لتضم بيروت وضواحيها وفقاً لمعايير إقفال الشوارع والأحياء.