حدثان يشغلان اللبنانيين: حدث دولي يتمثّل في الانتخابات الأميركية التي ما زالت تشغل العالم لأنه يتوقّف على نتائجها مصير هذا العالم بفِعل دور الولايات المتحدة في صناعة القرارات الدولية، وانشغال اللبنانيين بمتابعة هذه الانتخابات لا يتم من باب الحشرية أو تثمين الديموقراطية الأميركية، إنما من باب تأثير هذه الانتخابات على مستقبل لبنان والمنطقة في ظل اعتقاد لبناني صارم أنّ الأزمة اللبنانية لن تنتهي إلّا ضمن تسوية أميركية-إيرانية تعيد الاستقرار إلى ربوع بلاد الأرز بعد أكثر من 4 عقود على الفوضى.
فالحدث الأميركي يشكّل بالنسبة إلى اللبنانيين الحدث الحقيقي القادر على إنهاء أزماتهم التي استفحلت في السنوات الأخيرة إلى حدود تغيير نمط عيشهم، الأمر الذي شَكّل سابقة في تاريخ البلد لم يشهد لها مثيل حتى في عز الحرب الأهلية. وبالتالي، يعوّلون على الاستحقاق الأميركي كمدخل لإنهاء الأزمات في الشرق الأوسط ومن ضمنها لبنان.
أمّا الحدث الثاني الذي يشغل بال اللبنانيين فهو الحدث الحكومي، ولكن الفارق، بالنسبة إليهم، بين الحدث الأول والثاني، انهم لا ينتظرون شيئاً من الحكومة التي تؤلّف وفق القواعد نفسها التي تألفت على أساسها الحكومات المتعاقبة، وأدت في نهاية المطاف إلى الأزمة التي يشهدها لبنان. وبالتالي، إنّ متابعتهم للحدث الحكومي تأتي في سياق تعبئة الفراغ ومن دون الرهان على اي تغيير حقيقي طالما انّ المحاصصة ما زالت سيّدة الموقف.
ومن غير المعلوم بعد ما إذا كانت العرقلة الحكومية مردّها إلى انتظار انتهاء فرز صناديق الاقتراع الأميركية، أم مرتبطة بالنزاعات التقليدية التي واجهت كل الحكومات في ظل الخلافات حول الأحجام والأوزان والحقائب، فيما لا يمكن استسهال هذا الجانب الذي طالما كان يؤخّر ولادات الحكومات إلى أشهر، ولولا الأزمة المالية والدينامية التي انطلق بها الرئيس المكلّف سعد الحريري في التأليف لأمكَنَ القول انّ التشكيل ما زال ضمن فترة السماح التقليدية والطبيعية المعهودة والمشروعة.
ومن الواضح حتى اللحظة انّ العهد لن يفرج عن الحكومة قبل ان يضمن «الثلث المعطّل» والحقائب التي يريدها في عهدته، ويتعامل على قاعدة انّ ما يَنطَبق على «الثنائي الشيعي» يجب ان ينسحب عليه، فإذا كانت حصة الثنائي مضمونة ومحفوظة، فيجب ان تكون حصته أيضاً مضمونة ومحفوظة، فيما الرئيس المكلّف، الذي قرّر المحاولة تحت عنوان «الإنقاذ»، يحاول ان يوفِّق بين مطالب القوى السياسية من أجل تخريج الحكومة بأفضل شكل ممكن بغية ان تتمكن من مواجهة التحديات المالية بفريق عمل واحد وألّا تتكرر تجربة الحكومة المستقيلة، فهل سينجح؟
صارت أسهم ملف التأليف الحكومي شبيهة بسعر الدولار. يوم ترتفع ويوم آخر تهبط، تبعاً لتطورات البورصة السياسية.
وبعدما كانت معدلات التفاؤل بقرب ولادة الحكومة قد عادت الى الارتفاع عقب لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون مع الرئيس المكلف الاثنين الماضي، هَبّت مجدداً رياح التشاؤم بعد الجمود الذي أصاب المشاورات امس الأول وعدم انعقاد الاجتماع الذي كان مقرراً بين عون والحريري، قبل ان تبرز امس تعقيدات جديدة أعادت خلط الأوراق في وعاء التفاوض.
ووفق بعض الاوساط فإنّ مبدأ المداورة قد اهتزّ بعد ظهور مؤشرات الى تَمسّك فريق رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» بحقيبة وزارة الطاقة، وتجدد شهية الرئيس سعد الحريري على حقيبة وزارة الداخلية.
واضافة الى عقدة توزيع الوزارات، تناقلت مصادر سياسية رواية تفيد أنّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلف كانا قد قطعا شوطاً كبيراً في اجتماع الاثنين الماضي نحو الاتفاق على أسماء الوزراء المسيحيين الذين اختارهم عون، لكن تَناهى الى مسامع رئيس تيار«المستقبل» لاحقاً انّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل استدعى الشخصيات المسيحية المرشحة للتوزير، في إشارة الى انه شريك في اختيارها، الأمر الذي أزعج الرئيس المكلف وانعكس سلباً على مساعي التفاهم، وفق رواية المصادر.
وفيما يربط البعض تَعثّر ولادة الحكومة بمخاض الانتخابات الأميركية، على قاعدة انّ هناك من ينتظر اتّضاح هوية الرئيس المقبل ليبني على الشيء مقتضاه، تؤكد أوساط سياسية واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» ان لا علاقة بين الاستحقاقين، اللبناني والاميركي، وان تعارض الحسابات الداخلية المتعلقة بالحصص الوزارية، خصوصاً بين عون و»التيار» من جهة والحريري من جهة أخرى، هو العامل الأساسي الذي يؤخر إنجاز الاتفاق على التركيبة الحكومية.
وفي رواية أخرى، قالت مصادر مشاركة في الاتصالات لـ«الجمهورية» انّ «ملف التأليف يراوح مكانه عند عقدة الاسماء المسيحية لدى رئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، اللذان يصرّان على اختيار اسماء ذات طابع حزبي، الأمر الذي يرفضه الرئيس المكلف سعد الحريري كون هذا الامر يتعارَض مع الشعار الذي رفعه لحكومته من انها «حكومة اختصاصيين غير حزبيين»، وحتى اذا كان لديهم ميل سياسي، فقد اشترط ان تكون اسماؤهم على مسافة من الاحزاب، ولكن اتّضَحَ انّ كل الاسماء التي اختارها باسيل حتى الآن هي أسماء يَغلب عليها الطابع الحزبي».
وكشفت هذه المصادر «ان كل ما يُشاع في الاعلام عن خلاف حول حجم الحكومة وتوزيع الحقائب لا صحة له، كون هذه الامور تجاوزها الزمن بعد الاتفاق الذي حصل بين الرئيس المكلف والكتل السياسية، فالامور ما تزال عالقة فقط عند اسماء وزراء الحقائب التي خصصت للمسيحيين». واشارت الى انّ التسريبات حول عدم الاتفاق على شيء وان الامور عادت الى نقطة الصفر، ربما تكون مقصودة للتشويش». ورأت انّ عدم زيارة الحريري لبعبدا منذ الاثنين «يعني انّ كل طرف لا يزال على موقفه»، واستبعدت ان يكون هناك اي رابط ما بين المفاوضات الحاصلة حول ملف تشكيل الحكومة والانتخابات الاميركية.
وكان الصمت ظلّ مخيّماً أمس في القصر الجمهوري كما في «بيت الوسط»، حيث أحيطت التطورات المتصلة بالتشكيلة الحكومية بالكتمان، ولم تصدر اي إشارة الى اي تطور جديد منذ توقّف زيارات الحريري لعون التي كان آخرها عصر الإثنين الماضي. كذلك لم تشر اي معلومة الى شكل الإتصالات الجارية بينهما.
وعلى وقع هذا الصمت، كشفت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية ما زال ينتظر مشروع التشكيلة المعدّلة عقب التفاهمات الأخيرة التي أجرت بعض التعديلات على الحقائب الأساسية، خصوصاً تلك التي تَجنّبت بعض الحقائب السيادية، ولا سيما منها حقيبتا المال والطاقة اللتين أصبحتا خارج المداورة، وهو ما لم تَرتَح له بعض القوى التي تخشى من الاستئثار بهما مخافة الخروج «الفاقع» عن الالتزامات بالمبادرة الفرنسية في قطاعين مهمين كان لهما الأثر السلبي على الرؤية الدولية لحجم الفساد في لبنان وتورّط مسؤولين فيهما، ما أدى الى ارتفاع حجم الدين العام بمقدار كبير.
ولفتت المصادر الى انّ التشكيلة الأخيرة للحريري التي سلّمها لعون الإثنين الماضي مُرفقة ببعض الأسماء استولَدت ملاحظات لدى رئيس الجمهورية تَوجّسَ الحريري منها، ودفعته الى التمسك ببعض الأسماء ورفض اخرى مطروحة لأسباب تتصل بمواصفاتها السياسية والحزبية المسيئة الى حكومة مستقلة وحيادية غير حزبية.
وقالت هذه المصادر «انّ الصمت المطبق يرخي بظلاله على خلافات توسّعت وتشعّبت على اكثر من مستوى، وتتصل بتوزيع الحقائب والأسماء المقترحة للبعض منها، والتي كان البحث في مقاربتها قد بدأ من باب إصرار بعض الأطراف على اسماء محددة رفضها الحريري في المطلق».
وقد غرّد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أمس عبر «تويتر»، كاتباً: «وزارة الأخصائيين تزداد وضوحاً في كل يوم».
غموض التدقيق الجنائي
وعلى الصعيد المالي، ارتفع منسوب الغموض والتناقض في ملف التدقيق الجنائي، وانتهت المفاوضات التي أجريت أمس في بيروت وتدخّل فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، بالاضافة الى وزيري المال والعدل غازي وزني وماري-كلود نجم، الى لا اتفاق.
وفي حين أعلن وزني بعد اجتماع عُقد في القصر الجمهوري انه تم التوافق على تمديد مهلة العقد الى 3 اشهر بُغية حصول الشركة المدققة «الفاريز ومارسال» على المعلومات المطلوبة، نَفت نجم عقب اجتماع عقد في السرايا حصول مثل هذا الاتفاق، واكتفت بالقول: «متمسّكون بقرار مجلس الوزراء، ولم يحصل تمديد للعقد بل هناك أفكار يتم التداول بها، هناك عقد وقرار مجلس وزراء اتخذ لا يتغير بهذه السهولة».
وكان رئيس الجمهورية قد أكد خلال ترؤسه لاجتماع في قصر بعبدا، على «ضرورة التزام الحكومة إجراء التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان، واهمية هذه الخطوة في مجال الإصلاحات الضرورية لمعالجة الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد».
بعد الاجتماع، أدلى وزني ببيان قال فيه: «تم الاتفاق على اجراء اللازم لتمديد المهلة المطلوبة لتسليم جميع المستندات لشركة «الفاريز ومارسال»، بحيث تصبح 3 اشهر بعدما كانت محددة في العقد الموقع مع الشركة كي تنتهي في تاريخ أقصاه 3/11/2020، على ان يتم خلال الفترة الممددة أعلاه تسليم بعض المستندات التي حالت دون تسلّمها في ظل القوانين والأنظمة المرعية الاجراء».
في موازاة اجتماع بعبدا، عقد اجتماع للغاية نفسها في السرايا الحكومية تَرأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وحضره الوزراء: زينة عكر، غازي وزني، ماري كلود نجم، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وقالت نجم بعد الاجتماع: «كررنا موقفنا أنّ هناك قراراً اتخذ في مجلس الوزراء بالإجماع وعلى مرحلتين لإجراء تدقيق مالي جنائي في حسابات مصرف لبنان، وقرار آخر بتكليف شركة «ألفاريز ومارسال» القيام بهذا التدقيق، وهذا القرار ملزم للجميع. وعلى مصرف لبنان تسليم التحقيق الجنائي كل المستندات المطلوبة ضمن المهلة المحددة في العقد، لأنّ المصرف ليس خارج الدولة اللبنانية، والحاكم هو موظف معيّن من مجلس الوزراء، وعليه التقيد بقرارات المجلس». وأشارت إلى أنّ «على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن ينفذ قرارات الحكومة أو أن يبرّر رسمياً للحكومة وللرأي العام سبب عدم تجاوبه معها. هناك فجوة كبيرة في حسابات المصرف، ونريد أن نعلم أين ذهبت ودائع الناس».
الترسيم الحدودي
على صعيد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، عبّر وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس مساء امس عن عدم «تفاؤله» بالمفاوضات الجارية في هذا الصدد بوساطة أممية «لأنّ لبنان يأتي بمطالب «قاسية».
وقال شتاينتس في مقابلة مع قناة i24NEWS: «لستُ متفائلاً في ما يخصّ محادثات ترسيم الحدود مع لبنان، فقد اتفقنا وقررنا أن نتحادث وأن نجد حلاً لهذا النزاع، ولكن إذا جاء اللبنانيون بطلبات قاسية كالتي رأيناها قبل 10 سنوات فلن نحلّ النزاع».
وعمّا إذا كانت المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي واللبناني ستؤدي إلى خفض التوتر بينهما، أكد شتاينتس أنّ هذه المفاوضات «ليست محادثات سلام او محادثات تطبيع»، وأكد وجود «انقسام في الآراء بما يخصّ الحدود بين البلدين منذ 10 سنوات، لبنان يريد خطاً معيناً وإسرائيل من ناحيتها تريد خطاً آخر، وتوجد فجوة معيّنة عبارة عن 5 كيلومترات بين الحدود». وأشار إلى أنّ الانقسام بين الطرفين «ليس كبيراً ولكنه موجود، وعلينا ان نحلّ هذا النزاع لأنه مهم لإسرائيل، ولكنه مهم للبنان أكثر». وقال: «نحن لا ننتظر شيئاً من اللبنانيين، فقد قمنا بتطوير كثير من مناطق الغاز والنفط، وحصلنا على كثير من الأرباح، وبدّلنا كل محطات النفط والفحم بالغاز الطبيعي وقَلّلنا من التلوث في الهواء بنسبة 60 %، فكل مواطن في إسرائيل يستنشق هواء نظيفاً وطبيعياً، ولكن في المقابل، يقوم لبنان بمعاداة إسرائيل من دون أن يتقدم أو يطور أي شيء من ناحيته».
غانتس والصواريخ
من جهة ثانية أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي المناوب ووزير الأمن بيني غانتس، أمس، خلال استقباله سفير الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل ايمانويل جيوفريه، خريطة لنشر الصواريخ في الحَيّز المدني في كل أنحاء لبنان، وقال: «هذه ليست محاكاة، هذا هو الواقع في لبنان، «حزب الله» ينتهك القانون الدولي ويخفي أسلحة في مناطق مدنية مأهولة كان من المفترض أن تكون منزوعة السلاح، وفي بعض الحالات داخل منازل مدنية. إذا اضطررنا للهجوم في لبنان، فسيحدث ذلك في هذه النقاط الساخنة المدنية وبتكلفة باهظة».
ودعا غانتس إلى توجيه رسالة إلى الحكومات الأوروبية التي هي على اتصال بلبنان مفادها «يجب أن تتحمّل الحكومة الجديدة، التي تم تشكيلها في لبنان، مسؤوليتها ودَفْعِ «حزب الله» من أجل مصلحته ومصلحة مواطنيه». وقال: «نجري اليوم حواراً مع لبنان حول ترسيم المياه الاقتصادية، وهذه فرصة لحل قضية الحدود البحرية برمتها حتى الخط الساحلي، ووضع آلية للحوار، ومن دون نشاط «حزب الله» وإيران في لبنان يمكن أن تكون هناك علاقات جيدة بين البلدين».
كورونا
على صعيد كورونا أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس تسجيل 2089 إصابة جديدة (2055 محلية و34 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 89186.
ولفتت الوزارة في تقريرها، إلى تسجيل 7 حالات وفاة جديدة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 638.
بالتزامن، واصلت قوى الأمن الداخلي تسيير دورياتها واقامة حواجزها المتنقلة جنوباً، بالتزامن مع التدابير التي تتخذها في بقية المناطق للحد من تفشي فيروس كورونا، وفي هذا السياق تم خلال اليومين الماضيين تحرير 28 محضر مخالفة في حق مؤسسات تجارية ومواطنين لم يلتزموا التعبئة (خرق حظر تجول وفتح مؤسسات ليلاً) ضمن نطاق عمل سرية درك صيدا. أمّا شمالاً، فتمّ تسليم قسم كورونا في مستشفى الكورة 3 أجهزة تنفس اصطناعي، بمبادرة من رئيس اتحاد بلديات الكورة كريم بو كريم ورئيس بلدية اميون مالك فارس وبعض «الايادي البيض» في الكورة الداعمين لهذا المشروع.
من جهة ثانية، طلب وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي من «جميع المحافظين والمديرية العامة للاحوال الشخصية فتح أقلام النفوس في البلدات المقفلة بسبب ارتفاع إصابات كورونا فيها، على أن يُصار إلى التقيّد بالشروط الصحية وإجراءات الوقاية والسلامة العامة وبإلزامية وضع الكمامة والنظافة الشخصية وعدم الاكتظاظ والمحافظة على المسافات الآمنة بين الأشخاص والتعقيم بصورة دائمة». ودعا إلى «تكليف شرطة البلدية في البلدات التي توجد فيها أقلام النفوس، ضَبط حركة دخول المواطنين وخروجهم من هذه الأقلام وإليها».