تحت عنوان “حررتموني”، تناول النائب جبران باسيل العقوبات الأميركية التي طالته. لم يرضخ للضغوط الأميركية المتواصلة لفك الارتباط بحزب الله، فكانت تهمة الفساد جاهزة. صحيح أنه ترك الهامش واسعاً أمام اختلاف الآراء مع حزب الله، لكنه كان حاسماً في أن العلاقة مع الحزب ليست شأناً أميركياً. كل ذلك، قاد باسيل إلى إنهاء مرحلة الابتعاد عن الواجهة في مفاوضات تأليف الحكومة. وهو إذ أمل أن تسهم العقوبات في تذليل العقبات، وأبرزها إصرار سعد الحريري على المشاركة في تسمية الوزراء المسيحيين، أعاد إحياء بعض الشروط التي كان تم تجاوزها، وأبرزها: رفض حكومة 18 وزيراً، ورفض المداورة التي تستثني وزارة المالية
لم يكن الأمر يحتاج إلى مؤتمر صحافي، ليتم التأكد من أن “الفساد” هو الشمّاعة التي قررت الإدارة الأميركية أن تُلبسها لقرارها فرض عقوبات على جبران باسيل. حزب الله هو بداية سياستها في لبنان ونهايتها، لكنه ليس واضحاً لماذا غلّفت قرارها بعبارات لا تشبه أداءها. أرادت أن تُبدي حرصها على اللبنانيين، من خلال محاربة الفاسدين منهم، فلم تقع يدها إلا على جبران باسيل. لكن السياق الذي سرده الأخير عن مسار العقوبات، وإن عمد فيه إلى التمييز بين إدارة بائدة وإدارة آتية، يؤكد أن دولة لم تر يوماً أن حلفاءها، سياسيين ومصرفيين، غارقون في الفساد، لا يمكن أن تؤتمن على مساعدة اللبنانيين. صاحبة السجلّ الحافل في حماية الأنظمة الفاسدة، وشريكتها في سرقة ثروات بلدانها في المنطقة وفي العالم، لا يمكنها أن تحددّ من هو فاسد ومن ليس كذلك.
وتأكيداً لذلك، استعاد باسيل محطات الترغيب والترهيب التي مورست معه من قبل السفارة الأميركية ومن مسؤولين أميركيين. المطلب كان واحداً: فك الارتباط مع حزب الله، مقابل إغراءات قد تسيل لعاب أي طامح للحصول على الرضى الأميركي، الذي قد يفتح أبواباً لا تُفتح. لكن مع ذلك، حررت العقوبات باسيل من الضغوط المستمرة منذ صيف العام 2018، كما أعلن. قال حرفياً: “حررتموني، الظلم يكبّر النفس الحرّة والأبيّة، وأنا اليوم أكثر حرية وعزّة.
وكرر باسيل الإشارة إلى أن الحديث معه “تضمن “حزب الله” وكل شيء الا الفساد، والعقوبة تضمنت الفساد وحقوق الإنسان، وبالكاد تم ذكر الحزب. لو قبلت معهم بقطع العلاقة مع “حزب الله”، لم أكن فاسداً؟ ثم قانون ماغنتسكي يتناول قضايا حقوق الانسان مثل خاشقجي، أما قضايا الفساد الواردة بخصوصي فهي مضحكة مثل أزمة الطاقة بلبنان – أزمة النفايات – أزمة تلوث البحر – انفجار المرفأ – في الخارجية تعييني فاعلين في الدولة – في الطاقة، استعمال شركات واجهة لمقربين مني للاستفادة! هذا يشبه ثرثرة سياسية لبعض الحراك والسياسيين الكذابين في لبنان. الآن عرفنا بقلم من كتبت العقوبة! عرفنا كيف تكتب الـ هيلا هيلا هو بالانكليزي؟ تأكدنا من الراعي الدولي للاغتيال السياسي الذي أتعرض له! أنا أعرف تماماً هذا النمط من الثورات الملونة التي تستعملها أميركا في العالم، وكان آخرها في أرمينيا. ولكن أنا لم أكن أصدق أن أكبر دولة في العالم، والتي تمسك بالنظام المصرفي العالمي وتحويلاته، ولديها أكبر أجهزة مراقبة واستخبارات لا تقدم ورقة أو دليلاً أو اسماً أو رقماً أو إثباتاً.
إذا أرادوا محاربة الفساد فليوقفوا دعمهم لجماعتهم التي تمنع التدقيق الجنائي، وليزوّدوا لبنان بكل التحويلات المالية منه لتهريب الأموال المنهوبة والمحولة”.
وأكد باسيل أنه سيعمل على “تكليف مكتب محاماة بهدف إبطال القرار لفقدان الأساس القانوني، وطلب التعويض المعنوي والمادي، وموعدي يكون عندها مع القضاء الأميركي، مع العلم بأن ما يأتي بالسياسة بشحطة قلم يذهب بالسياسة، وخصوصاً أن البند الرابع من شروط إلغاء العقوبات يحدد إمكان إلغائها إذا اقتضت مصلحة أميركا ذلك”.
وقال باسيل إن لديه معلومات أن العقوبة مطلوبة من خارج أميركا، لأني تبلّغت رسمياً أنها أتت بالإدارة من فوق الى تحت، وليس كالعادة من تحت الى فوق. وسأل هل هذه مصلحة أميركا أم مصلحة إسرائيل بضرب المسيحيين في لبنان؟
أضاف: نحن لا يمكن أن نطعن أي لبناني لمصلحة أجنبي، هذا مبدأ سياسي في التيار لا يمكن أن نخلّ فيه تجاه أحد، وأنا قلت في 13 تشرين الماضي، لأنني كنت أعرف الى أين سنصل: “عزل أي مكوّن لبناني، لن نمشي به ولو كلّفنا غالياً… لا ينفع معنا، لا طياراتكم، ولا تهديداتكم ولا عقوباتكم”. وتابع: “بالخلاصة الأساسية، نحن نختلف مع أميركا على أمور عديدة غير حزب الله، وعقابنا على هذه الخلافات كان لأنها استمرت باتباع سياسة معاكسة لمصلحة لبنان، لا بل مدمرة لكيانه ومزيلة لوجوده. هذه
الخلافات هي على موضوع عودة النازحين السوريين، وموضوع توطين اللاجئين الفلسطينيين وصفقة القرن، ومسألة حقوقنا مع إسرائيل في الأرض والحدود والموارد ومسألة العدل والسلام مع إسرائيل، ومسألة الإرهاب. أما في مسألة حزب الله، فلأن هناك مصلحة إسرائيل، أدى الاختلاف عن غير حق الى فرض عقوبات غير قانونية ومبنية على افتراءات. نحن نختلف مع حزب الله حول أمور أساسية وعقائدية، مثل السلام في المنطقة ووجود إسرائيل. لبنان يريد السلام لا الحرب. السلام يقوم على أساس المبادرة العربية وعلى الحقوق المتبادلة: للعرب الحق بالأرض، ولفلسطين الحق بالدولة ولإسرائيل الحق بالأمن (هذا 1701 وهذا ما نعيشه على الحدود منذ 2006). هذا خلاف كبير، يهاجمني فيه جمهورهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لا يقمعني الحزب ولا تعاقبني إيران، بل يقولون نحترم خلافاتنا. أما أميركا فتعاقبني كفاسد ومجرم وإرهابي! هذه أميركا، تنتهي القصة في أيادي بعض الكتبة الحاقدين! مئات ملايين الدولارات صرفت لخلق حالة شعبية وإعلامية مناوئة، ولم تستطيعوا الإثبات في ملف واحد مثبت؟ فقط اتهامات معمّمة!”.
وقال باسيل: “أنا ضد التوطين، وليس لديّ طائرة ولا قصر ولا يخت ولا حساب في الخارج، أأكون فاسداً؟ وحلفاؤكم لأنهم مع التوطين والنازحين وقاموا بكل الفساد بيطلعوا أوادم؟ أنتم قلتم ستلاحقون كل الفاسدين، أظهروا لنا ذلك، اكشفوا الحسابات والتحويلات وانشروها وهي كلها بامتلاككم، أظهروا لنا عدالتكم ومساعدتكم للبنان، افتحوا ملفاتكم، وأرسلوا براهينكم. أنا مستعد لأي مواجهة، أعطوني واقعة واحدة وإثبات واحد، سمّوا شركة واحدة من شركات الواجهة التي تحدثتم عنها، وحدّدوا حساباً مصرفياً واحداً”.
وكرر باسيل: “نحن لا نطعن أي حليف أو صديق أو أحد تفاهمنا معه لصالح أحد في الداخل. لا المستقبل غدرناهم ولا القوات خنّاهم، ونتكلم بالموضوع في الوقت المحدد، فلا يمكن أن نطعن حزب الله. لا نترك بضغط خارجي! إذا أردنا أن نترك فلأسباب داخلية تتعلق بنا وبمصلحة البلد. على كل حال كنا عبّرنا سابقاً أن البلد يحتاج الى إصلاح حقيقي ولا يمكننا أن نكمل هكذا. واتفقنا أخيراً على إجراء مراجعة وإعادة نظر في وثيقة التفاهم كي نطوّرها لنقدم شيئاً لجمهورنا وللناس المتأملين فينا الخير للبلد”.
قواعد جديدة للتأليف
حكومياً، ثبّت كلام باسيل ما كان جلياً قبل يومين. بعد خلط الحريري أوراق التأليف بإصراره على المشاركة في تسمية الوزراء المسيحيين وتراجعه عن استبدال حقيبة الداخلية بالخارجية، قبل أن يعيد باسيل تأكيد أن المشاورات عادت إلى النقطة الصفر. أما حزب الله الذي كان اتفق مع باسيل على أن يعمل كل طرف على إدارة المفاوضات الحكومية بما يناسبه، صار بعد العقوبات أمام معطى جديد يفرض عليه دعم حليفه، ومنع الاستفراد به. ولذلك، هو لن يسمح بأن يُحمّل باسيل وزر تداعيات العقوبات، كما لن يسمح بالتعامل مع باسيل بصفته المتضرر الوحيد من انتفاضة 17 تشرين.
أما رئيس التيار الوطني الحر، فبدوره تخلى، بعد العقوبات، عن حذره في مقاربة ملف التأليف. انتهى بالنسبة إليه زمن التلطي خلف رئيس الجمهورية “لتحصيل الحقوق”. وهو إذ أمل أن تكون العقوبات سبباً للتسريع في تأليف الحكومة، إلا أنه ربط ذلك بعدم وجود إرادة لدى أحد بأن يستكمل لعبة الخارج من الداخل، “ويسعى لاستهدافنا من دون غيرنا، ويسعى لتحجيمنا أو لإقصائنا دون غيرنا. فهذا أمر لن نسكت عنه أبداً”.
وشدد على أن “ركائز أي حكومة تقوم على 3 أمور يجب تحديد معايير واضحة لكل واحدة منها، وتتألف الحكومة بيومين، والركائز هي:
- عدد الوزراء: لا يجوز جمع وزير بحقيبتين، وإلا يكون هذا الأمر ضرباً لمبدأ الاختصاص، والإصرار على هذا الأمر، من دون منطق يخبّئ استهدافاً سياسياً لأفرقاء وطوائف لتحجيمها في الحكومة.
- توزيع الحقائب والأعداد على الطوائف والكتل: من السهل اعتماد معايير لتحديد كيفية توزيع الحقائب على أساس حجمها على الطوائف والكتل، وهذا تمرين صار معروفاً.
- المداورة للجميع أو مداورة جزئية لعدم الاعتراف بتثبيت وزارة المال للشيعة.
- التسمية: يجب اعتماد آلية واحدة لتسمية الوزراء، من اختصاصيين طبعاً. ولكن لا أحد يحتكر وحده تسمية الاختصاصيين وكأنه وحده يعرفهم أو يملكهم. كل طرف يسمّي وزراءه ويوافق عليهم رئيس الجمهورية والحكومة، وهذا هو المنطق، وأي آلية أخرى يجب أن تكون واحدة على الجميع.
إذا لم يتم اعتماد معايير واضحة وموحدة، فالحكومة ستتأخر، ومن يؤخرها هو من يضع معايير استنسابية ويخبّئها بوعود متناقضة بهدف واحد هو تكبير حصته فقط. هذا الأمر إضاعة للوقت لمصلحة الانهيار، وتضييع للمبادرة الفرنسية كما أضاعوا حكومة مصطفى أديب”.
الرئيسية / صحف ومقالات / الأخبار : تأليف الحكومة: المشاورات عادت إلى النقطة الصفر | باسيل للأميركيين: حرّرتموني