مسكين ميشال عون على هذه “الآخرة”، ولسان حاله كمن يردد “هذا ما جناه عليّ صهري وما جنيتُ على عهدي وتياري”. صحيح أنّ العقوبات الأميركية طالت شخص رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لكنها عملياً زلزلت الأرض تحت أقدام العهد العوني وتياره بهزات ارتدادية كارثية. فباسيل ليس كياناً قائماً بحد ذاته إنما هو سليل الاستثمار في تاريخ عون، جيّر كلّ رصيده السياسي والرئاسي لحساباته وطموحاته، ورث منه تياراً عريضاً عابراً للمناطق فاستأصل منه العونيين وشق الصفوف بين قيادييه، وما أن تحقق حلم الجنرال بالعودة رئيساً منتخباً إلى قصر بعبدا حتى تسلّق على أكتاف “جبل بعبدا” وخطف منه الدفة الرئاسية ليقوده وعهده مباشرةً إلى هاوية “جهنّم”.
اليوم، وفي اللحظة التي احترقت فيها ورقة باسيل، احترقت معها أوراق العهد العوني والتيار الوطني بعدما أودعها ميشال عون كلها في عهدة صهره، ظناً منه أنه ذلك الصهر الذي يسند الظهر، فكان له صهراً قاصماً لظهر العهد والتيار معاً، بعدما استجلب لهما وصمة الفساد ومساندة الإرهاب بالمعايير الأميركية والدولية.
غير أنّ أوساطاً سياسية رفيعة أعربت عن توجسها من أن تنسحب عقوبات باسيل على ما هو أبعد من مصير التيار الوطني والعهد العوني لتطال بتداعياتها مصائر عموم اللبنانيين إذا قرر أن يعمد خلال السنتين المتبقيتين من عمر العهد إلى “معاقبتهم بشكل جماعي” على قاعدة “من بعدي الطوفان”، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ “من يعرف جبران باسيل يعلم جيداً أنه لن يستكين ولن يغيّر طباعه بل هو على الأرجح سيرفع منسوب النكد والكيد في سياساته وأدائه، ولن يسمح لأحد في لبنان بأن يهنأ عيشاً من الآن فصاعداً، ولن يألو جهداً في ابتزاز الحلفاء والانتقام من الخصوم ومحاولة قلب الطاولة على الجميع في المرحلة المقبلة”.
وبينما غلّف باسيل أول تعليق له على مسألة إدراجه على قائمة عقوبات ماغنيتسكي بغلاف “الطوباوية والمظلومية” بانتظار الإدلاء بدلوه في كلمة متلفزة ظهر الغد، عاجله “حزب الله” مساءً ببيان مؤازرة ومواساة وتضامن، أكد فيه تخندق الحزب بشكل كامل مع باسيل ومع تياره في مواجهة “الولايات المتحدة راعية الإرهاب والفساد حول العالم” حسبما جاء في بيان التنديد بـ”القرارات الظالمة والافتراءات المرفوضة”.
وفي المقابل، فنّدت وزارة الخزانة الأميركية مسوغات عقوباتها على باسيل والتي تركزت بشكل أساس على كونه “واجهة الفساد في لبنان” باعتباره “مسؤولاً أو متواطئاً أو متورطاً بشكل مباشر أو غير مباشر في الفساد، بما في ذلك اختلاس أصول الدولة أو مصادرة الأصول الخاصة لتحقيق مكاسب شخصية، أو من خلال الفساد المتعلق بالعقود الحكومية أو استخراج الموارد الطبيعية أو الرشوة”، وذلك بالتوازي مع تشديد المسؤولين الأميركيين على كون دعم باسيل لـ”حزب الله” وارتباطاته به كانت دافعاً رئيسياً في فرض العقوبات عليه.
فوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لفت إلى أنّ باسيل “اشتهر طوال مسيرته الحكومية بالفساد وارتبط اسمه بشراء النفوذ داخل الوسط السياسي اللبناني، وعندما كان وزيراً للطاقة شارك في الموافقة على مشاريع عدة كان من شأنها توجيه أموال الحكومة اللبنانية إلى أفراد مقربين منه من خلال مجموعة من الشركات الوهمية”، بالإضافة إلى أنّه “من خلال أنشطته الفاسدة قوّض الحكم الرشيد وساهم في نظام الفساد السائد والمحسوبية السياسية التي ساعدت وشجعت على أنشطة حزب الله المزعزعة للاستقرار”.
وكذلك أكد مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر للـLBCI أنّ “العقوبات ستستهدف الموارد المالية الخاصة بباسيل وحساباته المصرفية وستُظهر كيف تنظر الولايات المتحدة حيال الفساد الذي قام به خلال السنوات الماضية بالإضافة الى علاقته بحزب الله التي سمحت للفساد بالازدهار”، مشيراً إلى أنه كان علم بأنّ حزمة العقوبات الجديدة يجري الإعداد لإصدارها في واشنطن حين زار بيروت ولم يلتقِ حينها باسيل.
وإذ استبعد شنكر أن تؤثر العقوبات على ملف تشكيل الحكومة، لم تخفِ مصادر وجود بعض الهواجس في هذا المجال، وأكدت أنّ عملية التأليف تمر راهناً بمرحلة “ترقّب وتقويم للتأثيرات المتأتية عن هذه العقوبات”، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنه “من المبكر الحكم على مسار الأمور على صعيد المشاورات الحكومية بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من مؤشرات تشي بما إذا كانت النوايا تسهيلية أو تعطيلية في مواجهة المستجدات الأخيرة”.
أما في قصر بعبدا، وبينما استأنف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لقاءاته التشاورية أمس مع رئيس الجمهورية واستكمل معه “درس تشكيل الحكومة الجديدة في أجواء إيجابية” بحسب بيان الرئاسة الأولى، برز ليلاً في أعقاب إدراج رئيس “التيار الوطني الحر” على قائمة العقوبات الأميركية إجراء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً هاتفياً بعون استعجله خلاله في عملية التشكيل، مشدداً على “الحاجة الملحة” لوضع لبنان على مسار الإصلاحات و”التشكيل السريع لحكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والاستجابة لأزمات البلد”، وفق ما أعلنت الرئاسة الفرنسية، باعتبار ذلك “شرطاً لكي يتمكن المجتمع الدولي من تعبئة جهوده كاملة لمواكبة نهوض لبنان”.