ساعات فاصلة تمرّ بها عملية تشكيل حكومة المحاصصة المتجددة، والنقاش بلغ “عقارب التفاصيل” حيث عادةً ما يستحكم تزاحم التباينات والتوجهات بالتوقيت المحلي لولادة الحكومة. الواضح أنّ ركائز الإيجابيات التي سادت عقب التكليف اهتزت لكنها لم تقع، واندفاعة التأليف تضعضعت تحت وطأة جملة من المؤشرات، بدءاً من بيان “التأني” الرئاسي، مروراً بتسريبات وتصريحات ضاغطة على الرئيس المكلف سعد الحريري تضع أحصنة “الشروط والحصص” أمام عربة التأليف، وصولاً إلى فتور بالغ الدلالة في مقاربة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله للملف الحكومي، خصوصاً وأنه أتى فتوراً مقروناً بالدعوة إلى وجوب عدم “المبالغة في الإيجابية” والاكتفاء بإبداء “الأمل” والتمنيات بالتوفيق للرئيس المكلف بأن ينجح مع رئيس الجمهورية في تشكيل حكومته في “أقرب وقت”.
وتحت وطأة “النقزة” من تعقيدات طائفية ومذهبية وتحاصصية آخذة بالتلبّد في الجو الحكومي، لا يزال تقصي أخبار التأليف يتأرجح بين “القمحة والشعيرة” في ظل التأرجح المستمر بين الرغبة في تصغير عديد الحكومة وبين الشهيات المفتوحة على توسعة قالبها ليتسع لأكبر قدر ممكن من جوائز الترضية الوزارية لكتل الأكثرية الفاسدة التي تعد نفسها بمزيد من الهدر والتنفيعات. غير أنّ المتفائلين بوصول الجهود المكوكية على خط بيت الوسط – قصر بعبدا إلى خواتيمها المرجوة، يحاذرون التركيز على النصف الفارغ من الكأس، ويؤثرون التعويل على حاجة جميع الفرقاء إلى وجود حكومة جديدة تحاكي متطلبات المرحلة والتطلعات الدولية عموماً لوقف الانهيار في البلد.
وفي هذا السياق، لا تنفي أوساط مواكبة وجود بعض “التنتيعات” من هنا أو هناك لكنها لم تبلغ بعد مستوى المعضلات التي يمكن أن تقوض عملية التأليف، مؤكدةً أنّ الأمور ما زالت “تحت السيطرة” ومن الآن حتى مطلع الأسبوع يفترض أن تتضح الصورة وتتبلور آفاق المساعي الحثيثة التي يقودها الرئيس المكلف بالتنسيق والتشاور مع رئيس الجمهورية ميشال عون. أما على مستوى العقدة الدرزية التي طفت على سطح المشهد الحكومي، فأكدت الأوساط “حقّ أي فريق بتحديد موقفه إزاء التأليف كما كان له الحق في تحديد موقفه من التكليف، لكن حسم الخارطة الوزارية يحتاج إلى ترسيم دقيق لمعالم الحكومة ومعاييرها، وهذا ما يجري بعيداً عن تأثيرات التسريبات الإعلامية والخبريات المتناقلة في الصالونات السياسية”.
وفي مقابل الفتور الذي صبغ كلام الأمين العام لـ”حزب الله” حكومياً، مواقف بالغة الحماوة غلفت رسائله للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خلفية قضية الرسوم المسيئة للنبي محمد، فحمّل السلطات الفرنسية “المسؤولية الأولى” عن اعتداءات الإرهابيين، وتوجه إلى باريس بعبارات توبيخية على أدائها تجاه العالم الإسلامي بالقول: أوقفوا هذه “المسخرة” أين مصالحكم في المنطقة من هذا التوجه المعادي للمسلمين؟.
تزامناً، وفي إطار الأولوية التي توليها فرنسا للمشهد اللبناني، نقلت أوساط إعلامية في باريس أنّ مسؤولين فرنسيين واكبوا أمس التحرك الميداني المناهض لفرنسا في بيروت، وطلبوا تقارير تفصيلية عن أعداد وانتماءات المتظاهرين الذين تجمهروا على مقربة من قصر الصنوبر واستخدموا أساليب عنفية في تحركهم الاحتجاجي ضد فرنسا. وبحسب خلاصة ما توصلت إليه هذه التقارير فإنّ “تنظيم التظاهرة التي انطلقت من طرابلس وتولاها “حزب التحرير” كان وراءه “حزب الله” عبر حلفائه في عاصمة الشمال”، وذلك في إطار ما فُهم على أنه بمثابة “رسالة مشفّرة أراد الحزب إيصالها إلى باريس لتأكيد قدرته على تجييش ساحات وبيئات غير شيعية ضد السياسة الفرنسية”.